استمع إلى الملخص
- الحرب المستمرة دمرت البنية التحتية الصحية، مما أدى إلى وفاة العديد من الأطفال بسبب نقص الرعاية الطبية، ويعاني 95% منهم من نقص التغذية، مما يزيد من خطر المجاعة.
- المجتمع الدولي يواجه صعوبات في محاسبة إسرائيل على الانتهاكات، رغم الجهود القانونية الدولية، ويعاني الأطفال من نقص الاحتياجات الأساسية والأمراض بسبب الظروف القاسية.
منذ بدء العدوان على قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، كان الأطفال من الفئات الأكثر استهدافاً إن كان من ناحية قصفهم من قبل الاحتلال، أو من ناحية منعهم من الوصول إلى الرعاية الصحية والغذاء الكافي
يتعرّض الأطفال في قطاع غزة لاستهداف مباشر وغير مباشر تسبّب في استشهاد أكثر من 17 ألفاً منهم في الحرب المتواصلة للعام الثاني على التوالي، من دون أفق بانتهائها حتى الآن. ولا يكاد يمر يوم من دون تسجيل استشهاد أطفال سواء عبر عمليات القصف الجماعي التي تطاولهم مع عائلاتهم أو من خلال الاستهداف بالطائرات المسيرة، والمدفعية، أو من خلال القوات البرية في مختلف مناطق القطاع. وكثيراً ما استهدف الاحتلال الإسرائيلي الأطفال خلال وجودهم في مناطق النزوح سواء في فترات كانوا يلعبون فيها قرب خيامهم أو خلال وجودهم في المناطق التي يعلن الاحتلال أنها آمنة، لا سيما في المناطق التي يدعو السكان للنزوح إليها جنوبي وادي غزة وسط القطاع وحتى أقصى جنوبي القطاع.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نسبة الأطفال في القطاع تشكل 47% من إجمالي عدد السكان بواقع 544.776 طفلاً ذكراً، و523.210 إناث، منهم حوالي 15% دون سن الخامسة (341.790).
ويقدر الجهاز في بيانات حديثة صادرة عنه أن الاحتلال يقتل حوالي أربعة أطفال كل ساعة في القطاع خلال حرب الإبادة المتواصلة للعام الثاني على التوالي، ويشكل الأطفال ما نسبته 44% من إجمالي عدد الشهداء، كما شكل كل من النساء والأطفال ما نسبته 70% من المفقودين.
ولا يحصل الأطفال على الرعاية الصحية الكاملة، ما تسبب في ظهور فيروس شلل الأطفال، لتطلق حملة تلقيح ضد الفيروس على مرحلتين بعد حوالي ثلاثة عقود ونيف من اختفاء المرض تماماً في الأراضي الفلسطينية، في حين يواجه الأطفال خطر المجاعة مع انعدام الأمن الغذائي وشح الوجبات والطعام بفعل سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال بحق حوالي 2.4 مليون نسمة.
وخلال حرب الإبادة على القطاع، دمر الاحتلال مستشفيين للأطفال هما عبد العزير الرنتيسي ومستشفى النصر للأطفال، بعد حصار لأسابيع تسبب في استشهاد أطفال وتحلل أجسادهم بعدما تركوا دون إجلاء خلال العملية البرية في مدينة غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
الفلسطيني محمد أبو زياد هو أحد الأهالي الذين ذاقوا مرارة الفقدان بعدما استشهد جميع أفراد عائلته وأطفاله الأربعة، خلال قصف إسرائيلي طاولهم في الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية. ويقول لـ "العربي الجديد" إن استشهاد أطفاله كان صادماً حتى أضحت الأيام شبيهة ببعضها البعض، لا يعرف بدايتها من نهايتها نظراً لقسوة الفقدان وتعلقه الكبير بأطفاله وجميع أفراد عائلته.
يضيف: "نزعوا قلبي وعقلي وأصبحت حياتي بلا قيمة. ما هو الذنب الذي ارتكبه الأطفال حتى يقوم الاحتلال بقتلهم بدم بارد. غالبية القصف في غزة يستهدف المدنيين سواء النساء أو الأطفال أو كبار السن". وكشف تقرير نشرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن النساء والأطفال شكّلوا ما نسبته 70% من آلاف شهداء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الذين تحققت الهيئة الدولية من استشهادهم خلال الفترة بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 وإبريل/ نيسان الماضي. وتحدث التقرير عن أن "عمليات قتل المدنيين في غزة تنتهك القانون الدولي، وترقى في كثير من الأحيان إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وحتى إلى إبادة جماعية".
من جهتها، تقول القائمة بأعمال مدير الإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، إيناس حمدان، إن هذه حرب غير مسبوقة، والأطفال والنساء هم الحلقة الأضعف والأكثر تأثراً بما يجري. وتوضح لـ "العربي الجديد"، أن معظم أطفال القطاع يعانون من صدمات واضطرابات نفسية بحسب التقارير التي ترد الوكالة، في ظل الظروف المعيشية غير المسبوقة نتيجة استمرار الحرب للعام الثاني على التوالي. تضيف أن هناك ارتفاعا في مستويات انعدام الأمن الغذائي، إذ إن 95% من الأطفال يتناولون أقل من وجبتين في اليوم بسبب شح المواد الغذائية، فيما يقتل ويصاب بشكل متوسط 67 طفلاً يومياً.
وتلفت حمدان إلى أن 127 طفلاً في حاجة ماسة للعلاج والرعاية الطبية، تمكنوا من مغادرة القطاع لتلقي العلاج، في الوقت الذي لا يموت فيه الأطفال من القصف وإنما من الجوع والمرض أيضاً. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن طفلا واحدا من بين كل خمسة أطفال في غزة يعاني من سوء التغذية، وثمة أطفالا في مرحلة الهزال بفعل انعدام الأمن الغذائي وعدم تلقي الغذاء الصحي نتيجة استمرار الحرب.
وتشير المنظمة في حصيلة إجمالية صادرة عنها إلى وجود أكثر من 15 ألف امرأة حامل على حافة المجاعة في القطاع، فيما يعاني نحو 3000 شخص من المجاعة، ومن الممكن أن تتفاقم هذه الأوضاع خلال فصل الشتاء.
بدوره، يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن ما يحدث مع الأطفال في غزة لا يبدو مصادفة، بل يمكن القول إن أكثر من مليون طفل في القطاع باتوا ضحايا للإبادة الإسرائيلية، منهم 544.776 طفلاً ذكراً و523.210 إناث، ولا يمكن تبريره ضمن سياق الأضرار الجانبية المعتادة للنزاعات. يضيف عبده لـ "العربي الجديد" أن هناك مئات الشهادات عن استهدافات واضحة ومتعمدة للأطفال سواء بالقنص أو الاستهداف بالمسيرات التي تستطيع أن ترى وتصور وتعرف ماذا استهدفت.
ويشير إلى أن الطائرات الإسرائيلية قصفت المنازل ومراكز الإيواء وخيام النازحين، حيث يتواجد الأطفال مع عائلاتهم، بالإضافة إلى المدارس والمستشفيات وأماكن التجمعات، ما يشير إلى أن الأطفال هم جزء من الفئات المتأثرة بشكل مقصود، أو على الأقل يُغضّ الطرف عن حمايتهم، ما يدل على أن الأذى بحقهم ممنهج وغير عشوائي.
وبحسب رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فهناك 17.289 طفلاً شهيداً قضوا منذ بداية الحرب الإسرائيلية وهي إحصائية غير نهائية، إذ لا يزال الآلاف من الأطفال الشهداء تحت أنقاض المنازل المدمرة، كما أن هناك عشرات الآلاف من المصابين بإصابات متفاوتة وخطيرة.
وعن التقديرات بشأن الأطفال الذين ولدوا واستشهدوا خلال الحرب، يوضح عبده أن هناك توثيقا لنحو 171 طفلاً رضيعاً ولدوا واستشهدوا في حرب الإبادة الجماعية، غير أن العدد قد يكون أكبر من ذلك نتيجة صعوبات توثيق الحالات مع خروج المنظومة الصحية عن العمل خاصة في شمال قطاع غزة.
ووفقاً لرئيس المرصد الأورو متوسطي فإن الوقائع تؤكد أن عددا كبيرا من الأطفال ولدوا خلال هذه الحرب، والعشرات منهم استشهدوا جراء القصف المباشر، إلى جانب وفاة عشرات أو مئات آخرين نتيجة الحصار وقلة الإمكانات الطبية حيث تتعرض حياة هؤلاء الأطفال للخطر منذ اللحظة الأولى، وتسجل الوفيات بصفوفهم بسبب نقص الرعاية الطبية اللازمة أو تعرضهم لقصف أو نزوح متكرر مع عائلاتهم.
ويشدد على وجود خلل في نظام العدالة الدولية كونه مرتهنا لسياسات الدول الغربية التي يعد أغلبها شريكاً في الإبادة الجماعية، رغم أن هناك مجموعة من المسارات التي يجري التحرك فيها من خلال آليات الأمم المتحدة المختلفة، مثل محكمة العدل الدولية، التي تحاكم إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية بعد دعوى رفعتها دولة جنوب أفريقيا، ومن بين البنود قتل أفراد المجموعة ومنهم أطفال، إلى جانب باقي البنود التي تستهدف وتمس الأطفال، والمحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان والمحاكم الوطنية.
يذكر أن آلاف الأطفال أصيبوا بالكثير من الأمراض خلال الحرب المتواصلة للشهر الرابع عشر على التوالي، أبرزها الأمراض الفيروسية مثل الإنفلونزا الشديدة والنزلات المعوية، عدا عن ارتفاع نسبة فقر الدم وغيرها من الأمراض.
ويفتقر الأطفال إلى الحليب والحليب العلاجي والمكملات الغذائية التي تمكنهم من التعامل مع الواقع المعيشي السيئ الذي فرضته الحرب عليهم، بالإضافة إلى اللحوم. ويفرض الاحتلال قيوداً مشددة على دخول السلع والمساعدات الغذائية ضمن استراتيجيته التي اتبعها في التعامل مع سكان القطاع، والتي طاولت الأطفال، والتي تقوم على إدخال كميات شحيحة من الشاحنات عبر المعابر التي تخضع جميعها لسيطرته.