يوميات لبنانيين محاصرين في المربع الأحمر

15 نوفمبر 2024
دمار تسببت به غارات الاحتلال في ضاحية بيروت الجنوبية، 9 نوفمبر 2024 (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

بات مربع التحذير الأحمر الذي يصدره جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل استهداف مناطق لبنانية عدة، ولا سيما في الضاحية الجنوبية لبيروت، هاجساً لدى لبنانيين كثيرين، خصوصاً في المناطق التي لم ينزح عنها كلّ سكانها بعد. كثير من اللبنانيين باتوا نازحين في مناطق تصنَّف آمنة، وهي ليست كذلك تماماً، إذ تكررت غارات الاحتلال على مناطق تقع خارج الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، من بيروت الإدارية إلى جبل لبنان وصولاً إلى الشمال. وتستهدف الغارات تلك سيارات ومباني مليئة بالنازحين غالباً. النازحون يعيشون اليوم لدى أقاربهم ومعارفهم، أو في مراكز الإيواء، أو استأجروا منازل في مناطق عدة. 

مشاكل عائلية واستغلال

الفئة الأولى يتحمل فيها الناس بعضهم بعضاً بانتظار انتهاء العدوان. تقول ناهد، وهي أم لولدين توفي زوجها قبل أربعة أعوام، إنّها لم تكن تتخيل أن تعيش يوماً في منزل شقيق زوجها، لكنّها مضطرة اليوم لذلك، رغم عدم توافقها الكلي مع سلفتها. هناك نوع من الهدنة بين الطرفين حالياً، وإن كان التواصل في الحدود الدنيا. الفئة الثانية تشعر أكثر من غيرها بالاستغلال، إذ رفع مالكو الشقق والمنازل أسعار إيجاراتهم أضعافاً، خصوصاً ما هو مؤثث منها، وبينما تنفق هذه الفئة مما تملك حالياً، ومع غياب مصادر الدخل حالياً لدى كثيرين، فإنّ طول أمد الحرب يعني احتمال انضمامها إلى الفئة الثالثة في مراكز الإيواء في الفترة المقبلة. هذا ما حدث مع جهينة وزوجها أيمن، إذ نزحا مع أطفالهما من قريتهما الجنوبية، واستأجرا شقة مفروشة في الحمرا، بيروت، بـ1600 دولار أميركي شهرياً. لكنّ الشهر انتهى ولم يتمكنا من إيجاد شقة أقل كلفة فاضطرا "بألف واسطة"، كما تقول، للسكن في مركز للإيواء كان مدرسة. هم هناك منذ أكثر من أسبوع، تقول جهينة: "الأوضاع ليست مثالية، خصوصاً لجهة النظافة، وعدم توافر ما يكفي من الحمامات، لكنّه أفضل من المبيت في الشارع"، خصوصاً أن لا منازل لأقاربهم في أماكن آمنة.

مع كلّ مربع ضربة ببلاش

كلّما نشر المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي تحذيراً بشأن غارة جوية، انكبّ اللبنانيون ولا سيما أبناء وسكان المنطقة المستهدفة على دراسة الخريطة والتعرف مجدداً إلى أماكن سكنهم. "بيتي في المربع الأحمر"، "بيتي ملاصق له". الأنكى أنّ طيران الاحتلال لا يلتزم بخرائطه، بل يتجاوزها، حتى أطلق زياد شعاراً يشبه إعلانات العروض اللبنانية في المطاعم وغيرها: "مع كلّ مربع أحمر ضربة ببلاش"، يقصد غارة من خارج التحذيرات المسبقة التي لا تعطي السكان عادة وقتاً للتحرك بعيداً، ما يعني احتمال سقوط شهداء.
المربع الأحمر يقبض عضلات القلب، ويثير غثياناً، لكنّ أماني شعرت بذلك من دون أن يكون منزلها في الليلكي محاطاً بذلك المربع اللعين. تقول إنّ إلهاماً ما جاءها بالخروج منه والابتعاد عن الحيّ. وما هي إلّا لحظات حتى شاهدت من مسافة قريبة لكن آمنة البناية كلّها تسقط بصاروخين.                                                          بدورها، لم تتحمل هادية الحياة في مدرسة تحولت إلى مركز للنازحين في بيروت. عاشت يومين هناك وعادت إلى منزل أهلها في الضاحية تاركة والدتها وجديها في المدرسة. تقول إنّها رغم التهديدات الإسرائيلية المستمرة لا يمكن أن تقايض حريتها بشيء. المشكلة أنّ تلك المساومة لم تكن في محلها حينما هدد العدو قبل يومين، بعد منتصف الليل، مبنى بعيداً شارعين عن منزلها. كانت نائمة، لكنّ أصوات الرصاص التحذيري، الذي يطلقه عادة شبان بقوا في الضاحية، أيقظها، وأدركت خطورة موقفها ما إن فتحت هاتفها. لم تمهلها الغارة، إذ وقعت بينما كانت تهمّ بالمغادرة. نجت منها وما زالت تصرّ على البقاء في المنزل رغم كلّ شيء.

يسبق المربع الأحمر عادة صوت طائرة الاستطلاع (الدرون). لكنّ هذا الصوت ليس مقتصراً على أيام الغارات وهي كثيرة، بل يحتل معظم الأيام بليلها ونهارها. يتكيف معه العقل تجاهلاً في كثير من الأحيان، لكنّ محمد يحيلك إلى درس قديم من عالم النفس الروسي (السوفييتي لاحقاً) إيفان بافلوف عن الاستجابة الشرطية. يقول العشريني الذي حصل على الإجازة في علم الاجتماع قبل سنوات، إنّ الخوف من "الدرون" واقع لا محالة، فهي لا تخيف بذاتها، بل لأنّ الغارات الجوية تأتي من بعدها غالباً. هكذا يربط الدماغ تلقائياً صوتها بالموت والدمار اللذين يعقبانه بصورة تلك الغارات. "إذاً حتى الدرون غير المجهزة بالصواريخ تحمل الموت أيضاً"، يقول محمد.

المساهمون