الإعلام متواطئاً مع هارفي وينستين: جريمة التجاهل

19 أكتوبر 2017
حمت الصحافة وينستين لعقود (ألكسندر كويرنر/Getty)
+ الخط -
في مقالٍ له قبل يومين في صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة، يقول الصحافي والكاتب البريطاني، بيتر بريستن، المعلّق على شؤون الإعلام، إنّ المنتج السينمائي الأميركي، هارفي وينستين (65 عاماً)، كان محمياً لعقود من فضحه لاعتداءاته الجنسيّة (تعود جرائمه، بحسب روايات الضحايا اللواتي بلغ عددهن 40، إلى 30 عاماً إلى الوراء) من "الإعلام الجبان". وفي تقرير لها في مجلة "ذا كات" في نيويورك، كتبت ريبيكا ترايستر "يستطيع هارفي وينستين قلب أو قمع أي شيء. لقد كان هناك العديد من الصحافيين الذين يَدفع لهم المال، ويعملون كمستشارين على مشاريع أفلام، أو ككتاب سيناريو، أو حتى في مجلّته". 
يُلخّص ذلك أحد أسباب "خوف" ضحايا وينستين من الحديث عن اعتداءاته، فقد كان يستطيع تشويه سمعتهنّ للانتقام، باستخدام الإعلام، وهو ما فعله سابقاً حقاً، كما تقول ماغريت ساليفان في "واشنطن بوست" قبل يومين، مضيفةً أنّ "الإعلام حمى وينستين ثم أنزله عن عرشه".

أعادت فضيحة وينستين فتح النقاش بشأن محاربة التحرش والاعتداء الجنسي حول العالم، لكنّها أعادت أيضاً الحديث عن دور الصحافة في حماية المجرم والتشهير بالضحية. يُشير موقع "هاف بوست" بنسخته الأميركيّة، في تحقيق قبل يومين، إلى حالة الإعلام تلك، فيروي أنّه في منتصف التسعينيات، عرض أحد المراسلين في مجلة "فاراييتي" الفنيّة قصّة كانت ستجعل وينستين يبدو "سيئاً"، كانت ستتحدث عن مخاطر شركات الأفلام الصغيرة التي تدخل عالم الإنتاج، على أن تكون شركة وينستين حينها "ميراماكس"، مثالاً، إذ إنّ أعمالها الفنية الأولى لم تكن ناجحة كثيراً. لكنّ رئيس تحرير المجلة "القوي"، بيتر بارت، رفض القصة في لحظتها، من دون نقاش، مؤكّداً أنّ مواضيع من هذا النوع لا يمكن طرحها مجدداً.
ويوضح المراسل الذي لم يكشف عن اسمه لـ"هاف بوست"، لأنه لا يزال يعمل في المجال، أنّ تلك كانت القصة الوحيدة التي تم رفضها له من دون أي سبب واضح غير الشركة التي كان سيتحدث عنها.

موظف آخر في المجلة التي كانت تُعتبر من أقوى المؤسسات في هوليوود، يؤكّد أنّ هذا الميل كان معروفاً جيداً في "فاراييتي". ويضيف "لم توجد حينها أيّ مقالة نقدية عن هارفي أو شركته في المطبوعة. كان الأمر كقاعدة غير معلنة".

في منتصف التسعينيات، كان وينستين قد أصبح أحد أبرز الأسماء في هوليوود، وكان بارت مقرباً منه، فتكوّنت صداقة من المصالح المتبادلة، فكسبت "فاراييتي" من تحويل المنتج لحفل "أوسكار" إلى ما يُشبه المناسبات الرياضيّة، فمنحها العديد من النسخ الجيدة في موسم الجوائز، وكسبت جرّاء الإعلانات التي نشرتها "ميراماكس".

ويقول مقرّب سابق في هوليوود من وينستين، لـ"هاف بوست" أيضاً، إنّ المنتج السينمائي كان "الصديق الأقرب لكلّ المؤسسات الإعلامية"، ويُشير إلى أنّه "كان هناك وقت لم تكن تتصفح فيه مجلة (فاراييتي) من دون أن تجد إعلاناتٍ مكدّسة من ميراماكس".


ولعلّ رفض شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية نشر فضيحة وينستين أولاً، بعد عرض المراسل غير المتعاقد في الشبكة، رونان فارو، التحقيق على الشبكة، وصدها له، يصبّ في إطار حماية الإعلام للمنتج السينمائي، وتراجعه عن الحديث سلباً عن وينستين. توجّه فارو لاحقاً بقصّته إلى "ذا نيويوركر" الأميركية، وعرض فيه شهادات 13 امرأة وتجربتهن مع سلوك وينستين الجنسي، ليعطي صورةً مختلفة (بعد "نيويورك تايمز") عن أهميّة الصحافة في فضح تلك الممارسات، ودور الصحافة الاستقصائيّة في تكوين الوعي المجتمعي العالمي.

تخاذل الصحافة حصل أيضاً مع العارضة الإيطالية أمبرا غوتيريس، التي رفعت دعوى ضدّ وينستين عام 2015، ثمّ شنّ الإعلام حملةً عليها لتبدو الضحيّة هي المُذنبة. بعد عامين من تلك الواقعة، وبالرغم من الدعم الذي لاقته ضحايا المنتج السينمائي إثر الكشف عن الفضيحة في صحيفة "نيويورك تايمز" في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تُعاني غوتيريس من نفس التشهير. فتقول إنّ الإعلام سخر منها منذ روايتها تجربتها في العلن.

والحال أنّ تغطية الإعلام الإيطالي كانت تشهيريّةً ضدّ ضحايا ويسنتين، عبر الإشارة إليهنّ بتعبير "ديفا" وتشبيههنّ بعاملات الجنس. فبين ضحاياه الإيطاليّتين الشهيرتين، الممثلة آسيا أرغنتو والعارضة أمبرا باتيلانا غوتيريس، اللتين اتّهمتا المنتج السينمائي بالتحرش. والأسبوع الماضي، أعلنت أرغنتو أنّ وينستين أجبرها على ممارسة أعمال جنسية عام 1997 عندما كانت تبلع من العمر 21 عاماً في غرفته في الفندق أثناء حضور مهرجان "كانّ"، موضحةً أنّ مدير شؤون شركة "ميراماكس" في إيطاليا، فابريتزيو لومباردو، هو الذي اصطحبها إلى غرفة وينستين، قائلاً إنّ هناك حفلة للشركة، لكنّ المنتج الهوليوودي كان وحده في الداخل.

بعد ذلك الكشف، عانت أرغنتو من التشهير بها واستهدافها من قبل الصحافة الإيطالية ووصفها بالعاهرة. وقالت الممثلة، بحسب ما ينقل موقع "دايلي مايل": "يتم التشهير بي في الإعلام الإيطالي. إنّه أمر من العصور الوسطى"، مشيرةً إلى أنّ العقليّة الإيطالية لا تزال تحمل ما كان عادياً في الستينيّات، أي جرائم الشرف. وأضافت "حتى العام 1996 كان الاغتصاب يُعتبر جريمة ضدّ الشرف، وليس ضدّ إنسان".

وأعلنت أرغنتو عبر حسابها على "تويتر" أنّها ستقاضي صحيفة "ليبرو"، ومقرها ميلان، بسبب نشرها مقال رأي يستهدف سمعتها ويهين كرامتها كامرأة. وحمل ذلك المقال عنوان "أولاً أعطي الأمر ثم أبكي وأتظاهر بالندم"، وزعم أنّ "الخضوع للمدير من أجل الوصول في المهنة يعدّ بغاءً وليس اغتصاباً". واستخدم هذا المقال، وغيره من المقالات في الصحف الإيطالية، صوراً لأرغنتو من فيلم "غو غو تايلز" عام 2007 في دور راقصة تعرّ. كما أنّ صحفاً إيطالية أخرى، من بينها "لا ريبابليكا" و"راي نيوز" استخدمت تعبير "ديفا" لوصف ضحايا وينستين.

وفي السياق، وبينما يرتفع عدد النساء اللواتي يتحدّثنَ عن الاعتداء جنسياً عليهنّ من قبل المنتج الهوليوودي وينستين، يبدو الإعلام الروسي غير مصدّق للادعاءات من الأساس.

وتتعامل روسيا مع الفضيحة التي تتكشّف فصولها في أميركا وأوروبا بكثير من التشكيك والذهول، بحسب ما ينقل موقع "فورين بوليسي". إذ لاحق طرفا الطيف السياسي في روسيا ضحايا وينستين، بعدما اتّهمت أكثر من 40 سيدة المنتج بالتحرش والاعتداء الجنسي، وحتى الاغتصاب. وتضمّنت اللائحة ممثلات يُعتبرن من الصفّ الأول كأنجيلينا جولي وروز ماكغوان اللتين يعرفهما الجمهور الروسي جيداً.

إذ تساءل ميخائيل كوزيريف على تلفزيون "رين" الذي يُعتبر الشكل الوحيد للقناة المستقلّة في البلاد: "لماذا بقينَ صامتات كل تلك السنوات؟"، مضيفاً "ما الذي منعكنّ في تلك اللحظة من أخذ خطوةٍ إلى الوراء والقول (لن أعمل مع هذا الشخص) أو (خطر!)"
يُذكر هنا أنّ "رين" هي القناة التلفزيونيّة التي أجرت مقابلة مع عضو في "راشن ترول فارم"، أي الشركة المتهمة بمحاولة التأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016.

من جانبه، وصف "لايف"، الموقع المؤيّد للكرملين والقناة التلفزيونية التي تغطي القضية بكثير من "الحماس"، كما تقول "فورين بوليسي"، وينستين، والذي تُرجم اسمه إلى "فانشتاين" في روسيا (عائلة يهودية منتشرة في البلاد) بعبارات دفاعية كـ"آلة الجنس" و"المهووس بالبنات".

على القناة الروسية الأولى (Channel 1)، افتتح المذيع إيفان أورغانت سهرة برنامجه المسائي الأسبوع الماضي بالحديث عن المعلومات التي عُرفت عن وينستين. وقال ساخراً لجمهوره الحاضر في الأستديو "يبدو أنه في تجارة البرامج الأميركيّة، يمكن أن تمارس الجنس للوصول"، مضيفاً "الأمر ليس كذلك هنا".

وبينما ترفع فضيحة وينستين الأسئلة حول ثقافة الاغتصاب حول العالم، وتُجبر الصحافة على فحص أساليبها، ابتعدت روسيا عن الاستكشاف الذاتي، إذ تُعتبر قضايا التحرش الجنسي والعنف الأسري من المحرّمات (تابو) في روسيا، رغم انتشارها.