يتنقل الطفل الفلسطيني عبد الله الخالدي، خلال الإجازة الصيفية على كورنيش بحر مدينة غزة، حاملاً بعض الأغطية الخاصة بالهواتف النقالة (الجوالات) لبيعها، وقد بدا التعب واضحاً على ملامحه الصغيرة.
يتشارك الخالدي في الواقع الصعب ذاته مع عدد من أطفال قطاع غزة، الذين يضطرون إلى العمل خلال إجازتهم المدرسية الصيفية بدلاً من اللهو واللعب مع أقرانهم بسبب الأوضاع الاقتصادية المُتردية لذويهم من جراء تواصل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة للعام السادس عشر على التوالي، ما يدفعهم إلى سوق العمل بهدف الحصول على القليل من المال الذي يوفر مصدر دخلٍ متواضع لهم، ولأسرهم.
يقول الطفل الخالدي، وهو في الصف التاسع، إنه يحاول ضمان مصروفه الشخصي، واستغلال إجازة الصيف لتعلم التجارة، كي يحقق أهدافه بأن يشتري لنفسه كل ما يرغب فيه، موضحاً في الوقت ذاته أن "الأوضاع الاقتصادية صعبة على الجميع، وهي ما يدفعهم إلى العمل".
أما زميله الطفل أحمد أبو ناجي، الذي يبيع المكسرات من الظهيرة حتى منتصف الليل، فيوضح أنه يعمل لكي يساعد أسرته في مصروفها اليومي، وتوفير المستلزمات الأساسية اللازمة لها، بسبب تأثرها بالأوضاع الاقتصادية العامة التي بات يفرضها الحصار.
ويتابع أبو ناجي، وقد بدا التأثر واضحاً على وجهه: "يفترض أن أتمتع بحقي في اللعب مع أصدقائي بدلاً من البيع والتعب، الأطفال يلعبون وأنا لا أشاركهم، أشعر بحُرقة أحياناً توصلني حد البكاء".
ويكتظ كورنيش بحر غزة بالمصطافين، وإلى جوارهم عدد غير قليل من الأطفال الباعة، الذين يبيعون أصناف المسليات والمشويات والحلويات والعصائر والمشروبات الباردة والغازية، ويؤجرون السيارات الصغيرة للأطفال المتنزهين، فيما يبيعون كذلك الألعاب، بدلاً من اللعب بها.
أما الطالب الفلسطيني نور الدين دغمش، فيوضح أنه يعمل للمساهمة في مساعدة والده لإعالة أسرته المكونة من أربعة عشر شخصاً، وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعانيها بسبب الأوضاع العامة التي يمر بها غزة.
ويشير دغمش إلى أنه يعمل خلال فترة النهار بدلاً من مشاركة أصدقائه اللعب، فيما يتمنى أن ينعم هو وأطفال قطاع غزة وفلسطين بالأمان، وبواقع أفضل، يمكنهم من اللعب وممارسة حياتهم الطبيعية، بعيداً عن التعب والإرهاق.
وفي ما يتعلق بالتأثير النفسي لعمالة الأطفال خلال إجازتهم الصيفية، يوضح أستاذ علم النفس، درداح الشاعر، أنها "ظاهرة سيئة بكل المقاييس، لأنها تضع الطفل في موضع غير الطفولة، حيث يعيش الطفل حياة الشباب وحياة الرجولة، في الوقت الذي من المفروض أن يعيش طفولته بكل تفاصيلها".
ويبين الشاعر لـ"العربي الجديد" أن الدعامة الأساسية لحياة الطفل النفسية تتمثل بـ "القراءة واللعب، حيث يستطيع الطفل أن يتعلم وأن يقرأ وهو يلعب، فيما لا يستطيع التعلم والاستفادة وهو يعمل".
ويلفت أستاذ علم النفس إلى مجموعة مجالات لشغل وقت الطفل خلال إجازته الصيفية، ومن أبرزها المخيمات الصيفية، وقراءة الكتب أو حفظ القرآن، أو الذهاب إلى المتنزهات بشكل منظم عبر مؤسسات المجتمع المدني، كذلك تقديم أشكال الدعم النفسي والاجتماعي.
ولا ينصح الشاعر بعمالة الأطفال حتى وإن كانت الأسرة في حاجة ماسة للمال، إذ "من الممكن أن يقوم الأب أو الأخ الأكبر بالمهمة، وذلك بسبب المخاطر التي يمكن أن يواجهها الطفل خلال عمله، أو استغلاله من بعض الناس الذين يسيئون استثمار قدرات الطفل، علاوة على أن العمل يمكن أن يضر بجسم الطفل، ويسبب له العديد من الظواهر السلبية، عدا عن أنه سيؤثر في النمو السليم للطفل، وعلى بناء الشخصية وتشييدها، إلى جانب وضعه أمام بعض السلوكيات الخاطئة".
ويبين أن "الجميع مقصّرٌ بشأن حياة الطفل النفسية، بدءاً من السلطة والأسرة ومؤسسات المجتمع المدني والمدرسة ووسائل الإعلام"، ويقول: "إذا أردنا مجتمعاً متماسكاً ومتقدماً، يجب أن نعتني بالأطفال، بعيداً عن العمالة المبكرة".