يوم أُصبت بصدمة نفسية هائلة

01 ديسمبر 2017
نساء مغربيات في حلقة توعية (عبد الحق سنا/فرانس برس)
+ الخط -

أكثر من 1300 مغربي مصابون بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لقوا حتفهم في عام 2015، في حين ارتفع عدد المصابين إلى نحو 25 ألفاً في عام 2016، بعدما كان 14 ألفاً في عام 2015. هذا ما تفيد به بيانات منظمات وجمعيات تنشط في مجال مكافحة الإيدز الذي يعرف في المغرب بتسميته الفرنسية "سيدا"، على الرغم من أنّ البلاد أطلقت في عام 2012 مخططاً وطنياً لمكافحته بدعم من برنامج الأمم المتحدة المشترك لـفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز.

وتشير البيانات شبه الرسمية نفسها لعام 2016، إلى أنّ نسبة الأشخاص الذين يعرفون أنّهم مصابون بالفيروس القاتل في المغرب تصل إلى 63 في المائة من مجموع المصابين، بينما يتابع 48 في المائة من المصابين بالإيدز علاجهم، ومنهم 47 في المائة من اليافعين.

ويشعر مصابون كثيرون بالإيدز بالتمييز والغبن، بسبب النظرة القاسية التي توجَّه إليهم والاتهامات التي تشير إليهم كمنحرفين من جرّاء الربط ما بين الإصابة بالإيدز و"العلاقات الجنسية المنحرفة".

كريم شاب مغربي في الثلاثينيات من عمره، لم يعرف بإصابته بالفيروس إلا بعدما أجرى تحاليل دم. يقول: "لن أنسى ذلك اليوم عندما أعلمني المختبر بالنتيجة. أصبت بصدمة نفسية هائلة، لا سيّما عندما أكّد الطبيب المتخصص الذي لجأت إليه الأمر". يضيف أنّه "طيلة أيام وأسابيع بقيتُ أسأل نفسي كيف أواجه الفيروس وكيف أواجه أسرتي الصغيرة وكيف أتعامل مع الإصابة في محيطي ومجتمعي". ويخبر كريم أنّ حبيبته التي كان ينوي الزواج منها هي "أوّل شخص أخبرته بإصابتي، ثمّ عائلتي الصغيرة قبل أن ينتشر الخبر بين الأصدقاء وفي الحيّ"، مشيراً إلى أنّ ردود الفعل تباينت، لكنّها كانت تتشابه في ما يخصّ المفاجأة". يضيف أنّ "والدَيّ أصيبا بصدمة كبيرة عندما عرفا بالأمر، ولم تتوقّف أمي عن البكاء. لكنّهما احتضناني وساعداني على تجاوز المحنة النفسية في الفترة الأولى، وهما دفعاني إلى مقاومة المرض بشجاعة وتفاؤل".

ويخبر كريم أنّ حبيبته لمّا علمت بالأمر "راحت تبحث عن كلّ أعذار الدنيا لتتفادى لقائي، فهي كانت دائماً إمّا مريضة أو غائبة أو مسافرة، حتى أتى اليوم الذي طلبت مني فيه قطع علاقتي بها ونسيان الخطوبة والزواج نهائياً، بدعوى أنّني خدعتها وخنتها مع أخرى، على الرغم من أنّني شرحت لها أنّ الإصابة بالإيدز ليست محصورة بالاتصال الجنسي بل ثمّة أسباب أخرى وراءها". بالنسبة إليه فإنّ حبيبته قطعت علاقتها به في الواقع لأنّها خشيت على نفسها من الإصابة بالعدوى وليس لأنّها تتّهمه بالخيانة.


إلى ذلك، فإنّ المجتمع المحيط بكريم لم يرحمه، ويحكي بنبرة حزينة كيف أنّ "نظرات غريبة بدأت توجَّه إلي من قبل نساء ورجال الحيّ"، لمّا انتشر الخبر من خلال حبيبته. ويقول: "بتُّ شبه منبوذ بين الناس، فكثيرون راحوا يخشون مصافحتي أو عناقي مثلما كانوا يفعلون في السابق". ويشدّد كريم على أنّه "بقدر ما صدمني موقف المجتمع المحيط بي، لأنّ الناس لم يألفوا التعامل مع مريض بالإيدز الذي يسمونه المرض الخايب (المرض القبيح)، بقدر ما تفهّمت موقفهم. فكثيرون لا يعرفون حقيقة المرض الذي تُحاك حوله شائعات عدّة، من قبيل أنه ينتقل عن طريق المصافحة أو التنفّس أو التقبيل وغير ذلك".

من جهته، سعد الله في الأربعينيات من عمره، وهو مصاب بدوره بالإيدز. يخبر أنّ "إصابتي كانت عن طريق اتصال جنسي غير آمن مع بائعة هوى، وهي لم تخبرني بأنّها تحمل الفيروس أو ربما لم تكن تدري بذلك". ويكمل أنّ "معارفي تنكّروا لي وأغلقوا هواتفهم في وجهي، ورفض كثيرون استقبالي في بيوتهم. وقد سمعت أحدهم وهو يقول إنّه غير مستعدّ للإصابة بالعدوى إذا دخلت إلى بيته وأكلت من صحنه ونمت في فراشه". ويؤكد سعد الله أنّ "المجتمع المغربي ما زال يحمل أفكاراً واهية عن انتقال الإيدز من خلال أبسط التصرفات. وما زال المغاربة يصفونه بنعوت سيّئة، إذ يربطونه بالممارسات الجنسية المنحلة. وثمّة من يعتقد بأنّه عقوبة من الله بخلاف الأمراض الأخرى". ويوضح أنّ "مرضى الإيدز في المغرب يواجهون آلاماً على أكثر من صعيد، إذ ثمّة ألم جسدي بسبب ضعف المناعة الذاتية وعدم التعافي بسرعة من الأمراض، وألم نفسي لأنّه في أذهان الناس يرادف غضب الله وثمّة تمييز فيما يعني الموت المبكر. يُضاف إلى ذلك ألم مادي لأنّ علاج المرض مكلف جداً".

ويقرّ سعد الله بأنّ "نظرتي إلى الإيدز تغيّرت اليوم بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل سنوات قليلة عندما أصبت به. فأنا كنت أخشى نقل العدوى إلى محيطي من زملاء وأصدقاء من خلال أيّ تصرّف. لكنّني شاركت بورش توعية في الجمعية المغربية لمكافحة الإيدز، وأدركت حقيقة الأمور وأنّ عليّ عدم الخوف على الآخرين بقدر ما يتعيّن عليّ مواجهة المرض بشجاعة وعقلانية".

دلالات