منذ وقعت عملية إطلاق النار في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، والتي نفذها مقاومون وأودت بحياة مستوطنة في الحادي والعشرين من أغسطس/ آب الجاري، تتصاعد العقوبات الجماعية واعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة الخليل، خصوصاً على سكّان المنطقة الجنوبية من المدينة والمحاذية لموقع العملية.
وبعد العملية، أغلقت مداخل المنطقة الجنوبية من الخليل، ونظم المستوطنون مسيرات أعلام إسرائيلية بشكل استفزازي، بالإضافة إلى اقتحام وتخريب أماكن دينية وأملاك وقفية تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية في البلدة القديمة.
ومداخل الخليل الجنوبية الشرقية ثلاثة وهي مدخل خربة قلقس، والكسّارة، والفحص، وتعتبر متنفس السكان المروري، إلا أن الاحتلال يغلق اثنين منها. ويقول رئيس اللجنة الأهلية في المنطقة الجنوبية عودة الرجبي، لـ "العربي الجديد": "منذ وقوع العملية، يغلق الاحتلال مدخلي قلقس والكسّارة ويبقي مدخل الفحص للعبور، ما أدى إلى خلق أزمة مرورية خانقة بشكل يومي تبعها تعطل مصالح الناس التجارية، لأن طريق الكسّارة غير مؤهلة لمرور مركبات المواطنين، تزامنًا مع مرور شاحنات المصانع التي أغلق الاحتلال طريقها".
ويتعامل الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه بتنسيق مشترك حيال سكّان المنطقة بسياسة "العصا والجزرة"، إذ يفتح جنود الاحتلال بوابات المداخل الجنوبية أمام المستوطنين الذين يغلقون تلك المداخل ويتجمهرون ويرفعون الأعلام الإسرائيلية. وعند مغادرة المستوطنين، يغلق الاحتلال بوابات المداخل بحجة الإجراءات الأمنية، كما يروي الرجبي، الذي يشير إلى تخوفهم من إعادة إغلاق مدخل قلقس الذي استمر إغلاقه 20 عاماً وافتتح قبل نحو عامين.
أما الناشط الحقوقي وعضو لجنة الدفاع عن الخليل، هشام الشرباتي، فيقول لـ "العربي الجديد" إن العقوبات الإسرائيلية بالإغلاق وتشديد الإجراءات على حركة المواطنين لا تطاول أهالي مدينة الخليل وحدهم، بل معظم القرى المجاورة وتحديداً الواقعة جنوب الخليل، إذ يحرم الاحتلال يومياً الكثير من المواطنين من دخول الخليل التي تعتبر مركزاً اقتصادياً مهماً.
ويرى الشرباتي أن الاحتلال يحاول إيصال رسالة مفادها بأن العمل المقاوم لن يدفع ثمنه المقاوم وأهله، بل كل سكّان المنطقة، وذلك بهدف ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة، تنفيذاً لسياسة العقاب الجماعي التي تعتبر جريمة وجريمة ضد الإنسانية وفق القوانين الدولية.
ولم تسلم حتى الأماكن الدينية من الاعتداءات. ويوضح مدير أوقاف الخليل نضال الجعبري، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنه "منذ أسبوع، رصدت اعتداءات خطيرة تجاه الأماكن الدينية تحديداً في البلدة القديمة من الخليل، أبرزها تحطيم جنود الاحتلال نوافذ وأبواب مسجد ومقام الشبلي الديني أثناء ملاحقة الشبّان الفلسطينيين، بالإضافة إلى تصعيد خطير تجاه المسجد الإبراهيمي باستمرار انتشار الجنود القناصة المدججين بالسلاح، إذ يصوبون نيرانهم تجاه رواد المسجد وزائريه وسكان المنطقة ما يهدد حياتهم بالخطر".
ولم تسلم الأماكن الدينية التي يسيطر عليها الاحتلال قديماً من الاعتداءات، على غرار مسجد مشهد الأربعين المقام على أراضي تل ارميدة الذي حوله المستوطنون إلى كنيس يهودي خالص، على الرغم من أنه مسجد يفوق عمره الـ 500 عام، بالإضافة إلى إقامة خيمة استيطانية على أراضي سكّان تل ارميدة علماً أنها أراضي وقف إسلامي، وتعتبر محميةً وفق القوانين والشرائع الدينية والدولية، كما يوضح الجعبري.
يتابع: "رفعنا تقريراً بما تم رصده من اعتداءات لكل الجهات الرسمية في محافظة الخليل، ووزارة الأوقاف، والارتباط المدني الفلسطيني، وسيتم التعامل مع الاعتداءات وفق تقديرات الجهات المعنية إما برفع قضايا في المحاكم الدولية ضد الاحتلال، أو رفع قضايا في المحاكم الإسرائيلية، وفق ما تراه الجهات الرسمية السياسية".
وتعاني مدينة الخليل من سهولة تطبيق سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلي تجاه أهلها، نتيجة تقسيمها وفق "بروتوكول إعادة الانتشار 1997" المعروف باتفاقية الخليل، إلى مناطق H1/H2 التي عزلت المنطقة الجنوبية عن باقي مناطق المدينة، واعتبرتها مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الأمنية الكاملة، والتي تصل مساحتها إلى 20 في المائة من مدينة الخليل.