استمع إلى الملخص
- **أسباب وتأثيرات الاضطراب**: الدكتور حيدر المالكي يوضح أن أسباب الاضطراب تشمل عسر الولادة، الضرب على الرأس، العوامل الوراثية والنفسية، والبيئة الاجتماعية. الاضطراب يؤثر على الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية والأسرية.
- **التفاعل المجتمعي والعلاج**: انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ساعد البالغين في العراق على التعرف على اضطرابهم والبحث عن العلاج. الدكتور الكعبي يؤكد على أهمية التصالح مع الذات والتوجه للعلاج للحد من آثار الاضطراب.
يكتشف بالغون كثيرون في العراق من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أنهم مصابون باضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه (ADHD)، ويدركون من ثَمّ أن ثقافة التعامل مع الاضطراب كانت ولا تزال شبه معدومة.
لم تكن نسرين صادق تعلم أنها مصابة باضطراب "فرط النشاط ونقص الانتباه" (ADHD)، لولا وسائل التواصل الاجتماعي التي أظهرت لها مصادفة مجموعات وصفحات وأشخاصاً يبحثون عن علاجات ودورات تدريبية مكثفة خاصة بالحدّ من آثار هذا الاضطراب.
تقول نسرين، وهي موظفة حكومية في الـ33 من العمر، لـ"العربي الجديد": "فوجئت بوجود عشرات يشكون من الأعراض ذاتها التي أعانيها منذ سنوات طويلة. في السابق كنت أتعامل مع ما أعانيه باعتباره طباعاً وراثية ومكتسبة وجينية، فالعصبية الزائدة وقلّة تركيزي في العمل ومع زوجي وأطفالي، وتشتت انتباهي المفرط، أرجعتها إلى عوامل بيئية واجتماعية، علماً أنني نشأت في عائلة متسرعة وغاضبة ولا مبالية، لذا اعتقدت بأنني متأثرة بها، ولم أعرف أنني مصابة باضطراب فرط النشاط وتشتت الانتباه".
تتابع: "أثّر هذا الاضطراب على عملي كثيراً، وتعرضت لأنواع من العقوبات وواجهت لسنوات احتمال إنهاء خدماتي في الوظائف الخاصة، ثم قبلت الالتحاق بوظيفة حكومية براتب أقل بكثير كي أحمي نفسي من أن أكون أماً بلا وظيفة".
وتتحدث عن أن "صديقاتي ومقربين مني كانوا يقولون لي إن ما أعانيه نتيجة اعتيادية لوضع البلد وانعكاسات المسؤوليات الاجتماعية والعائلية باعتباري أماً لثلاثة أبناء، ولأنني أعيش في ظل روتين معقد وصعب بين الوظيفة والمسؤولية الأسرية، ثم اختلف الأمر تماماً حين عرضت نفسي على طبيب متخصص أكد أنني مصابة مثل كثيرين، باضطراب من دون أن أدري ذلك لولا وسائل التواصل الاجتماعي".
وفي مجموعة "دليل أطباء العراق وبغداد" على "فيسبوك"، يطلب أشخاص باستمرار أن يرشدهم أصحاب التجربة والخبرة إلى أطباء لعلاجهم من الاضطراب العصبي - النفسي. وتوضح المجموعة ان بالغين كثيرين اكتشفوا أخيراً أنهم مصابون بهذا الاضطراب، وأدركوا من ثَمّ أن هناك ثقافة صحية شبه معدومة في التعامل مع الاضطراب الذي يؤثر كثيراً على سلوك الأشخاص وعملهم وتفاعلهم الأسري والزوجي.
يقول استشاري الأمراض العصبية والنفسية الدكتور حيدر المالكي، لـ"العربي الجديد"، إن "عسر الولادة وتعرض الأطفال للضرب خصوصاً على منطقة الرأس، هي واحدة من أهم أسباب الإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لذا على الأم والأب مراعاة هذا الأمر بشكل كبير، وإلا فإن هذا الاضطراب يمكن أن يرافق الأبناء حين يكبرون إذا أصيبوا به".
يتابع أن "البيئة الاجتماعية والأسرية تؤثر بشكل كبير في نوع الإصابة ومدى خطورتها على المصاب، وقد يزداد تأثيرها مع تقدم العمر وعدم ملاحظة الأسرة وجود الاضطراب النفسي والعصبي".
ويشير إلى أن "عوامل وراثية ونفسية أثناء فترة الحمل يمكن أن تؤثر في الإصابة باضطراب التوحد بأنواعه المشخصة حتى الآن، كما يمكن أن تفاقم الإصابة لدى البالغين".
وعن مدى تأثير هذا النوع من الاضطراب العصبي والسلوكي على حياة البالغين يقول الكعبي إن "الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية والأسرية وحتى العلاقة الحميمية في ما يخص المتزوجين يمكن أن تتمزق، وتتحوّل إلى عبء وتراكمات نفسية إذا استمر المصاب بالاضطراب في سلوكه من دون أن يعي أنه مصاب باضطراب نفسي وعصبي يجب الاعتراف به ومراجعته للحدّ من آثاره".
يتابع: "يؤدي اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لدى البالغين إلى نتائج أسرية وخيمة، وهو أحد أهم أسباب الطلاق بين المتزوجين، خصوصاً أولئك الذين كابروا ولم يعوا أنهم مصابون باضطراب يمنعهم من أن يكونوا أكثر حرصاً على علاقاتهم المجتمعية والأسرية".
ويشير الكعبي إلى أنه "بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات الدردشة، والانفتاح على مختلف أنواع العلوم العصبية والنفسية في العراق، تعرّف بالغون مصابون إلى حالاتهم من مختلف الاضطرابات، وباتوا يوجهون عشرات الرسائل يومياً إلى أطباء نفسيين عبر مواقع الإنترنت بحثاً عن التشجيع للعلاج ومصارحة الآخرين بأنهم مصابون بنوع من الاعتلال النفسي والعصبي".
ويخبر م. د من مواليد 1993، وهو مدير ورشة خاصة بكهرباء السيارات، أنه "قطع شوطاً طويلاً ومريراً قبل أن يسيطر نسبياً على اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت أشعر بفشل نتيجة رسوبي المتكرر في الصف السادس الإعدادي أربع سنوات متكررة، رغم أنني كنت مشغولاً بالدراسة والمراجعات المستمرة، ثم قررت ترك الدراسة نهائياً. ولاحقاً أنقذني الإنترنت وحوّلني من شاب حبيس المنزل وعاطل عن العمل إلى مسؤول عن ورشة كهربائية وفنية خاصة بتصليح السيارات في الحي الصناعي بمنطقة شارع فلسطين وسط العاصمة بغداد".
يضيف: "شاهدت صفحات وغرف دردشة تحدث فيها أشخاص عن تشتت الانتباه وفرط الحركة وكثرة الملل والعصبية والانطوائية والغضب من أتفه الأمور. وكل ما كان يتحدثون به كنت أعانيه منذ سنوات، لذا تواصلت مع القائمين على غرف الدردشة كي يرشدوني إلى أطباء وكتب ووثائقيات خاصة باضطراب (ADHD) ، ثم بدأت رحلة علاج عام 2015".
ويشير إلى أن "3 سنوات من جلسات العلاج والتمارين العصبية والنفسية وفهمي لنفسي وما أعانيه وتجاوب أسرتي معي، ساعدتني كثيراً في أن أقف على قدمي، وأن أحاصر أعراض الاضطراب وأمنع سيطرته على حياتي".
وحالياً تلقى الصفحات المعنية باضطراب فرط النشاط وتشتت الانتباه تفاعلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي من فئات متنوعة من الشباب والفتيات والنساء، خصوصاً أولئك الذين عانوا لسنوات عدم وجود اهتمام كافٍ من الأهل لتشخيص إصابتهم بهذا النوع من الاضطراب.
وبالعودة إلى الكعبي يقول إن "الأسر العراقية قليلة الثقافة والإدراك، وتتعامل مع اضطراب فرط النشاط وتشتت الانتباه باعتباره طبعاً وليس أعراضاً لخلل جيني معين، لذا نسمع بجمل مثل زوجوه ليعقل أو لتنجب زوجته طفلاً ثانياً وسيشعر بالمسؤولية، أو لينقل من مكانه إلى مكان ثان كي يتحسن أداؤه الوظيفي. وهذه كلها أشياء لا علاقة لها بواقع ما يعانيه المصاب بالاضطراب والذي يريد أن ينقذه أحد من وضعه، لكنه نشأ في مجتمع لا يعي أنواع هذا الاضطراب".
من جهتها، لجأت منى غانم (51 عاماً) إلى سيدة متدينة في منطقة الشعلة شمال غربي بغداد (أم حيدر)، كتبت لها حجاباً كي يستعيد ابنها رشده بعدما بدأت عليه أعراض الركض وعدم الانتظام في النوم والأكل والصراخ باستمرار، رغم أنه في التاسعة من العمر، وباتت غير قادرة على تهدئة غضبه المفرط وقلقه من كل شيء ورفضه القيام بواجباته المدرسية".
وتقول لـ"العربي الجديد": "لم أدرك حينها أن ابني يعاني أقصى حالات فرط الحركة وتشتت الانتباه، وكنت أقول إن عيناً أصابته، لكن أحد أعمامه أصرّ على أن آخذه إلى طبيب مختص بالأعصاب والتوحد، والذي أخضعه لفحص أظهر إصابته بأعراض الاضطراب وفرط الحركة، والتي زادت بشكل كبير بسبب عدم وعينا بما يعانيه منذ ولادته، وكوننا نعيش في حي شعبي ووسط عائلة كبيرة. كان ابني يُضرب باستمرار من الجميع بسبب حركته وعبثه وصراخه غير المبرر، ما سبّب مأساة حوّلته إلى ضحية بسبب جهل إصابته باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه".
ويختم الكعبي حديثه بالقول: "ملاحظة الشخص نفسه هي بداية العلاج أو تقليل آثار كل أنواع الأمراض النفسية والعصبية. وحتى لو استحال علاج الاعتلالات الدماغية هناك طرق تحدّ من تفاقمها وتحوّلها إلى مصدر لتخريب الحياة والعلاقات الأسرية والمهنية".
يتابع: "على المصابين باضطراب فرط النشاط وتشتت الانتباه التصالح مع ذاتهم، والتوجه إلى أقرب طبيب أو معالج نفسي يثقون به كي يستطيعوا اتخاذ الخطوات الأولى لحد آثاره، والسيطرة عليه. ومن يفعل ذلك يخطو في اتجاه حياة صحية وطبيعية مثل باقي البشر".