حكاية المقدسي علي قنيبي مع الحبس المنزلي

القدس المحتلة

محمد عبد ربه

avata
محمد عبد ربه
26 مارس 2022
فلسطين
+ الخط -

بعد سجنه في المنزل مرتين، خرج المقدسي علي راتب قنيبي (16 عاماً) من دائرة الرعب التي عاشها في غرفة صغيرة جداً في منزل عائلته في جورة النقاع المعروفة بـ "كبانية أم هارون" في حي الشيخ جراح في القدس. إلا أن شرطاً تعجيزياً وضعه الاحتلال قد يعيده إلى الحبس المنزلي مجدداً.
ما زال الخطر يتهدد علي بسبب أحد شروط الإبعاد المفروضة عليه باعتقاله الثاني، وهو منع الاقتراب من المستوطن الذي احتل منزل يقابل بيت عائلته والذي يبعد نحو 3 أمتار، ما سيضطره إلى سلوك طريق آخر أبعد للوصول إلى منزله أو الخروج منه.
وفُرِض على علي ألا يقترب من هذا المستوطن لمسافة ثلاثين متراً. ويحار علي ووالده في كيفية تجنب المستوطن حتى لا يعاد اعتقاله. يشار إلى أنه في شهر يوليو/ تموز 2021، فرض الحبس المنزلي عليه مدة 8 أشهر بسبب "رمي الطلاء على سيارة مستوطن"، وهو ما نفاه علي.
وعلى الرغم من انتهاء الحبس المنزلي في الثاني من مارس/ آذار الحالي، لم تمض سوى خمسة أيام حتى أعيد اعتقاله من منزله فجرأً بالتهمة الأولى نفسها، ففرض عليه الحبس المنزلي خمسة أيام أخرى.
وخلال فترتي الحبس الأولى والثانية، تحول والدا علي، رغماً عنهما، إلى سجانين طلب منهما مراقبة إبنهما ومنعه من مغادرة المنزل إلى حين انقضاء مهلة الحبس، الأمر الذي اضطر علي طوال تلك الفترة إلى البقاء جالساً قرب نافذة منزله الصغيرة المطلة على الساحة التي وضع فيها عضو الكنيست من اليمين المتطرف إيتمار بن غفير مكتبه في حي الشيخ جراح. ويقول والده راتب قنيبي لـ"العربي الجديد": "حولوني إلى سجان لابني"، لافتاً إلى أن فترة الحبس الأولى تسببت له بأضرار نفسية كبيرة.

منع علي من التواصل مع اثنين على الأقل من أصدقائه، أحدهما رهن الاعتقال حالياً، إلا أن آخرين لم يتوقفوا عن لقائه والحديث معه ومساندته قرب النافذة التي تحولت إلى ما يشبه شاشة صغيرة يطل منها الفتى الصغير بوجهه الشاحب المرهق وبنظرات يتأمل فيها العالم الواسع خارج حبسه الضيق جداً بمساحة تلك النافذة.
أطلق سراح علي بعدما غرّمته محكمة الاحتلال مبلغاً بنحو 3 آلاف دولار ودفع ما قيمته 1500 دولار أخرى تعويضاً للمستوطن. وأول ما فعله بعد خروجه من حبس منزلي استمر ثمانية أشهر هو الذهاب سيراً على الأقدام إلى البلدة القديمة في القدس، ومرافقة زملاء صفه في رحلة مدرسية.

علي قنيبي (العربي الجديد)
أثر الحبس المنزلي على نفسيته (العربي الجديد)

ويروي علي قنيبي لـ"العربي الجديد" ما حدث معه مطلع الشهر الجاري، حين اقتحم منزله في ساعات الفجر الأولى وتعرض للضرب من دون أن ينتظروه ليرتدي ملابسه. لم يدر علي سبب اعتقاله إلا خلال التحقيق معه، ليفاجأ بأن الحديث يدور عن التهمة ذاتها التي اعتقل بسببها لأول مرة، وهي رمي الطلاء على مستوطن.
كان الاعتقال والتحقيق صعباً. اقتيد وهو معصوب العينين وقد وضعت كمامة على فمه. ومن لحظة اعتقاله في دورية شرطة الاحتلال وحتى وصوله إلى المعتقل، وخلال مكوثه ساعات في التحقيق، ضرب على رقبته ورأسه وبطنه ووجهه ولم يزود بالماء والطعام لساعات طويلة.
القاضية الإسرائيلية التي قررت إطلاق سراح علي ووضعه في الحبس المنزلي خمسة أيام رأت آثار الضرب على وجهه. مع ذلك، وجهت له تحذيراً.
هذه الأيام، يمضي علي وقته في الذهاب إلى المدرسة ولقاء أصدقائه. ويضطر إلى قطع مسافة طويلة بعيداً عن بيت المستوطن المتاخم لمنزله تنفيذاً لأمر المحكمة التي طالبته بالابتعاد عن ذلك المستوطن مسافة ثلاثين متراً، من دون تحديد الفترة الزمنية. 

يقضي الكثير من الوقت مع أصدقائه في الوقت الحالي (العربي الجديد)
يقضي الكثير من الوقت مع أصدقائه في الوقت الحالي (العربي الجديد)

والد علي الذي يعاني من إعاقة حركية تحدث لـ"العربي الجديد" بمرارة عما تتعرض له العائلة، وخصوصاً معاناة نجله الذي عاش أشهراً صعبة من الاعتقال والحبس المنزلي، تحول معه أفراد عائلته إلى سجانين يتابعون سلوك علي وتصرفاته حتى لا يخلّ بأمر المحكمة الاحتلال في تنفيذ العقوبة الملقاة عليه. ويقول إن إبنه تعرض للضرب، متسائلاً عن مبررات العنف الذي تقترفه سلطات الاحتلال ضد فتيان قاصرين مثل نجله. كما تحدث عن معاناة حي الشيخ جراح بأكمله بسبب استفزازات المستوطنين واعتداءات جنود وأفراد شرطة الاحتلال بحق أهالي الحي.

في القدس، لم يسلم الأطفال من عقوبة الحبس المنزلي التي يفرضها الاحتلال، والتي طاولت خلال السنوات الثماني الماضية مئات الأطفال. ويوضح رئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سياسة الحبس المنزلي طبقت منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967، وكانت تطاول النشطاء الكبار من خلال ما يعرف بـالإقامة الجبرية، لكنها فرضت أخيراً بحق الأطفال.
ويقول أبو عصب: "بعد استشهاد محمد أبو خضير قبل نحو 8 سنوات حرقاً على أيدي مستوطنين، وما تبع ذلك من مواجهات شارك فيها الفتية، رصدت منذ ذلك الوقت وحتى الآن مئات حالات الحبس المنزلي بحق الأطفال". ويوضح أن الحبس المنزلي اتخذ شكلين بحق أطفال القدس، منها حبس مؤقت لأيام، وحبس منزلي آخر يمتد لفترات طويلة قد تصل إلى أشهر، وربما يترافق ذلك مع إبعاد خارج منطقة السكن، سواء في خارج الحي أو المدينة المقدسة، في وقت لم يسلم الأطفال في القدس من الاعتقالات أيضاً.

ذات صلة

الصورة
طلاب جامعة كولومبيا بنيويورك خلال تنديدهم بالحرب على غزة، 30 إبريل 2024 (Getty)

سياسة

أقرت مقاطعة ناسو في ضواحي نيويورك مشروع قانون يحظر وضع الأقنعة بهدف إخفاء هوية المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين والمناهضين للحرب الإسرائيلية
الصورة
مراكز الإيواء في غزة مدرسة دمّرها الاحتلال في دير البلح، 28 يوليو 2024 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

سياسة

يكثّف الاحتلال قصف مراكز الإيواء في غزة بذريعة أنها مقرات للمقاومة و"حماس"، ما يضعه مراقبون في إطار تحريض الاحتلال الغزيين على الحركة.
الصورة
تظاهرة في واشنطن لوقف النار في غزة 3 أغسطس 2024 (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر ناشطون في العاصمة الأميركية واشنطن، السبت، مطالبين بوقف إطلاق النار في غزة، وذلك مع مرور 300 يوم على بدء إسرائيل الإبادة الجماعية للمدنيين.
الصورة
فعاليات اليوم الوطني لنصرة غزة والأسرى في الضفة الغربية، 3 أغسطس 2024 (العربي الجديد)

سياسة

أحيا الفلسطينيون، اليوم السبت، فعاليات اليوم الوطني والعالمي لنصرة غزة والأسرى في معظم محافظات الضفة الغربية، وذلك على وقع تواصل الاغتيالات
المساهمون