يمتلك المطبخ اللبناني شهرة واسعة، وخصوصاً لناحية تنوع الفاكهة والحرص على تقديمها للضيوف. إلا أن الحفر عليها ليس شائعاً. وقلة هم اللبنانيون الذي يعرفون أو يحترفون هذه الحرفة، وأبرزهم في الوقت الحالي أستاذ الجغرافيا في الجامعة اللبنانية يوسف حجازي، الذي حصل على الميدالية الذهبية في معرض HORICO العالمي في بيروت للحفر على الفاكهة والخضار عام 2017. ويقول لـ "العربي الجديد": "نشأت هذه الحرفة منذ زمن بعيد في جنوب شرق آسيا، حيث كانت المطاعم والأماكن السياحية في لبنان تستعين بأشخاص للحفر على الفاكهة من الفيليبين والصين وغيرهما لتأمين طلبات الزبائن لكن بأسعار مرتفعة. إلا أنها باتت منتشرة في لبنان اليوم، وهناك الكثير ممن يمتهنون هذه الحرفة، وإن كان المحترفون قلّة. ربما يكون منهم من يعمل خارج لبنان". يضيف: "دورنا هو تعريف الناس على هذه الحرفة وأهميتها وجمالها لتصبح جزءاً من المطبخ اللبناني، وآمل أن تنتشر أكثر فأكثر في لبنان".
يملك حجازي فرن "ساحة الضيعة" في بلدة معركة في قضاء صور (جنوب لبنان). هناك، كان كل شيء جاهزاً من عيدان الأخشاب والسكاكين والمشارط وغيرها من الأدوات البسيطة، بالإضافة إلى اليقطين. يقول: "اخترت اليقطين كونه من الفاكهة الصلبة التي تبقى ثابتة لوقت أطول، وسأبدأ بحفر الطاووس لأنه من أجمل الطيور. وعند حفره ونحته على اليقطين، يبدو جميلاً". يضيف: "أحفر ما يطلبه الزبون من أنواع الطيور وغيرها وحتى التنّين. وعادة ما يكون الطاووس وطيور البجع والنسر والبط وغيرها مطلوبة أكثر من غيرها لدى الزبائن نظراً لجمالها عند عرضها. ولإكمال حفر الطاووس، يحتاج إلى أكثر من 40 قطعة محفورة من اليقطين، الأمر الذي يتطلب الموهبة والفن والتركيز والتأني والصبر".
ولدى سؤاله عن كيفية تعرّفه على هذه الحرفة، يقول حجازي: "في أحد الأيام، وجدت صورة هي عبارة عن منحوتة لبطّة من الجليد وإلى جانبها بطيختان منحوتتان. لفتت انتباهي وبدأت الاطلاع على تفاصيل هذه الحرفة، والتدرب على الحفر. وخلال عيد ميلاد أحد أصدقائي، قرّرت أن أقدم له هدية فنحتّ صورته على البطيخ، ونالت إعجاب الحضور".
ويوضح أن "الحفر والنحت على الفاكهة يتطلبان معدات خاصة ليست متوفّرة في لبنان. لذلك، نضطر لشرائها من دول أجنبية أو نطلبها أونلاين. وأحياناً، نستخدم أدوات بمتناول أيدينا". ويرى أنه "لا يمكن تعلم الحرفة من دون موهبة وشغف، حتى لو كان المرء رسّاما أو نحّاتا. ويدهش بعض الفنانين بسبب الأشكال الفنية الجميلة التي تنتج من الحفر على الفاكهة ما يعني أنها تتطلب الرسم والنحت والإحساس المرهف والحب"، لافتاً إلى أن "الخطأ ممنوع أثناء الحفر على الفاكهة لصعوبة إصلاحه، وقد تكون المعالجة من خلال تغيير الفكرة أو المجسّم المنوي حفره بعض الشيء. لكن الخطأ الكبير لا يمكن تصحيحه". ويقول إن البعض يعمد إلى تلوين المجسّم أو المنحوتة، "إلا أنني أفضل بقاءها على طبيعتها".
ويؤكد حجازي أنه "بالإضافة إلى اليقطين، فإن أكثر الفاكهة جمالاً بعد الحفر عليها هي البطيخ كونها تجمع ما بين الألوان الأخضر والأبيض والأحمر وأحياناً الزهري، لا سيما ممّن يتّقن الحفر بأسلوب ثلاثي الأبعاد، وهذا ما أفعله خلال حفر الطاووس". ويلفت إلى أن "هذا الأسلوب صعب جداً ويحتاج إلى موهبة والدقّة في الحفر والنحت، إلاّ أنه يعطي جماليّة قلّ نظيرها للمجسّم وانطباعاً رائعاً لدى الناس".
وعن الوضع الاقتصادي وأزمة الدولار وجائحة كورونا، يؤكد حجازي أن "الطلب على الفاكهة المحفورة ما زال جيداً، لا سيما من قبل المغتربين". ويوضح أنه يكثر الطلب عليها في بعض المناسبات كحفلات الزفاف وأعياد الميلاد والافتتاحيات، وخصوصاً الفاكهة المحلية كاليقطين والبطيخ وغيرهما، إذ إن سعر الفاكهة المستوردة مرتفع بالمقارنة مع القيمة الشرائية في ظل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار". يضيف: "نراعي ظروف الناس وأوضاعهم المعيشية الصعبة، وكل ما أريده من مشاركتي في المعارض والمسابقات هو رفع اسم لبنان عالمياً في هذه الحرفة".
يضيف: "صحيح أن الطلب جيد لكن المردود المادي أقل ممّا كان عليه قبل سنتين بسبب الأزمات المتلاحقة. الهدف المباشر ليس الربح المادي، بل نشر هذه الحرفة لتصبح مقرونة باللبناني كما في بعض الدول الأخرى في جنوب شرق آسيا، وآمل أن يصل اللبناني من خلال هذه الحرفة إلى العالمية، كما هو الحال في فن الطبخ".
ولشدّة شغفه بهذه الحرفة، يقول حجازي: "منذ سنتين، كنت بصدد إنشاء معهد لتعليم هذه الحرفة، وإعطاء شهادة رسمية من قبل وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان. لكن بسبب الأزمات المتلاحقة، تريثت قليلاً حتى تتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الخانقة. وأتمنّى على الكليات والمعاهد التي تدرس الفندقية، إيلاء هذه الحرفة الاهتمام اللازم. وهذا ما يتمناه العديد من الطلاب الذين يدرسون الفندقية، إذ يأتون إليّ كي يتعلّموا فن الحفر على الفاكهة والخضار".