الأماكن التي تُنسف فيها المباني أُخليت أصلاً
إسرائيل تريد خلق منطقة عازلة على الشريط الحدودي
يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها ولا سيما في جنوب لبنان وآخرها كان اليوم الاثنين، حيث فجر عدة مبانٍ في بلدات يارين ومروحين والضهيرة وأم التوت، وذلك على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويعمد جيش الاحتلال إلى نشر مقاطع فيديو تظهر لحظات تفخيخ مبانٍ وتفجيرها على الشريط الحدودي وتسويتها بالأرض، منها في بلدات العديسة وديرسريان ومحيبيب وميس الجبل وراميا وبليدا وعيتا الشعب وعيترون، علماً أنّ عملياته لم تقتصر على مربّعات سكنية بل طاولت مساجد في يارون والضهيرة حتى إنّ المدافن لم تسلم منها.
مشاهد من لحظة نسف الجيش الإسرائيلي لمبان في قرية العديسة جنوبي #لبنان pic.twitter.com/XF4ujkhg5m
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) October 27, 2024
ويوسّع الاحتلال من تفخيخ المناطق الجنوبية في لبنان بالتزامن مع تصعيدٍ كبيرٍ تشهده المواجهات بينه وبين حزب الله والخسائر الكبيرة التي يُمنى بها "برياً" وصليات الصواريخ التي تصل إلى العمق الإسرائيلي، ونفذ حزب الله يوم الجمعة الماضي 48 عملية عسكرية في أعلى رقم منذ بدء الحرب، كما استهدف اليوم شركة يوديفات للصناعات العسكرية جنوب شرق عكا، وتطاول صواريخ حزب الله مستوطنات في الشمال بعد إصداره تحذيراتٍ إلى السكان بضرورة إخلائها.
ويضع خبراء عسكريون هذه الاستراتيجية الإسرائيلية في إطار تدمير كل المعالم الجنوبية، سواء السكنية أو التراثية أو ذات الطابع التاريخي وحتى الأسواق لجعل المدن غير قابلة للسكن على المدى البعيد وليس فقط القريب، خصوصاً لما تحدثه هذه التفجيرات من ارتجاجات بالأرض، وهو ما حذّر منه الباحث في علم الزلازل طوني نمر، بقوله إن "ما حصل في العديسة من تفجيرات متتالية ومهولة فعّلت أجهزة رصد الهزات الأرضية في الشمال الإسرائيلي هو بمثابة العبث مع مقدرات الطبيعة إلى الشمال من منخفض الحولا حيث ينفصل فالق البحر الميت إلى فالقي اليمونة وروم".
1/2
— Tony S. Nemer, PhD (@tony_nemer) October 26, 2024
بعيداً عن السياسة وضجيج الحرب القائمة على لبنان، ما حصل اليوم في العديسة من تفجيرات متتالية ومهولة فعّلت أجهزة رصد الهزات الأرضية في "الشمال الاسرائيلي" هو بمثابة العبث مع مقدرات الطبيعة الى الشمال من منخفض الحولا حيث ينفصل فالق البحر الميت الى فالقي اليمونة وروم
حرب نفسية وخسائر برية وراء سياسة التدمير في جنوب لبنان
ويضع الخبراء هذه السياسة في إطار الحرب النفسية التي يعتمدها الاحتلال خصوصاً على بيئة حزب الله الشعبية الذين من الصعب أن يشاهدوا مبانيهم وذكرياتهم تدمر بهذه الطريقة. ويقول العميد المتقاعد أكرم سريوي لـ"العربي الجديد" إن "الأماكن التي يتم فيها نسف المباني وتسويتها بالأرض قد تم أصلاً إخلاؤها ولا وجود لعناصر حزب الله فيها"، مشيراً إلى أن "الإسرائيلي يزعم أن هناك أنفاقاً يقوم بتفجيرها لكن هو يريد خلق منطقة على الشريط الحدودي تكون عازلة، بشكل لا تسمح لعناصر حزب الله من الاقتراب، لكن أكثر من ذلك فإنّ الهدف الأساسي وراء هذه السياسة هو شنّ حرب نفسية من خلال الضغط على السكان وزعزعة البيئة الحاضنة للمقاومة".
ويضيف سريوي أن "الإسرائيلي استنفد الأهداف العسكرية كلّها، وحتى تلك الاستخبارية، إذ لم يبق هناك أهداف مهمة لضربها عند حزب الله، فالحزب بالأساس لا يملك ثكنات ومراكز ظاهرة ومعروفة، إذ تعتمد المقاومة دائماً على مبدأ السرية والتخفي ومراكزها خفية، ومن هنا فإنّ الأهداف التي يعرفها الإسرائيلي قام بضربها، الأمر الذي يجعله يسلك طرقاً أخرى للضغط منها قصف المدنيين وتدمير الحجر بهدف زعزعة ثقة البيئة الحاضنة للمقاومة في حزب الله، وجعل اللبنانيين يشعرون بأن الحزب يتحمّل مسؤولية كلّ ما يلحق بهم من أذى وخسائر ودمار".
ويشير سريوي، وهو خبيرٌ في أسلحة الدمار الشامل، إلى أن "من أسباب لجوء الاحتلال إلى هذه الخطة أيضاً ما يحصل على الحافة الأمامية أو الحدود، حيث حاول الإسرائيلي التقدّم، وحشد خمس فرق، مع العلم أن لا أحد يحشد هذا العدد من أجل الاستعراض العسكري، بل هو دليلٌ على نية إسرائيلية حقيقية باجتياح بري واسع لا اجتياح محدود كما تقول، وعلى الأقل كان الإسرائيلي يريد الوصول إلى مجرى نهر الليطاني، لكنه واجه مقاومة شرسة ألحقت به خسائر كبيرة".
ويردف الخبير العسكري اللبناني أنّ "الإسرائيلي حاول أن يعتمد على وحدات النخبة، لكنها أصلاً مخصصة لعمليات خاصة، منها نصب كمائن والتسلل وضرب أو احتلال مركز قيادي وغير ذلك، لكنها ليست مخصصة لعملية اجتياح واسع، الذي يلقى على عاتق سلاحي المدرّعات والمشاة المؤلّلة، ومشكلة هذين السلاحين الإسرائيليين أنه عند محاولة التقدم داخل جنوب لبنان كان هناك في المقابل سلاح متطور من الصواريخ المضادة للدبابات والدروع لدى المقاومة مثل كورنيت وألماس 1 و2، بمدى يصل إلى 10 كم وقادرة على تدمير الدبابات من مسافات بعيدة، فدمّر تقريباً حتى الآن معظم الدبابات التي دخلت الأراضي اللبناني وحتى تلك التي كانت على الحافة الأمامية وبعضها قبل أن تدخل الأراضي اللبنانية ما منع الإسرائيلي بالدفع بوحدات مدرّعة ومشاة مؤللة كبرى وأبطأ بالتالي الهجوم الإسرائيلي".
تبعاً لذلك يقول الخبير العسكري إننا منذ شهر تقريباً لم نرَ إلا توغلاً بسيطاً لوحدات النخبة الإسرائيلية في محاور محدودة خصوصاً في القطاع الأوسط، العديسة، عيتا الشعب واللبونة، وقد بدأ العدو يتحدث الآن عن إنهاء العمليات البرية خلال أسبوع أو أسبوعين، وهذا الحديث العسكري الإسرائيلي هو تمهيدٌ لوقف الحرب البرية لأن الإسرائيلي يتكبّد يومياً خسائر كبيرة سواء بشرية أو مادية، وكل يوم نسمع في الإعلام الإسرائيلي عبارة ملطفة عن "يوم صعب في الشمال"، لكنه في الحقيقة كارثي على الإسرائيلي الأمر الذي يجعله يعيد حساباته برياً.
ويلفت إلى أن "هذا لا يعني أن العدو ذاهبٌ باتجاه وقف الحرب، لكن قد يعود للضغط أكثر بواسطة سلاح الطيران أي القصف والتدمير على الأراضي اللبنانية، فهذا السلاح يلحق أضراراً بلبنان من دون أن يلحق ضرراً كبيراً بالإسرائيلي، ومن شأنه أن يلجأ إليه بكثافة للضغط على لبنان للقبول بشروط إسرائيل لوقف إطلاق النار التي تشبه شروط الاستسلام".
في المقابل، يتوقف العميد المتقاعد أكرم سريوي عند قدرة المقاومة على إرسال المسيّرات والصواريخ إلى العمق الإسرائيلي وصولاً إلى حيفا وتل أبيب وحتى قيساريا مقرّ إقامة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي هُجِّر منه في وقتٍ هو يسعى لإعادة المهجرين إلى الشمال، عدا عن أن هناك عدداً كبيراً من المستوطنين أصبحوا مهدّدين بالتهجير، إذ أصدر حزب الله إنذاراً إلى 25 مستوطنة بالإخلاء وهذا يضغط طبعاً على الإسرائيلي، "من هنا قد نكون قريبين من عملية لوقف إطلاق النار يسعى إليها الأميركي خصوصاً قبيل الانتخابات الرئاسية، ولكن لا شيء محسوماً، خصوصاً أن الإشارات تدل على أن نتنياهو يريد الاستمرار بالحرب ولا يمكنه إيقافها لأنه لا يستطيع فعل ذلك من دون تحقيق إنجازات كبرى وهذه لا تزال بعيدة، ما يبقي الميدان مفتوحاً على جميع الاحتمالات".