قرّرت وزارة التربية اللبنانية إيقاف تعليم اللاجئين السوريين إلى حين حلّ أزمة التعليم الرسمي في ظلّ إضراب الأساتذة الشامل، في خطوة أضيفت إلى الضغوط التي يتعرّض لها اللاجئون لدفعهم للعودة إلى بلادهم، والتي تطاول المنظمات الدولية للحصول على مزيدٍ من الأموال والمساعدات.
وأعلن المدير العام لوزارة التربية في لبنان عماد الأشقر توقف الدروس بعد الظهر في المدارس الرسمية لغير اللبنانيين، وذلك عملاً بمبدأ المساواة في ظلّ الإضراب العام المنفذ من قبل أساتذة التعليم الرسمي والمهني.
محمد حسن: اللاجئين لا يزالون مفتاحاً مهمّاً لجميع القطاعات في لبنان للضغط على الدول المانحة لاستجرار التمويل اللازم
وقال الأشقر، الأربعاء، في تصريح من السرايا الحكومية: "إننا نستقبل جميع الناس وقلوبنا مفتوحة للجميع، لكن لا يجوز ألا يتعلّم أبناؤنا وأن يتعلّم أولاد غيرنا، ولذلك ستتوقف الدروس في مدارس بعد الظهر لغير اللبنانيين إلى حين التوصّل إلى حلّ لمسألة التعليم ما قبل الظهر".
وفي حين ترفض السلطات اللبنانية دمج التلامذة السوريين مع اللبنانيين في دوام قبل الظهر، فإنّ لبنان يتلقى دعماً كبيراً من الجهات المانحة الدولية لاستضافته اللاجئين على أراضيه، وللقطاع التعليمي حصّة وازنة من المساعدات المالية، سواء للأساتذة أو الأطفال اللبنانيين وغير اللبنانيين الأكثر ضعفاً والمدارس.
وتدعم منظمة "يونيسف" التعليم في لبنان، لا سيما الرسمي منه، وتقدم المنح للمدارس، والمساعدات الضرورية والتأهيلية، وخدمات الدعم التي تشمل الأطفال اللبنانيين وغير اللبنانيين في المدارس الحكومية، وتوفر الرسوم المدرسية للأكثر ضعفاً، كما تتكفل بدفع الرواتب لأساتذة الدوام المسائي للطلاب غير اللبنانيين، وذلك بمنحهم بدلاً عن كل ساعة تعليم.
في السياق، يقول محمد حسن، المدير التنفيذي لمركز "وصول" لحقوق الإنسان (ACHR)، لـ"العربي الجديد"، إن "اللاجئين لا يزالون مفتاحاً مهمّاً لجميع القطاعات في لبنان للضغط على الدول المانحة لاستجرار التمويل اللازم، على الرغم من أن حجّة ايقاف التعليم لفترة تعليم الطلاب السوريين غير مبررة، إذ إنّ كوادر المعلّمين يتلقون رواتبهم من خلال موازنة تُدفع من قبل منظمة يونيسف، ولا علاقة لاستقطاعات كادر المعلّمين الذين يتلقون رواتبهم من موازنة وزارة التربية اللبنانية الرئيسية".
ويضيف حسن: "بهذا، تؤكد السلطات اللبنانية منهج الضغط المباشر وغير المباشر على اللاجئين واستخدامهم كأوراق ضغط، وقد شهدنا سابقاً وبشكل متواصل انتهاكات تقوم بها وزارة التربية بوجه حق التعليم للطلبة السوريين، منها قرار صدر مطلع فبراير/شباط 2022، تلزم خلاله الجامعة اللبنانية الطلبة السوريين بالحصول على اقامة سارية المفعول ليتم تسجيلهم".
ويردف قائلاً: "أما عن وزارة التربية، فهي تزيد الصعوبات بشكل دوري، ما أثر على معدل عدد الطلاب السوريين في الجامعات اللبنانية، حيث تطلب وزارة التربية عدداً من الأوراق، منها الأوراق الثبوتية المصدقة من الطرفين السوري واللبناني وتصريح حركة دخول وخروج من دائرة الهجرة والجوازات السورية، التصريح الذي يتطلب تأكيد الدخول الشرعي والخروج من المعابر الحدودية في ظل وجود عدد هائل من اللاجئين الذين لا يستطيعون استصدار هذه الأوراق".
من جهتها، ترى رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الأساسي في لبنان، نسرين شاهين، أن وقف تعليم التلامذة السوريين يأتي بهدف ضغط الحكومة على المجتمع الدولي وابتزاز الجهات المانحة لدعم التعليم اللبناني والاستحصال على أموال إضافية لدفع مستحقاتنا، علماً أن هناك مبلغاً بقيمة 60 مليون دولار بعهدة الدولة لم تدفع بعد ولا نعرف كيفية صرفها.
وتشير شاهين، في حديثها مع "العربي الجديد"، إلى أن هناك تآمراً بين وزارة التربية وروابط التعليم، ويأخذون القطاع التعليمي رهينة، ويمارسون الابتزاز من بوابة أن العام الدراسي أصبح على شفير الانتهاء، مشيرة إلى أن هذه المرة الأساتذة قرروا الإضراب والتحرّك من تلقاء نفسهم، ومن ثم لحقتهم الروابط، وركبت الموجة، بعدما صعقت بحجم المشاركة والالتزام بالإضراب على مختلف الأراضي اللبنانية الذي فاق الـ70 في المائة.
الأساتذة يواصلون الإضراب في أسبوع الغضب
وتشدد شاهين على أن الأساتذة قرروا مواصلة اضرابهم في أسبوع الغضب ولا عودة عنه حتى تحقيق المطالب، سواء لناحية بدلات النقل التي لم تدفع بعد حتى القديم منها المتصل بالعام الماضي، رغم الوعود التي أعطيت، وأيضاً الحوافز التي لم تدفع، مشيرة إلى أنه منذ أكثر من عام والأساتذة لم يقبضوا الحوافز ولا المستحقات، والأساتذة المتعاقدون محرومون من أبسط حقوقهم، وهو ما لن نسمح به.
ورفض الأساتذة في المدارس الرسمية طرح وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي إعطاءهم مبلغ 5 دولارات على كل يوم عمل، معبّرين عن غضبهم الكبير من هذه الخطوة، التي وضعت بمثابة الإهانة لهم، الأمر الذي دفعه إلى التراجع عنها لكن من دون تقديم أي بديل.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استأنف لبنان تنفيذ خطة العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، التي بدأ الشروع بها عام 2017 وتوقفت خلال جائحة كورونا، وسط تحذيرات منظمات إنسانية ودولية من الترحيل القسري في وقتٍ لا تزال سورية تعتبر غير آمنة للعودة مع تسجيل انتهاكات جسيمة واضطهاد على يد النظام السوري.
وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أشار إلى أن "العدد الرسمي للاجئين السوريين في لبنان هو مليونان و80 ألف لاجئ، كما تمت إعادة 540 ألف لاجئ ضمن العودة الطوعية التي انطلقت عام 2017".
ويمارس لبنان في الفترة الأخيرة خطاباً عالي النبرة في ملف اللاجئين السوريين وبوجه المجتمع الدولي، لا سيما من قبل المسؤولين السياسيين في البلاد، فقد حذر الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، قبل خروجه من بعبدا، من مغبة إهمال المجتمع الدولي عموماً، والاتحاد الأوروبي خصوصاً، للمساعدة في تسهيل عودة اللاجئين، لا سيما أن لبنان لم يعد قادراً على تحمل الأعباء المترتبة عليه في رعاية شؤون النازحين الصحية والاجتماعية والتربوية والإنمائية.
كما لوّح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بـ"طرد" السوريين بالوسائل القانونية في حال عدم التعاون دولياً مع لبنان لإعادة اللاجئين إلى بلدهم، وقد وجه ميقاتي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، حذّر فيها من أن الوضع الصعب الذي يواجهه لبنان يقتضي مقاربة مختلفة نوعياً في التعاطي مع أزمة اللجوء السوري، قبل أن تتفاقم الأوضاع بشكل يخرج عن السيطرة.