وجدت مئات العوائل الفلسطينية النازحة من مخيم اليرموك للاجئين جنوبي العاصمة السورية دمشق نفسها مضطرة إلى العودة إلى المخيم رغم عوائق تفرضها الموافقات الأمنية، والدمار الكبير الذي طاول منازل المخيمات، وبنيته التحتية.
ونقلت صحيفة "تشرين" التابعة للنظام السوري عن رئيسة دائرة الخدمات في المخيم، رولا موعد، أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وجهات تابعة للنظام بدأت تنفيذ مشاريع خدمية في المخيم بالتعاون مع المجتمع المحلي، من بينها محطات تحويل كهرباء، وأعمال صيانة شبكة الصرف الصحي بالشوارع الرئيسية، وصيانة شبكة المياه في نحو 40% من مساحة المخيم، إضافة إلى ترميم مدرسة أسد بن الفرات للتعليم الأساسي، وملحق ثانوية اليرموك للبنات.
ويؤكد مدير مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، فايز أبو عيد، لـ"العربي الجديد"، أن "السبب المباشر لعودة العوائل إلى المخيم هو الضغوط الكبيرة التي تعيشها. عودة نحو 3000 عائلة فلسطينية إلى منازلها وممتلكاتها خطوة مهمة على طريق تخفيف الأعباء على اللاجئين الفلسطينيين، لكن هذا الرقم يظل محدوداً مقارنة بعدد الأسر الفلسطينية التي كانت تعيش في مخيم اليرموك قبل عام 2011".
يشكو سكان مخيم اليرموك للاجئين من نقص كبير في الخدمات
يضيف أبو عيد: "عادت الأسر التي تعتبر منازلها قابلة للترميم أو إعادة التأهيل، لكن هناك كثير من العائلات التي دُمّرت منازلها بالكامل، وهناك منازل آيلة للسقوط، وعائلات لا تستطيع توفير نفقات الترميم التي ستكلفها مبالغ طائلة، والغالبية غير قادرين مادياً، كما تظل أعداد الموافقات الأمنية التي تعطيها السلطات السورية للاجئين الفلسطينيين الذين يرغبون في العودة محدودة للغاية".
يتابع: "رصدت مجموعتنا خلال عام 2024 عدداً من الموافقات التي تقدر بالعشرات لعودة أهالي المخيم إلى منازلهم، على الرغم من أن هناك حركة نشطة في إعادة وترميم بعض المنشآت العامة، ومدارس وكالة أونروا. يشكو سكان مخيم اليرموك حتى الآن من نقص الخدمات المقدمة من الحكومة السورية، خاصة محافظة دمشق. قبل أيام طالب أحد اللاجئين الفلسطينيين مسؤولاً في محافظة دمشق بإزالة الركام من شوارع المخيم، فأجابه أن ذلك لن يحدث حتى تعودوا، وترمموا بيوتكم".
ويتساءل أبو عيد عن كيفية ترميم اللاجئ الفلسطيني أو السوري منزله في ظل تردي الأوضاع المادية، ويقول: "طالبت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، وعدد من اللاجئين الفلسطينيين الحكومة السورية ووكالة أونروا بالعمل على تعويض اللاجئين الذين دُمّرت منازلهم كي يستطيعوا بناءها، وكذلك الذين يريدون إعادة تأهيل منازلهم كي يتمكنوا من العودة إلى منازلهم بشكل سريع. الأسباب المادية هي الأهم في عدم عودة عدد كبير من اللاجئين إلى مخيم اليرموك، فعملية الترميم تحتاج إلى أموال كبيرة، وهم لا يملكون شيئاً، وهناك عائلات تفضل المساكن المؤجرة على العودة إلى المخيم بسبب عدم امتلاكها الموارد المالية التي تمكنها من إعادة تأهيل منازلها للعيش فيها".
ومنذ سيطرة قوات النظام السوري على المخيم في عام 2018، شهدت منازله وشوارعه دماراً واضحاً، فضلاً عن عمليات "تعفيش" منظمة متكررة تقوم بها مجموعات مسلحة تعمل تحت حماية قوات النظام أو أجهزته الأمنية. وجرى سرقة وبيع كل الأشياء التي يمكن بيعها، من أثاث وتجهيزات، حتى قضبان الحديد في أسطح المنازل وأعمدتها. وتكرر كثيراً هدم بيوت تعرضت لأضرار طفيفة بهدف سرقة حديد البناء والأبواب وتجهيزات المطابخ، وبيعها خارج المخيم بواسطة متعهدين يدخلون عبر الحواجز الأمنية للنظام.
يؤكد اللاجئ الفلسطيني عبد الجبار (54 سنة) الذي نزح إلى ريف دمشق الغربي، لـ"العربي الجديد" نيته العودة إلى المخيم، رغم أن حالة منزله لا تسمح له بالعودة، ويقول: "هناك جدران مهدمة في المنزل بسبب القصف، وليس فيه نوافذ ولا أبواب، حتى إن بلاط الأرضية جرت سرقته، وحتى أسلاك الكهرباء سُحبت من داخل الجدران. المنزل خرب ومهجور، وقررنا أن نعود في حال تكفلت إحدى المنظمات الإنسانية بمساعدتنا في ترميمه".
يضيف عبد الجبار: "يروجون أن المخيم تحول إلى جنة، وأن الخدمات عادت إليه، لكنهم في المقابل لا يتحدثون أبداً عن سرقة القوى الأمنية لمواد البناء، ومصادرة كل شيء كان يصل إلى المخيم، كما تظل الموافقات الأمنية أكبر عائق أمام قرار العودة".
وتبلغ مساحة مخيم اليرموك 2.11 كيلومتر، وهو يبعد 8 كيلومترات عن وسط العاصمة دمشق، وكان يقطنه نحو ربع مليون لاجئ فلسطيني قبل عام 2011، ما يجعله أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين خارج أراضي فلسطين التاريخية، لذا كان يلقب بـ"عاصمة الشتات الفلسطيني".