المرض عندما يصير "عقاباً إلهياً"

01 ديسمبر 2017
ثمّة حاجة إلى دعم مصابي الأردن (فرانس برس)
+ الخط -

بين أكوام من الكتب رخيصة الثمن المعروضة على بسطات تنتشر في العاصمة عمّان، تطالعك عناوين مثيرة مدعومة بصور صادمة تتكفّل بإثارة الذعر. تلك العناوين تحكي عن الإيدز كـ"عقاب إلهي". وتؤكّد مضامين تلك الكتب أنّ المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب "عُصاة" يستحقون العذابات التي يلاقونها في حياتهم، بينما تتوعّدهم بعقاب شديد بعد الموت وتدعو المجتمع إلى عزل المرضى وعدم التعاطف معهم أو تقبّلهم. وفي توجيه واضح، لا تخصّص أيّ مساحة للمعلومات الطبية حول تعدد أسباب انتقال الفيروس وعدم اقتصار الأمر على الممارسة الجنسية.

ليس بعيداً عن مضامين تلك الكتب، شكّل المجتمع نظرته إلى المصابين التي تتراجع فيها نسبة التعاطف وتقبّل الآخر، في حين راح ينسج خرافات حول طرق انتقال المرض عبر المصافحة مثلاً. وأكثر من ذلك، تُروى قصص عن تأليف المصابين عصابات منظّمة لنشر الفيروس على نطاق واسع.

في مواجهة ذلك، يعمل البرنامج الوطني الأردني لمكافحة الإيدز الذي تأسس في عام 1986 على رفع الوعي حول المرض ودعم المصابين/المتعايشين معه. ويشير هنا مدير مديرية الأمراض السارية في وزارة الصحة، الدكتور محمد العبداللات إلى أنّ "النظرة إلى المرض تغيّرت خلال السنوات الماضية بصورة كبيرة، لكنّه ما زال أمامنا كثير من العمل". ويؤكد أنّ الأردن لا يسجّل أرقاماً مرتفعة من الإصابات، ومعدّلات الإصابة بالإيدز فيه تُعَد من الأكثر انخفاضاً بين دول الإقليم.

بحسب سجلات البرنامج الوطني، فإنّ 82 إصابة (إحصائية أولية) سُجّلت خلال العام الجاري، منها 62 إصابة بين الوافدين و20 إصابة بين أردنيين، في حين سجّلت في العام الماضي 104 إصابات، منها 66 بين الوافدين و38 بين الأردنيين. إلى ذلك، بلغ عدد الإصابات المسجلة بالفيروس منذ إنشاء البرنامج 1360 إصابة، منها 1022 بين الوافدين و338 بين الأردنيين. تجدر الإشارة إلى الوافدين المصابين جرى ترحيلهم وفقاً للإجراءات المرعية في التعامل مع المرض، بينما ألحق الأردنيون ببرنامج للعلاج المجاني. لكنّ العبداللات يوضح أنّ "الأرقام الرسمية لا تعكس بالضرورة العدد الحقيقي للمصابين. فالمسجَّلون لدى البرنامج هم الذين تبيّنت إصابتهم من خلال الفحوصات المسحية التي ينفذها البرنامج والفحوصات الروتينية التي يجريها بنك الدم".

وبرنامج العلاج المجاني الذي تتراوح تكاليف المصاب الواحد فيه ما بين 500 و600 دولار أميركي شهرياً، يعتمد بحسب العبداللات على "علاجات حديثة أوصت بها منظمة الصحة العالمية وتعتمدها وزارة الصحة الأردنية. وهي تحقق بالفعل نتائج إيجابية، إذ هي ساهمت من جهة في إطالة أعمار المرضى وخفّضت من أخرى سرعة تنامي الفيروس".

بموازاة ذلك، يعمل البرنامج الوطني الأردني لمكافحة الإيدز على نشر الوعي حول المرض بين الأهل وزملاء العمل، وتقديم الدعم والمساندة إلى المصابين/المتعايشين معه. ويشدّد العبداللات هنا على أهمية "عدم عزل المصاب ودمجه بالمجتمع والحفاظ عليه كإنسان منتج مع مراعاة الابتعاد عن الأعمال التي قد تمثّل خطورة عليه".



وخلال السنوات العشر الماضية، سعى البرنامج إلى مواكبة الاتجاهات الحديثة في التعامل مع المرض والتي تركّز على السلوكيات التي تؤدّي إلى الإصابة بالمرض والعمل على تغييرها، بعدما كان يركّز عند تأسيسه على الفحوصات وتقديم العلاجات.

وفي تجربة يتيمة، كانت ثمّة محاولة لتغيير المفاهيم السائدة حول الإيدز والحدّ من الخوف من المصابين به. فقد شارك مصابون به في مؤتمر صحافي عُقد قبل أكثر من خمس سنوات، وتحدّثوا خلاله عن تجاربهم وتعايشهم مع المرض. لكنّ الأمر لم يتكرر.

وقبل ذلك، في عام 2010، أسس متعاطفون ومتعايشون مع المرض موقعاً إلكترونياً تحت عنوان "لنساعد مرضى الإيدز" بهدف تبادل الآراء وعرض المشكلات التي يواجهها المتعايشون معه، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة أمام الزائرين لمناقشة المتعايشين مع المرض حول كيفية التعامل معه بطريقة علمية تضمن حماية المجتمع. لكنّ الموقع اختفى لاحقاً عن الشبكة من دون معرفة الأسباب، كذلك اختفت المجموعة التي تحمل الاسم نفسه عن موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي.

تجدر الإشارة إلى أنّ "العربي الجديد" حاولت التواصل مع متعايشين مع الإيدز، للوقوف عند آرائهم، لكنّ هؤلاء أبدوا عدم رغبة في مشاركة تجاربهم أو حتى عرض المشكلات التي يواجهونها. واحد منهم فقط برّر الأمر بالقول: "كلمة إيدز تتسبب بردود فعل سلبية ليس تجاهنا فحسب بل تشمل كذلك عائلاتنا. ونحن لا نرغب في حدوث ذلك".

دلالات
المساهمون