من تاريخ المنتخبات (17) كولومبيا: الفراغات التي ينبت فيها القنّب

01 يوليو 2024
كولومبيون يتابعون مباراة لمنتخبهم في كأس العالم 2018 في سوق بمدينة كالي (Getty)
+ الخط -

مثل مرآةٍ، تعكس المنتخباتُ البلادَ التي تُمثّلها، فهي تجمع عناصر هويّتها وتكثّفها في فريق من 11 لاعباً كأنما يختزلون شعباً. مسار هذه المنتخبات عبر السنوات والمسابقات الكروية الكبرى يعمل مثل تاريخ موازٍ للأمم، تضيئه هذه السلسلة التي يستأنف موقع "العربي الجديد" نشرها بمناسبة بطولتي اليورو وكوبا أميركا 2024. تتناول حلقة اليوم تاريخ منتخب كولومبيا.


"كافيتيروس" لقبٌ يُطلق على لاعبي المنتخب الكولومبي، ويعني المشتركين في صناعة القهوة من المزارعين إلى البائعين. تشير هذه التسمية التي اختارها الكولمبيون لمنتخبهم إلى أهمية القهوة في الاقتصاد الوطني، فهي وفق الأرقام الرسمية المادة الأولى التي تصدّرها بلادهم، وبما أن المنتخب واجهة دولية يخفف هذا اللقب من الربط المعروف بين كولومبيا والمخدرات. غير أن تسمية المنتخب لا تستطيع أن تخفي حقيقة تقع خارج الأرقام الرسمية وهي أن أرض كولومبيا تصدّر إلى العالم الجزء الأكبر من كميات المواد الأولية التي تدخل في صناعة المخدرات، مثل نباتات الكوكا والقنّب. وإن هذا النوع من الزراعة قادر على إضاءة تاريخ كولومبيا، وتاريخ منتخبها، أكثر مما تقدر عليه القهوة.

على عكس بلدان تجاوره في قارة أميركا الجنوبية، لم يكن لمنتخب لكولومبيا شأن في التاريخ المبكر لكرة القدم، ولم يبرز إلا خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي. من منظور كرة القدم، وكأنما خرجت كولومبيا فجأة ودُفعة واحدة إلى الضوء بعد "100 عام من العزلة". ففي حين بدأت المسابقة القارية كوبا أميركا عام 1916، لم تبدأ مشاركة كولومبيا إلا منتصف الأربعينيات. ولم تصبح مشاركاتها منتظمة إلا بداية من 1975. أما كأس العالم فلم تدخل كولومبيا التصفيات حتى دورة 1958، ولم تصل إلى المشاركة في كأس العالم إلا سنة 1962 وانسحبت عامها من الدور الأول. وجميعها نتائج غريبة في بلد معروف بتعلق شعبه بكرة القدم.

حين تعجز الدولة يظهر الوحوش

يمكن القول إن كولمبيا قد دخلت تاريخ كرة القدم حين حلمت في منتصف سبعينيات القرن الماضي باستضافة كأس العالم. فقد نظمت جاراتُها عدّة دورات من المونديال؛ أوروغواي عام 1930، والبرازيل في 1950، ثم تشيلي سنة 1962، فالمكسيك في 1970، إلى الأرجنتين عام 1978. وقد وجد الحلم الكولومبي ترحيباً من فيفا التي أسندت إليها تنظيم مونديال 1986، مانحة إياها عشر سنوات للتجهيز للحدث الكروي الأبرز. حين انتهت كأس العالم 1982، بدأ العد التنازلي لاحتضان كولومبيا للمونديال الموالي، ووقتها لم يعد ممكناً إنكار حقيقة أن البلد يفتقد البنية التحتية التي كان يحتاج إليها تنظيم المونديال؛ من ملاعب وشبكات نقل وفنادق.

في نوفمبر 1982، أعلن الرئيس خوليو أيالا رسمياً أن موازنة الدولة لا تسمح بتنظيم المسابقة، فكانت خيبة أمل كبيرة للكولومبيين. ولم يستطع لاحقاً منتخبهم أن يترشّح إلى النهائيات التي أقيمت في المكسيك، وترسّخت بذلك الصورة القاتمة عن كولومبيا بوصفها بلداً متأخراً كروياً وتنموياً.

ذلك الإخفاق كان أحد أسباب استشعار قوى داخل كولومبيا أن الوقت قد حان للتمدد على حساب الدولة المنهكة. لقد سبق لزعماء عصابات المخدرات،  بعد أن كدّسوا ثروات قارونية في سنوات قليلة، أخذ المواقع التي لم تشغلها بوغوتا، وهي أرياف شاسعة جاهزة للاستثمار، وأحياء قصدير تحيط بالمدن الكبرى. وحين اعترفت بقصورها التام، لم يبق لهؤلاء سوى تعويض الدولة في كل شيء تقريباً. إذا عدنا إلى الاستعارة الزراعية، فإن الفدان الذي لم يذهب لزراعة القهوة قد أصبح على ذمة المستثمرين في القنب.

بروز عصابات المخدرات قابلته نهضة كروية في كولومبيا

ما يقوله تاريخ منتخب الكافيتيروس بوضوح هو أن بروز عصابات المخدرات قابلته نهضة كروية في كولومبيا. لا شك أن البلاد قد أنجبت لاعبين جيّدين في كل أجيالها الكروية، لكن الدولة لم تكن قادرة على رعاية المواهب أو توفير ما تحتاج إليه المنافسة الدولية ما أفرز النتائج الهزيلة التي عرفتها كولومبيا حتى ذلك الوقت. لكن بين عشية وضحاها، تحديداً بعد 1986، بات لكولومبيا منتخب قوي يتكوّن من لاعبين أفذاذ أبرزهم صانع الألعاب كارلوس فارديراما بتسريحة شعره الفريدة، والحارس الأعجوبة رونيه هيغيتا بقدرته على المراوغة وتسجيل الأهداف وحركاته البهلوانية وأشهرها ركلة العقرب.

حين ظهر لاعبو المنتخب الكولومبي في كأس العالم 1990 في إيطاليا، بدوا مختلفين عن كل ما شاهده العالم من لاعبي كرة القدم، كأنهم أتوا من لوحة للفنان الكولومبي فرناندو بوتيرو، المشهور بالتلاعب بالأحجام البشرية وبالمسافات.

منتخب برعاية العصابات

ليس أفضل من دورات المونديال كي يعترف العالم بمواهب اللاعبين. وضع المدرّب فرانثيسكو ماتورانا منظومة لعب تقوم على اللمسات القصيرة، وتغيير النسق عند الاقتراب من مرمى المنافس. كل شيء كان يدور حول فالديراما صاحب الرقم 10، وراءه دفاع صلب وبجانبه خط وسط شرس في استعادة الكرة، وأمامه مهاجمون مهاريون.

في أول ظهور له، انتصر المنتخب الكولومبي أمام الإمارات 2-0، ثم خسروا بصعوبة ضد يوغسلافيا، وقد باتت مهمة التأهل إلى الدور الثاني أصعب لأن اللقاء الثالث سيجمعهم بالمنتخب الألماني أحد المنتخبات المرشحة للتتويج عامها، وتعقّدت الأمور أكثر حين تقدّمت ألمانيا بهدف، غير أن لعبة جماعية تعبّر خير تعبير عن قدرات اللاعبين الكولومبيين، انتهت بتمريرة مارادونية من فالديراما إلى المهاجم رينكون، منحت الكولومبيين هدف التعادل وورقة التأهل. لكن الرحلة ستنتهي سريعاً، في مواجهة الكاميرون، بعد خطأ طريف من الحارس هيغيتا الذي حاول - كعادته - مراوغة المهاجم فانتهى به الأمر إلى قبول هدف. كان يمكن أن يكون ذلك الخطأ مأساة في كولومبيا، غير أن البلاد تحت سطوة كارتيلات المخدرات كانت تعيش لحظة نشوة لا شيء يكدّرها.

منحت كأس العالم 1990 لعدد من اللاعبين الكولومبيين فرصة اللعب لأندية أوروبية ما زاد في تطوير أداء المنتخب، خصوصاً مع ظهور المهاجم فاوستينو أسبريا الذي التحق بنادي بارما الإيطالي وبات نقطة قوة جديدة في هجوم كولومبيا. أما لاعبو الدوري المحلي فقد أغدقت عليهم أموال المخدرات وكانوا شهوداً على بلوغ العصابات درجات مرعبة من السطوة والنفوذ، وأبرزها كارتل مديين الذي تزعمه بابلو إسكوبار.

لكن، ما سرّ هذه العلاقة بين ظهور جيل متميّز من اللاعبين وتجارة المخدرات؟ ببساطة، كانت كرة القدم إحدى القنوات التي يمكن عبرها تبييض أموال المخدرات، فلما ضُخّ الكثير منها في عالم كرة القدم أنعشته، وأظهرت كنوز البلاد الكروية التي كانت خافية. عام 1984، كان وزير العدل رودريغو بونيا أوّل من نبّه إلى العلاقة بين الكرة وعصابات المخدرات، وسرعان ما اغتيل، ما جعل أجهزة الدولة تهبّ إلى وقف تغوّل العصابات، غير أنها اكتشفت سريعاً أنها باتت عاجزة عن ذلك. وبوجه ما، ساد اعتقاد أن كل شيء قد استفاد خلال تلك المرحلة من حالة التسليم التي باتت تتصرف بها الدولة مع العصابات، وجد الشعب حداً أدنى من الخدمات وتخلصت الدولة من أعباء كثيرة، وكأنما وجد المجتمع الكولومبي صيغة من تدبير الشأن العام، خاصة أن أذرع بارونات المخدرات قد امتدّت إلى كل الفراغات التي تركتها الدولة فباتت تسهر على الأمن في عدة مناطق، وتموّل مشاريع الإسكان وتبني المدارس والمستشفيات. فإلى متى يمكن للمخدرات أن تظلّ تصطنع هذه الجنة الوهمية في كولومبيا؟

بين ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته، لم يعد في كولومبيا من هو بمأمن من العصابات. اغتيل وزراء وقضاة وصحافيون ورجال شرطة وحكام كرة قدم لأنهم خالفوا رغبة زعيم عصابة. تحولت الجريمة إلى حالة مناخية شاملة.أصبح إسكوبار في نهاية الثمانينيات يتحكم في ثلاثة أرباع سوق الكوكايين في العالم، بما يعنيه ذلك من ثروة طائلة استثمرها في بناء شبكة لوجستية لتأمين تجارته من الإنتاج إلى الترويج. وبذلك لم يعد مجرّد خطر محلي، بل لاعب جيوسياسي منذ أن استطاع العبور نحو أسواق أميركا الشمالية. كانت كل الخطوط الحمراء قد انتهكت.

كما تزامنت نقطة الذروة في أداء المنتخب الكولومبي ونتائجه مع ازدهار تجارة المخدرات، كان انحدار أحدهما عنواناً على انهيار الثاني. أعلنت الولايات المتحدة حرباً علانية على عصابات المخدرات في كولومبيا، وفي عام 1993 كانت كولومبيا تخوض تصفيات المونديال الذي ستحتضنه أميركا، وحققت نتائج باهرة أبرزها انتصار على الأرجنتين 5-0 في بوينس أيرس، أوصلهم إلى المونديال وجعلهم مرشحين للفوز به. كانت الأحلام تشتعل  بأنظار الصائفة، غير أن إسكوبار لن يتمكن من مشاهدة كأس العالم، ففي ديسمبر 1993 اغتيل في عملية هندسها الأميركيون. وفي ما كان يُفترض أن تكون فترة إعداد للاستحقاق الرياضي، انفلت العنف في كولومبيا بصورة غير قابلة للسيطرة. وأصبحت عائلات اللاعبين أحد الأهداف الرئيسية لعمليات الخطف باعتبارهم الأقدر على دفع الفديات. انتهت بصورة دموية تلك الموجة الإيجابية التي ذهبت بعيداً بطموحات الكولومبيين الكروية، وحين انتهت الحرب بين الدولة والعصابات، وجد المنتخب نفسه يتيماً من جديد.

من إسكوبار إلى آخر

حين انتهت كولومبيا من كابوس بابلو إسكوبار، سرعان ما ظهر إسكوبارٌ آخر سيصم كولومبيا مجدداً، وسيلطّخ صورتها أكثر بالدم. في كأس العالم 1994، انهزم المنتخب الكولولبي أمام المستضيف الأميركي الذي كان الأضعف على الورق بنتيجة 2-1. سجل اللاعب أندريس إسكوبار خطأ في مرماه، فانتهت سريعاً رحلة المنتخب الكولومبي في المونديال من الدور الأول، وستنتهي حياة إسكوبار بعد ذلك بأيام حين عاد إلى بلاده، وقرر السهر في أحد الملاهي الليلية فإذا به يُردى قتيلاً.

لم يكن الهدف الذي سجله المدافع الكولومبي ضد مرماه إلا سبباً من بين أسباب عديدة لاغتياله، وأبرز هذه الأسباب هو استسهال القتل في كولومبيا 1994. تلاسن بين اللاعب وأحد رجال العصابات انتهى بإطلاق الرصاص بكل برودة. وقال شهود عيان إنه ومع كل طلقة صرخ القاتل: Gol (هدف). كانت جريمة عادية في مدينة مديين، تقع مثلها العشرات يومياً، ولولا أنها ذهبت بحياة لاعب مشهور لم تكن لتأخذ ذلك البعد العالمي وربما لم يتفطن العالم إلى القاع الذي بلغته كولومبيا.

كانت تلك اللحظة التي لم يعد من الممكن بعدها احتمال مزيد من العنف. وضعت بوغوتا في صفها المزيد من الدعم الدولي لكي تقف على رجليها من جديد. انتزعت كرة القدم تماماً من أيدي العصابات، ولم يعد مهماً - حين تكون حياة كل الناس مهدّدة - إذا لم يحقق المنتخب نتائج مرضية. بسبب عامل السن، بدأ أداء أبرز اللاعبين يتراجع وهو ما تجسّد في مونديال 1998 في فرنسا حين خرج المنتخب الكولومبي من الدور الأول، ومع نهاية الجيل الذهبي لم يظهر لاعبون بالإشعاع نفسه، وبالابتكار والعفوية نفسيهما في اللعب، وبالحركات الجنونية. تقلصت قدرات فالديراما على اختراق دفاعات المنافسين بتمريرات غير متوقعة، وتعطلت مسيرة هيغيتا بسبب العقوبات السجنية. كانت نهاية كل ما برز من كولومبيا في عقد التسعينيات، الجميل منها والسيئ.

كولومبيا تغيّر طريقة اللعب

تبدّلت صورة كولومبيا بالتدريج، وظهر ذلك جليّاً على منتخبها. فبين أهم منجزين، وهما الترشح لكأس العالم 1990 وتنظيمها كوبا أميركا 2001 ثم إحرازها اللقب، كانت كولومبيا قد تغيّرت كثيراً. جاء جيل جديد، بلا نجوم تقريباً، أشهر لاعبيه المدافع إيفان كوردوبا الذي سجّل هدف الفوز بالبطولة أمام المكسيك، لتحقّق كولومبيا أول تتويج دولي. ولقد توفّرت عوامل كثيرة ساعدت البلاد على ذلك الإنجاز، وقلما تجتمع في دورة واحدة، فقد غاب المنتخب الأرجنتيني عن المشاركة لأسباب أمنية، وشاركت البرازيل بالصف الثاني من لاعبيها. بدت تلك الدورة تعبيراً صريحاً عن ترتيب البيت الكولوكمبي، فقد أخذت الدولة مسؤوليتها الكاملة تجاه المنتخب من ناحية التخطيط والدعم المالي، وحظيت البلاد بتسهيلات مختلف الأطراف لإنجاح الدورة تنظيمياً.

لم تعد كولومبيا كما كانت ترتسم من خلال منتخبها، بلاعبين خارجين عن المألوف، يأتون من الأحياء الفقيرة ومن الغابات ومن السجون فيلمعون بمهاراتهم. بات اللاعب الكولومبي يمرّ من مراحل تكوين الشبّان، ويجد أندية منضبطة تسييرياً، وقنوات للهجرة نحو أوروبا. وحين تقلص البُعد المتفرّد للاعبين ظهرت كولومبيا لأول مرة فريقاً متجانساً.

وكلما تقدمنا في الزمن أكثر وجدنا أن اللاعب الكولومبي قد اقترب أكثر من النموذج العالمي للاعبين، بعيداً جداً عن تلك الصورة العجائبية التي ارتسمت في الأذهان مع لاعبي جيل 1990، وصولاً إلى جيل حقق أفضل نتيجة في كأس العالم لكولومبيا، عام 2014، ببلوغ الربع النهائي، جيل راداميل فالكاو وخاميس رودريغيز. أصبحنا أمام لاعبين محترفين ومهذبين يعيش معظمهم في أوروبا وينعكس ذاك في طريقة لعب المنتخب وأدائه.

بين أهم منجزين كرويين في تاريخها؛  1990 و2001 كانت كولومبيا قد تغيّرت كثيراً

توافق هذ السنوات تغيير الدولة أيضاً لمقارباتها، ومنها طريقة تعاملها مع ملف المخدرات. خلال ولاية الرئيس خوان مانويل سانتوس (2010 -2018)، جرى تقليل العقوبات على الاستهلاك، والعمل على تطوير استعمالات القنب والكوكا في الصناعات الصيدلية، ومن ثمّ إدماجها في الدورة الاقتصادية الشرعية بدءاً من 2016 وهي السنة التي شهدت توقيع اتفاق مع الجماعة المتمردة الرئيسية، ونال سانتوس جائزة نوبل للسلام، في اعتراف دولي آخر بأن كولومبيا قد باتت بلداً جديداً. ورغم خيبة عدم التأهل إلى كأس العالم 2022 لم تهتزّ البلاد، كان السلام النسبي الذي تعيشه كولومبيا أثمن من أي إنجاز رياضي.

تواصلت سياسات احتواء زراعة القنّب في كولومبيا وصولاً إلى الرئيس الحالي غوستافو بيترو (منذ 2022)، والذي وجّه توجيهاً مباشراً أصابع الاتهام إلى أخطاء في السياسات التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة عصابات المخدرات، وكانت في الحقيقة غطاء للتدخل في الشأن الكولومبي، وذلك ما يعد إنتاج الفقر والفساد في كولومبيا، وليس تضخّم عصابات المخدرات إلا عرضاً للأداء نفسه.

ظهرت أيضاً تحرّكاتٌ باسم ثقافة الشعوب الأصلية في كولومبيا، والتي كانت تزرع الكوكا قبل أن تظهر الولايات المتحدة أصلاً، ولم تكن تلك النباتات قبل ظهور الجشع الرأسمالي في صورته المعولمة خلال القرن العشرين خطراً داهماً أو سماً يفتك بالمجتمعات. فالسؤال الأصلي هو: لماذا أصبحت كولومبيا من البداية مزرعة كبيرة للمخدرات؟ ألم يكن كل ذلك مساراً تحت سقف التاريخ الكولونيالي، ثم انتقل إلى عهدة الإمبريالية الأميركية. لم تكن الأمور لتذهب إلى المستنقع الذي وصلت إليه كولومبيا لو لم يُرتّب كلّ شيء كما هو عليه.

تشير هذه التحركات إلى وعي جديد يستشعر ما يُسلّط على المجتمعات من توجيه وتنميط في ظل عولمة تدهس كل ما في طريقها. فوراء حروب المخدرات أعيد تشكيل كولومبيا خلال بضعة عقود: ربحت بعض الترتيب وأضاعت أشياء أخرى. ينعكس ذلك في منتخبها الذي كان يراوح بين أفراح أسطورية وخيبات مُدمّرة، وبات اليوم منتخباً يشبه مختلف منتخبات العالم. لعل المكسب الأبرز أنه لم يعد يخفي مشكلات البلاد داخل انتصاراته. لم يعد مُخدّراً يُلقى للشعب كي ينسى همومه، أو على الأقل جرى تخفيف الجرعة إلى مستوى غير قاتل. ألم يكن ليحدث ذلك لولا أن غرقت هذه البقعة من الأرض لسنين في الدم والفوضى؟ أبهذه الأثمان تُضبط المجتمعات؟

المساهمون