رغم أن أوضاع الطبيبات والممرضات في باكستان تحسّنت كثيراً خلال العقود الماضية التي شهدت زيادة في عددهن بعدما كان ضئيلاً جداً، خصوصاً في المناطق النائية، وأيضاً تكثيف إقبالهن على دراسة الطب، لكنهن يواجهن حالياً مشاكل على صعيد عدم وجود فرص عمل، أو حتى في ممارسة مهنتهن في حال استطعن استكمال سنوات الدراسة الطويلة، وهذا أمر ليس سهلاً أيضاً في ظل العوائق الكثيرة التي توجدها الأعراف والعادات السائدة، خصوصاً على صعيد التمسك بتزويجهن باعتباره الهدف الأول لهن.
ويعتبر عدد الطبيبات العاطلات عن العمل كبيراً جداً في باكستان، رغم أنها خامس أكبر دولة على صعيد عدد السكان في العالم، وتحتاج بالتالي إلى عدد هائل من الأطباء من الجنسين.
وكشفت دراسة بحثية أجرتها مؤسسة "غلوب" العام الماضي أن نحو 35% من الطبيبات عاطلات عن العمل في باكستان، وأن هناك حاجات ملحّة لتوظيف طبيات مؤهلات في مناطق كثيرة.
وقالت المؤسسة التي حلّلت بيانات وفّرها مكتب الإحصاء، إن "باكستان التي واجهت في الماضي نقصاً خطيراً في عدد الأطباء المؤهلين، تضم أكثر من 36 ألف طبيبة بلا عمل، أو اخترن بأنفسهن البقاء خارج سوق العمل لأسباب مختلفة".
ويعلّق الدكتور محمد مبين بالقول لـ"العربي الجديد": "تشكل الأعراف السائدة العائق الأول لبقاء هذا العدد الضخم من الطبيبات خارج سوق العمل، خصوصاً في المناطق النائية التي تمنع الطبيبات من العمل بعد إكمال التعليم. وعلى سبيل المثال لا توجد مستشفيات كثيرة لتوفر العمل لخريجات الطب، بالتالي ثمة حاجة للسفر والعمل خارج القرية وأماكن العيش. والأسر القبلية لا تسمح بسبب العادات السائدة بأن تعيش البنات خارج الأسرة، فتبقى الطبيبة من دون عمل. أيضاً يمنع الزواج في المناطق النائية والمدن معاً الطبيبات من العمل. وحين تتزوج المرأة لا يسمح لها بالعمل غالباً. أعرف شخصياً طبيبات كثيرات لم يعملن بعد الزواج الذي يعتبر الشيء الأساسي في الدين الإسلامي ومجتمعنا، كما تركت طبيبات كن في سنوات الدراسة الأخيرة التعليم بعد الزواج لأن أزواجهن لم يسمحوا لهن بالاستمرار في الدراسة".
يتابع: "إضافة إلى ذلك يخلق الفساد في الحكومة والتوظيف عموماً عوائق أخرى في وجه الطبيات المؤهلات للعمل، فالمال والوساطة يلعبان دوراً مهماً في حرمان كثير من الطبيات من العمل، وفي بعض الأحيان يُمنح الرجال أفضلية العمل بدلاً من النساء".
وتقول الطبيبة راحلة خاتون التي تخرجت من كلية الطب في جامعة بشاور عام 2017، وكانت تحلم أن تعمل في أحد المستشفيات الشهيرة بالمدينة نفسها لأن درجاتها كانت جيدة، لـ"العربي الجديد": "في السنة الأخيرة من الدراسة تقدم أحد أقربائي لخطبتي، ولمّح لأسرتي بأنه لا يعارض أن أعمل في مجال الطب، فقبلت بذلك وتزوجت بعد التخرج مباشرة. وفي العموم كان زوجي رجلاً جيداً جداً ومتعاوناً، لكن أسرته كانت متحفظة جداً، فرفضت حماتي أن أعمل بعد الزواج بحجة أنه لا يمكن للنساء أن يخرجن للعمل في الصباح من المنزل ويرجعن في المساء، وأيّدها والد زوجي وباقي أفراد الأسرة. وهكذا لم يفعل زوجي شيئاً ووقف إلى جانب أسرته، فلم أستطع أن أعمل. والآن أنا أم لولدين، وضاع كل ما تعلمته في اختصاص الطب".
تتابع: "أسرتي كلها مستاءة من تصرف زوجي وعائلته، لكنها تريد في الوقت نفسه ألا تهدم زواجي. وهم تحدثوا مع زوجي الذي أبلغهم أنه عاجز عن فعل أي شيء، إذ لا يستطيع أن يعارض أباه وأمه عبر إبلاغهما أنه يصرّ على أن أعمل".
ولا تقتصر مشاكل الطبيبات في باكستان على البقاء خارج سوق العمل، إذ يواجهن مشاكل كثيرة في أماكن العمل نفسها، من بينها التعرض لتحرش وأذى من رجال قد يكونون مسؤولين في مستشفيات ومراكز صحية، أو أطباء يعملن تحت إشرافهن في بداية العمل.
ويقول الدكتور مبين: "التحرش الذي تتعرض له الطبيات ظاهرة متفشية جداً في باكستان. ورغم عدم وجود إحصاء دقيق يظهر النسبة الموجودة، لكن العدد كبير. وبسبب الأعراف السائدة لا تتحدث الطبيبات علناً عمّا يتعرضن له من تحرش واعتداء من مسؤولين أو أطباء. وربما يحصل ذلك مع ممرضات أكثر من الطبيبات، لأن النساء عموماً لا يتحدثن علناً عمّا يتعرضن له، ليس بسبب الأعراف وحدها، بل أيضاً بسبب لا مبالاة السلطات. والطبيبات يعرفن أنه إذا رفعن صوتهن سيُسيء إلى سمعتهن مقابل عدم جني أي شيء".