ليس النضال جديداً على المرأة الغزيّة هي التي كانت حاضرة في كل المعارك وسجلت تاريخاً حافلاً بالتضحيات والبطولات. واليوم، تكمل الدرب الذي بدأته منذ عشرات السنين، لتثبت للعالم أن الفلسطينية قادرة على التعايش مع الظروف والتحديات القاهرة. ومع استمرار آلة القتل والدمار والحرب على قطاع غزة، لا تزال تتحدّى الصعاب في ظل انعدام أدنى مقومات الحياة الآدمية من طعام وشراب ومسكن وكهرباء ومياه. تقاوم جراحها وتنهض من جديد. تقول المواطنة إيمان محمد (52 عاماً)، وهي من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، لـ "العربي الجديد"، إن حياتها وعائلتها المكونة من تسعة أفراد انقلبت رأساً على عقب مع استمرار الحرب على قطاع غزة لمدة تجاوزت الخمسة أشهر، موضحة أنها لم تتوقع أن تعيش ما عايشوه من قتل ودمار وعدد الشهداء الذي تجاوز الآلاف، لكنها صامدة كما صمد الآباء والأجداد. تضيف: "هذا قدرنا في غزة. إما النصر أو الشهادة".
وتلفت محمد التي كانت تعمل في إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" قبل الحرب، إلى أنها نزحت كآلاف العائلات من بيتها إلى مدينة دير البلح ثم إلى أحد المراكز الصحية في المخيم بحثاً عن الأمان المفقود. وتشير إلى أنها وعائلتها عانت ويلات النزوح المتكرر والمستمر حتى اللحظة، لكنها تحاول التغلب على جراحها بالصبر والتأقلم ولو لفترة مع هذا الواقع المرير. تصنع الخبز بوسائل بدائية وتطهو الطعام الذي بالكاد يتوفر. وكثيراً ما تعجز عن توفير مياه الخدمة الشحيحة بعد قصف الاحتلال آبار البلديات في القطاع. وتؤكد أن المرأة فقدت خصوصيتها في هذه الحرب وتشاركت مع آخرين المسكن وهو عبارة عن خيمة لا تقي حرارة الشمس ولا البرد والمطر.
من جهتها، تقول المواطنة صباح عبد الله (57 عاماً) إن الحياة في غزة أصبحت شقاء وتعباً وكداً في محاولة للاستمرار على قيد الحياة وسط محدودية السلع المتوفرة وارتفاع أسعارها بشكل جنوني. وتعرب عن استيائها من الواقع المرير الذي وصلت إليه غزة، إلا أنها تحاول جاهدة التعالي على الجراح وأداء دورها المطلوب منها كأم لشابين حرمتهما الحرب، حالهما حال جميع الطلاب، مواصلة تعليمهما في المدارس والجامعات.
وتذكر أنّ حياتها اليومية هي محاولة البقاء على قيد الحياة من دون أحلام أو طموحات أو تخطيط للمستقبل الذي بات غامضاً لجميع مواطني القطاع. وتلفت إلى أن شعب غزة يحب الحياة، ويحاول البقاء والتمسك بأرضه وترابه رغم كل التحديات التي عصفت به خلال هذه الحرب المجنونة البشعة. تضيف أن اليوم ينقضي في تأمين الطعام والشراب ومياه الخدمة وشحن الهواتف النقالة في ظل انقطاع الكهرباء عن كل القطاع منذ الساعات الأولى للحرب.
أما المواطنة هديل حازم (32 عاماً) من مخيم البريج وسط القطاع، فتقول إن ما يجري في القطاع من دمار وألم دفع المرأة الغزية إلى الصمود ومواجهة التحديات والحرمان والفقدان للأحبة والمأوى. وتوضح حازم النازحة داخل إحدى مدارس الأونروا، أن أصعب ما تمر به المرأة هو انعدام الخصوصية في هذه الحرب، إذ أن قصف آلاف المنازل ودمارها من قبل الاحتلال الإسرائيلي وآلياته العسكرية أجبر المواطنين على البقاء داخل المدارس والمخيمات.
وتؤكّد أن المرأة الغزيّة أثبتت للجميع أنها مثال للتحدي والصمود والاستبسال في البقاء على قيد الحياة، من خلال استثمار كل الوسائل المتاحة وإيجاد البدائل لكل شيء. وتبين أنها خلال وجودها في مركز الإيواء داخل المدرسة، تحاول القيام بواجباتها كزوجة وأم، وتتعالى على الجراح من أجل عائلتها والبقاء على قيد الحياة. وعلى الرغم من استمرار الحرب، تدرك أن الفرج سيأتي وستنتهي هذه المأساة التي طاولت كل بيت في غزة. وتذكر أن بعض النساء يحاولن المشاركة في صناعة الحلوى وإعداد غيرها من الأطعمة وبيعها لتوفير قوت يومهن وعائلاتهن، وخصوصاً أن هذه الحرب طالت مدتها وتقطعت السبل بالناس للعمل في ظل تقسيم الاحتلال للقطاع ووضعه حواجز قاتلة، وانعدام الاتصال بين العديد من الأزواج والأهالي.
من جهتها، تؤكد جوان صرصور (37 عاماً) على التمسك بالحياة على الرغم من الفقدان الكبير للأرواح والمنازل والمقدرات، مشيرةً إلى أنها تحاول التماسك ودعم صمود أسرتها. وتقول: "ارتفعت الأسعار بشكل كبير جداً، يضاف إلى ذلك شُح احتياجات المرأة الخاصة، لكننا شعب جبار قادر على إيجاد البدائل". تتابع: "نحاول التعايش مع الظروف الحالية القاسية رغم مرارتها من أجل البقاء على الأرض التي رويت بدماء آلاف الشهداء والجرحى".
من جهتها، تشد المواطنة أم طارق جودة (50 عاماً)، وهي من وسط قطاع غزة، على استمرارها في عملها التطوعي وتحفيظ الأطفال القرآن الكريم ضمن حلقات إلكترونية، رغم انعدام الإنترنت والاتصالات في غالبية مناطق القطاع. وتقول: "منذ محاولات إصلاح خطوط الإنترنت في بعض المناطق والفكرة تراودني بأن أعاود التحفيظ وإشغال وقت الأطفال والناشئين في شيء مفيد ينسيهم رهبة الحرب والخوف والقلق من الواقع المرير في غزة، واليوم أنا سعيدة لفعل ذلك". تضيف: "أتواصل مع عدد قليل لكن هذا لا يمنعني عن الاستمرارية وإشغال الوقت بعمل مفيد، وهذا العمل لا يقف حائلاً بين دوري ومهامي في أسرتي المكونة من ستة أفراد وتوفير احتياجاتهم الطبيعية المطلوبة. أحاول التوفيق وآمل أن تنتهي الحرب في القريب العاجل وتهدأ النفوس وتعود الحياة إلى طبيعتها".