نساء من قبائل باكستان يطالبن بكشف مصير ضحايا الإخفاء القسري

07 نوفمبر 2024
باكستانيات من البشتون يطالبنَ بمعرفة مصير مفقوديهنّ (رضوان تاباسوم/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من كلّ العقبات والتهديدات التي تواجهها نساء القبائل في باكستان، تحدّينَ الأمر الواقع وصرنَ يخرجنَ إلى الشارع ويرفعنَ أصواتهنّ للمطالبة بمعرفة مصير أفراد من عائلاتهنّ وقعوا ضحية الإخفاء القسري الذي يتورّط به الجيش والاستخبارات. وكان حضور النساء لافتاً خلال اجتماع قبائل البشتون في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في إقليم خيبر بختونخوا القبلي الذي يقع في شمال غرب البلاد بمحاذاة الحدود مع أفغانستان، والذي استمرّ لثلاثة أيام، ومن أبرز القضايا التي طُرحت خلاله قضية المخفيين قسراً على يد الجيش والاستخبارات.

ويُعَدّ الإخفاء القسري جريمة بموجب القانون الدولي، في وقت ينفي فيه المعنيون احتجاز فرد أو يرفضون تقديم معلومات بشأن مصيره أو مكان وجوده. جاء ذلك في تقرير سابق أعدّته منظمة العفو الدولية حول المخفيين قسراً في باكستان، تحت عنوان "الأشباح الحيّة". وفيه، أوضحت المنظمة أنّ الإخفاء القسري لا ينتهك حقوق الإنسان للأفراد المخفيين فقط، بل يؤثّر كذلك على الصحة النفسية والبدنية لأفراد عائلات هؤلاء ووضعها المالي، فضلاً عن تسببه بوصمة عار وبالتالي عزلة اجتماعية.
في هذا الإطار، قال زعيم "حركة حماية البشتون" منظور بشتين، في كلمة له في اجتماع 11 أكتوبر، أنّ قبائل البشتون ضحايا الحروب التي شنّتها القوات شبه العسكرية، وأنّه بالإضافة إلى مقتل 80 ألفاً من أبناء القبائل فقد أُخفي قسراً ستة آلاف و700 منهم، موضحاً أنّ هذه ليست الأرقام الدقيقة إنّما تلك التي جرى التأكد منها.
وأشار بشتين إلى أنّ النساء يقصدنَ اللجنة الخاصة المعنية بشؤون المخفيّين قسراً لدى "حركة حماية البشتون"، ومنهنّ من يبلغنَ عن أزواج أو إخوة فُقدوا قبل سنوات، وهنّ لا يدرينَ إن كانوا على قيد الحياة أم لا. وتحدّث عن أنّ امرأة تنتظر زوجها منذ تسع سنوات، بعدما داهم الجيش المنزل واصطحبه بحجّة التحقيق معه لدقائق ليُصار لاحقاً إلى الإفراج عنه. لكنّ تلك الدقائق تحوّلت إلى سنوات تسع، وقد بدت المرأة كأنّها في الستينيات من عمرها على الرغم من أنّها لم تبلغ الثلاثين بعد، وذلك بسبب المعاناة التي تعيشها مع أولادها الثلاثة. أضاف بشتين أنّ أحداً لا يعرف ذنب هؤلاء المخفيّين قسراً، فيما الجهات المتورّطة لا توفّر أيّ معلومات بشأن هؤلاء المساكين.

نساء من البشتون في تظاهرة - باكستان - مجتمع
باكستانيات يُشاركنَ في تحرّك من أجل المخفيين قسراً في كراتشي (صابر مظهر/الأناضول)

وكانت حكومة إسلام أباد قد حاولت منع المشاركة في الاجتماع القبلي المذكور، الذي جمع بحسب بيانات "حركة حماية البشتون" نحو مليون من أبناء القبائل البشتونية. ومن تلك المحاولات إطلاق عناصر الأمن النار، الأمر الذي أدّى إلى مقتل خمسة من المشاركين في الاجتماع وإصابة 13 آخرين بجروح. ومن مطالب الاجتماع أن تفرج الحكومة الباكستانية فوراً عن كلّ المخفيّين قسراً، مع تعهّد الحركة بمتابعة ملفات هؤلاء في المحاكم المحلية ورفع هذه القضية أمام المحاكم الدولية.
وبينما يرحّب أفراد عائلات المخفيّين قسراً بنتائج الإجتماع وباهتمام القبائل اجتماعياً بهذا الملف، فإنّهم يرون أنّ لا جدوى من متابعة قضايا الإخفاء القسري في المحاكم الباكستانية، إذ إنّ الجيش والاستخبارات العسكرية هما الجهتان اللتان ترتكبان الإخفاء القسري والمحاكم غير قادرة على مواجهتهما.
في سياق متصل، تقول وجيهة خان، التي أُخفي زوجها قسراً على يد الجيش قبل أربع سنوات من إقليم وادي سوات شمال غربي البلاد، لـ"العربي الجديد" إنّ "السنوات الأربع التي عشتها مع أولادي كانت من أصعب فترات حياتي، وكلّ ذلك بسبب الجيش الذي يدّعي أنّ ما يقوم به هو من أجل حماية الشعب". تضيف وجيهه أنّه "لم يكن لزوجي ذنب بأيّ شيء، باستثناء أنّه كان ينتقد دور الجيش في بعض المجالس، ويشير إلى أنّ منطقة القبائل لم تعد آمنة بعدما دخل إليها الجيش"، وتؤكد أنّ "هذه هي الحقيقة. كنّا بالفعل نعيش في أمان قبل ذلك، وكان لنا نظام قبلي أفضل بألف مرّة ممّا يقدّمه الجيش والحكومة".
وتوضح المرأة البشتونية: "قصدت كلّ المحاكم وأنفقت كلّ ما كنت أملك من مال. كذلك بعت الذهب الذي أهداني إياه والدي عند زواجي، وكنت آمل كلّ يوم وكلّ أسبوع أن يُفرَج عن زوجي فيعود إلى المنزل. لكن للأسف، لم يحصل هذا". وتتابع: "لم يعد لديّ أمل، في الوقت الراهن، إلا بالحراك القبلي، وتحديداً ما تقوم به حركة حماية البشتون". وتسأل وجيهة: "لو كان لزوجي أيّ ذنب، لماذا لا يفصح الجيش والإستخبارات عن ذلك علناً فيمثل أمام المحكمة؟".
بدورها، شاركت كريمة بيبي، البالغة من العمر 62 عاماً، في اجتماع 11 أكتوبر. وقد أتت من إقليم شمال وزيرستان القبلي، شمال غربي باكستان، لترفع قضية ابنها محمد يوسف البالغ من العمر 22 عاماً الذي اعتقله الجيش قبل ثلاث سنوات من المسجد، بحضور كلّ أبناء القرية، متّهماً إياه بـ"علاقات مع الحركات الجهادية". ولا تخفي كريمة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّها طرقت كلّ أبواب المحاكم والمؤسسات الإنسانية بلا جدوى. وتقول: "أشارك في كلّ اجتماع يُعنى بملف المخفيّين قسراً، مع معرفتي أنّ ابني في قبضة الجيش الذي لا يستطيع أحد مواجهته"، مشيرةً إلى أنّه "لا رحمة لدى الجيش وهو لا يرفق بالشعب، إنّما يمارس الظلم بحقّه، وبحقّ أبناء القبائل تحديداً". وتشدّد كريمة على أنّ "ابني كان طالباً جامعياً من دون أيّ انتماء إلى أيّ جماعة مسلحة، لكنّ الجيش اختطفه بتهمة الانتماء إلى جماعات مسلحة. وأنا أناشد المجتمع الدولي الوقوف إلى جانبنا. فنحن فقراء وضعفاء، لا نملك شيئاً، ولا حتى قوة في مواجهة الجيش".

وفي تعليق ذي صلة بهذه القضية، تقول الناشطة الباكستانية رحيله افريدي لـ"العربي الجديد" إنّ "حضور النساء في الاجتماع القبلي (المذكور) كان ضعيفاً مقارنة بحضور الرجال، ولعلّ ذلك يعود إلى الأعراف السائدة. جلّ النساء الحاضرات كنّ قريبات مخفيّين قسراً، وكانت أحوال هؤلاء المسكينات يرثى لها". تضيف: "لكنّ الجيش والحكومة لا ينصتان إلى أحد، من هنا نطلب من المجتمع الدولي التحرّك في هذا السياق"، لافتةً إلى أنّ "أملنا في الوقت الراهن هو بحركة حماية البشتون وبالحراك القائم حالياً. كذلك نطلب من القبائل السماح للنساء بالمشاركة في مثل هذه الفعاليات" للكشف عن مصير المخفيّين قسراً، حتى نتمكّن من ممارسة الضغط أكثر على الحكومة والجيش".

المساهمون