من سرق بهجة الجزائريين في عيد الأضحى ؟

14 يونيو 2024
سوق الأضاحي في العاصمة الجزائر، 12يونيو 2024 (بلال بن سليم/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الجزائريون يواجهون تحديات مالية كبيرة بسبب الغلاء الفاحش في أسعار الأضاحي، ارتفاع التضخم، وتراجع قيمة الدينار، مما يجعلهم عاجزين عن تحمل تكاليف الشعيرة الدينية.
- المضاربون رفعوا أسعار الأضاحي استغلالاً لاستقرار أسعار الأعلاف ودعم الحكومة، بالإضافة إلى معارضة استيراد الأغنام، مما أثر سلبًا على قدرة الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
- الحكومة الجزائرية تواجه صعوبات في كبح جماح التضخم والحفاظ على القدرة الشرائية، حيث لم تؤتِ الإجراءات المتخذة ثمارها المرجوة، مما يترك الطبقات الفقيرة والمتوسطة في معاناة.

تزامناً مع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك، دخلت شريحة واسعة من الجزائريين امتحان الصمود في مواجهة الضربات المتتالية لغلاء الأسعار، وارتفاع معدلات التضخُّم، وتراجع قيمة الدينار الجزائري. فقد وجد المواطن البسيط نفسه أمام أزمة غلاء هي الأفظع، فلا هو قادر على أداء هذه الشعيرة الدينية المعظَّمة وهي الاضحية في ظلّ الالتزامات المالية اليومية التي تُعدّ بمثابة غلٍّ لا يُخلع، ولا هو قادر على الاستجابة لحملات مقاطعة أسواق الماشية التي انتشرت بسبب الغلاء الحاد. بحسب قاعدة بيانات World Salaries "رواتب العالم"، يتراوح متوسِّط الراتب الشهري لشريحة واسعة من العمال الجزائريين بين 45 ألفا و80 ألف دينار جزائري (ما بين 333 و593 دولارا)، كما يُقدَّر الأجر الوطني الأدنى المضمون بـ 20 ألف دينار (حوالي 148 دولارا)، بينما تتراوح أسعار الخرفان صغيرة ومتوسطة الحجم بين 65 ألف دينار و90 ألفا (ما بين 482 و667 دولارا)، الأمر الذي يضع المواطن البسيط المغلوب على أمره في تدبير لقمة عيشه أمام معادلة تستعصي على الحلّ.

على النقيض من التوقُّعات بانخفاض أسعار الأضاحي في عيد الأضحى هذا العام، فرض المضاربون قوانينهم غير الرسمية على أسواق المواشي في البلاد وقفزوا بالأسعار إلى حدود اللامعقول بعد أن استفادوا من تساقط الأمطار، توفُّر المراعي، استقرار أسعار الأعلاف الصناعية والمستوردة المدعومة من الدولة، وزيادة الدعم الحكومي للشعير المخصَّص لتغذية الماشية. والأمر الذي يضفي طابعاً منطقياً على الارتفاع اللامنطقي في أسعار الخرفان صغيرة ومتوسِّطة الحجم مقارنة بالأغنام كبيرة الحجم هو رغبة مربِّي وتجّار الماشية في التخلُّص من هذه الأخيرة التي يقلّ الطلب عليها في العام القادم. هؤلاء المضاربون هم أنفسهم من عارض بشدّة استيراد الأغنام من رومانيا الذي فُسِّر من قبل العديد من المحلِّلين بأحد الجهود البارزة لإنجاح انتخابات السابع من سبتمبر/ أيلول القادم.

فقد استوردت الجزائر في الأشهر الماضية 100 ألف رأس غنم على دفعات من رومانيا، حيث لا يتجاوز سعر الرأس الواحد منها 47 ألف دينار (حوالي 348 دولارا)، الأمر الذي أعاد إحياء آمال الأسر المنخفضة والمتوسِّطة الدخل في اقتناء أضحية للعيد دون معاناة، لتخرج بعد ذلك المؤسّسة الجزائرية للحوم الحمراء وتؤكِّد توجيه الأغنام المستوردة من رومانيا للذبح بغرض سدّ حاجة السوق من اللحوم، وليس للبيع بمناسبة عيد الأضحى المبارك، الأمر الذي عزَّز روح المضاربة من ناحية وسرق بهجة عيد الأضحى من معسوري الحال من جديد من ناحية أخرى.

حتى أسطوانة ارتفاع أسعار الأعلاف الصناعية والمستوردة المشروخة لم تعد تنطلي على المستهلكين المدركين لمساهمة دعم الدولة في استقرار تلك الأسعار خلال العام الجاري، فالكلّ بات على يقين بأنّ ارتفاع سعر الأضحية بما يصل إلى 30 ألف دينار (222 دولارا) مقارنة بالسنة الماضية ما هو إلا ضرب من ضروب غياب الرقابة عن أسواق الماشية وعدم تدخُّل السلطات المعنية للسيطرة على الأسعار واتِّخاذ الإجراءات الردعية والحيلولة دون تحوُّل المواطنين البسطاء للقمة سائغة في فم المضاربين والمحتكرين البعيدين بفضل ذلك عن طائلة المتابعة القانونية.

لعب التضخُّم لعبته أيضاً وبلغ عنان السماء، الأمر الذي بات من المستحيل معه أن تتمكَّن الأسر الجزائرية المنخفضة والمتوسِّطة الدخل من اقتناء أضحية للعيد كما اعتادت في السنوات الماضية؛ فقد فشلت الحكومة في كبح جماح التضخُّم وحاولت تجميل الصورة السوداوية الواقعية من خلال نشر تقديرات للتضخُّم اتَّفق الخبراء على أنّها أقلّ بكثير من المعدلات الحقيقية. حتى المؤسّسات الدولية كأمثال صندوق النقد الدولي تبني تقديراتها على الأرقام الصادرة عن الحكومة الجزائرية، حيث يتوقَّع الصندوق أن ينخفض معدل التضخُّم في الجزائر من 9.32 في المائة في 2023 إلى 7.55 في المائة في 2024، وهذا ما يستحيل تحقُّقه في ظلّ ما يتمّ اتِّخاذه من إجراءات تساعد على إشعال نار التضخُّم بدلاً من إخمادها.

لقد أكَّد الرئيس عبد المجيد تبون مواصلة الجهود لخفض معدل التضخُّم إلى أقلّ من 4 في المائة بغية الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، وكما هو معروف اقتصادياً تمكن السيطرة على التضخُّم وخفضه من خلال تطبيق سياسة نقدية انكماشية ورفع أسعار الفائدة من أجل تشجيع المواطنين على إيداع أموالهم في البنوك، وزيادة الضرائب بغية تقليل الاستهلاك، وتخفيض الإنفاق الحكومي. لكن الحكومة الجزائرية لم تنفِّذ أيّاً من ذلك، بل على العكس سيتمّ خفض معدلات الفائدة على القروض الاستثمارية لتشجيع الاستثمارات وجذب المزيد منها لا رغبة في خفض معدلات التضخُّم بالدرجة الأولى، وذلك علاوة على إعطاء دفعة قوية للإنفاق الحكومي وزيادة رواتب الموظّفين ومعاشات المتقاعدين خلال العام الجاري، فقد اعتمدت الجزائر أكبر ميزانية في تاريخها بواقع 113.6 مليار دولار كنفقات عامة استهدفت زيادة النفقات الاستثمارية، وتخفيف الضرائب عن المؤسّسات الناشئة، ورفع الأجور. وإذا دلَّ كل ذلك على شيء فهو يدلّ على السير في الاتِّجاه المعاكس للسيطرة على التضخُّم الذي يسرِّع تآكل القدرة الشرائية للجزائريين.

جدير بالذكر أنّ الزيادات الهزيلة التي أقرَّتها الحكومة في رواتب موظَّفي القطاع العام ومعاشات المتقاعدين لا تزال بعيدة عن المستوى الذي يساعد على دعم القدرة الشرائية للمواطنين بشكل محسوس وملموس، حيث ينجح التضخُّم في سرقة أضعاف ما يضعه الإنفاق العام في جيوب الجزائريين، وهذا ما يبقيهم في دوامة من المعاناة لا خروج منها إلاّ بإسراع الدولة في معالجة الاختلالات المتعلِّقة بالشقّ المالي والاقتصادي. وسيظلّ المواطن الجزائري البسيط حبيس المعاناة، وسيبقى همّه توفير قوت يومه، وإذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن ستنضمّ شريحة واسعة من الجزائريين إلى قائمة المحرومين من أداء سُنّة عيد الأضحى المؤكَّدة. عند تحويل زاوية النظر إلى الإمكانات والثروات المتنوِّعة التي تزخر بها الجزائر، يمكن التأكُّد من أنّ المعاناة الشديدة التي طاولت مخالبها الطبقة الفقيرة وتعدّتها إلى الطبقة الوسطى ما هي إلا نتاج الافتقار لإصلاحات جذرية وهيكلية وبرامج مستقرّة ودائمة واللّجوء للبرامج المناسباتية التي تفرضها الظروف لا الحاجة.