الحياءُ في حركة الإنسان في الحياة مختلف تمامًا عن الخَجَل؛ فأمّا الحياءُ، فمن الاحتشام الذي يؤطّر حركة المرء في كلامه وفعاله بإطار العامّ النافع من الآداب.
أظهرت الحرب في غزّة أنّ "سلطة أوسلو" تصدرُ عن وجدان مختلفٍ تمامًا عن وجدان الفلسطينيّين، وتعيش همومَها الخاصّة المختلفة والبعيدة عن هموم وآلام الشعب الفلسطيني.
مع إعلان حكومة الاحتلال قبل أيام عن رغبتِها بالمحافظة على السلطة "الوطنيّة"، وديمومة بقائها وتقوية سلطويّتِها، وأنّ هذه الغاية تخدمُ دولة "إسرائيل"، وتكذيب حكومة الاحتلال خبر وقف التّنسيق الأمنيّ، تُدهِشُك الأصواتُ التي تطالبُ سلطة أوسلو بموقف مختلف.
ما نراه الآن من سِيادَةِ التّبصيرِ والكهانة وقراءة الطّالع والأبراجِ، ولُجوء بعضِ كِبار رؤساء الدول العظمى إلى مثل هذا التهريجِ، فضلا عن الإيمانِ بِحَتميّات مهلِكَة، كلُّ هذا يدلُّ على أنّ الإنسانَ الحديثَ لَم يستطع الخُروجَ من ربقة الجبرية والحتمية.
تمكّنت هذه الدّولة صغيرة الحجم، قطر، من تجاوُز كثير ممّا دُبِّرَ لها بِلَيَالٍ حالكات، ومع هذا التّجاوُز تعلَّمت الاستجابة للتّحدّيات، فحوّلت المُشكلات والعراقيل فُرَصاً حقيقيّة للتّنمية، وظلّت طوال مسيرتِها الحديثة على مبدأ: القرار مستقلّ.
تأسيس الوطن بالانتقال من مفهوم الحِمَى لا يمكنُ تحقيقُه من دون تأسيس الوعي العميق بالمجال العامّ، وتمايُزِه عن المجال الخاصّ، مع الإيمان بالعلاقة الجدليّة بينهما؛ فالعامُّ فيه مصلحة الخاص، ولا بدّ للمرء من التّنازل عن جزء أساسي من خاصِّه ليتكون العام
ما نحنُ بصَدَدِه يحتاجُ إلى جهدٍ كثير، وفَيضٍ من العمل والتّخطيط الدّائبين، على مستوياتٍ كثيرة. لكنّ الخطوة الأولى تكمنُ في مواجهةِ الأفكار التّبريريّة التّجميليّة، الرّافضة كلّ حركةٍ واعية للعقل النّاقد، الّتي لا تنفكُّ تلجأ إلى الاتّهامِ بالمُروق.
عالم الحسن لا يتمترس خلف معتقده، ولا يبني أسوارًا بينه وبين المخالف/ المختلف، ولا يهيج حين لا يكسب بالتعصّب إلا العماء، ولا يهيّج العصبيّات حين يفشل وتضعف ريحه راغبًا في استثارة النفوس. وعالم الحسن باحث كغيره عن الحق والحقيقة.