استمع إلى الملخص
- **تأثير العدوان الإسرائيلي على الأطفال:** العدوان الإسرائيلي أدى إلى نزوح أكثر من 102 ألف شخص، بينهم 30 ألف طفل، مما أثر على الخدمات الأساسية. مؤسسة "شيلد" تركز على مراكز الإيواء وتقدم أنشطة لتحسين تفاعل الأطفال وتخفيف الضغوط النفسية.
- **قصص الأطفال وتجاربهم:** يعبر الأطفال النازحون عن سعادتهم بالأنشطة التي تنظمها مؤسسة "شيلد"، مثل كرة القدم وتكوين صداقات جديدة، مما يساعدهم على التكيف مع واقعهم الجديد وتخفيف الضغوط النفسية.
يساهم الدعم النفسي والأنشطة الترفيهية التي تقيمها جمعيات للأطفال النازحين في جنوب لبنان في تخفيف الضغوط، رغم اشتياقهم إلى بيوتهم وقراهم.
لعبت الجمعيات والمؤسسات المحلية دوراً فعّالاً في تأمين الدعم النفسي للأطفال النازحين من القرى الحدودية، جنوبي لبنان، من خلال تنظيم نشاطات ترفيهية متنوعة في محاولة للتخفيف من وطأة التغيير الجذري الذي طرأ على حياة هؤلاء، من تركهم لمنازلهم ومدارسهم، وخسارتهم لأصدقائهم وعاداتهم الصيفية، ويومياتهم التي توثقها ساحات البلدات وشوارعها ودكاكينها.
وأسفر العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان عن استشهاد أكثر من 540 شخصاً، ونزوح ما يزيد عن 102 ألف شخص، بينهم ما لا يقل عن 30 ألف طفل اضطرّوا إلى ترك منازلهم، ما أثر على الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها الأطفال والأسر، وتعليم حوالي 20 ألف طفل، بحسب ما ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في تقارير سابقة.
ومن المبادرات التي لم تتوقف منذ بدء الاشتباكات على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحتى اليوم، تلك التي أطلقتها مؤسسة "شيلد"، وتقوم على تقديم الدعم الاجتماعي والنفسي للأطفال، وتنظيم نشاطات متنوعة تمنحهم طاقة إيجابية في ظلّ الضغوط الكبيرة التي يعانون منها والتغييرات التي طرأت على حياتهم نتيجة العدوان.
وتأسست "شيلد" عام 2010، وتعنى بالتدخل الاجتماعي والإنساني والاقتصادي للتنمية المحلية، وتستهدف جميع الفئات والمناطق في ظل الأزمات وحالات الطوارئ. وفي مدينة صور، جنوبي لبنان، حيث مراكز إيواء أنشئت للنازحين. وكانت لـ"العربي الجديد" جولة مع مديرة المؤسسة وناشطين فيها، للتعرف إلى النشاطات التي يمارسونها سواء في ملعب المدرسة، أو في ملاعب قريبة جداً من المكان حفاظاً على سلامتهم، يقصدونها بواسطة حافلة لا تغيب عنها أجواء الغناء والفرح والضحك والاستمتاع.
وتقول مديرة البرامج في مؤسسة "شيلد" إيفا حمصي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "النشاطات بدأت منذ الأسبوع الأول لاندلاع الاشتباكات، وشملت مناطق عدة، منها صور والنبطية وقرى الشريط الحدودي، بما في ذلك بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا والريحان". وتلفت حمصي إلى أنّ "التركيز أكثر هو على مراكز الإيواء، وهدفنا الأساسي الاستدامة، إذ ظهرت نشاطات كثيرة ومبادرات عدّة في هذه الفترة لكن من دون أن تستمرّ، لذلك نحرص على متابعة التواصل مع الأطفال وعدم تركهم".
وتشير حمصي إلى أنّ "هناك نحو 150 طفلاً في مراكز إيواء صور، ومبادرتنا ترتكز على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، إلى جانب استهدافهم بنشاطات مختلفة وملموسة، بهدف ضمان تفاعل أفضل معها من قبل الأطفال وفي ما بينهم، منها الرياضة والفن والتعبير المسرحي والموسيقى والغناء والرسم وتعلم العزف على الآلات الموسيقية، حتى شك الخرز مثلاً للفتيات".
وتشدد حمصي على أهمية هذه النشاطات بدلاً من إعطائهم النصائح النفسية فقط للسيطرة على حالة الغضب والضغوط وتفريغ الطاقة السلبية". تضيف "يجب أن نكون واقعيين، إذ لا يمكن تغيير واقع الأطفال، فهؤلاء تركوا منازلهم وجاؤوا إلى هنا من مناطق مختلفة ويعيشون في ظروف لا تشبه تلك التي عاشوها في بيوتهم وقراهم. ومهما تعدّدت النشاطات التي نقيمها، لن تمحو المعاناة اليومية وتأثيراتها عليهم، لكن يمكن لهذه النشاطات أن تغيّر من سلوكياتهم اليومية والتحكّم بالغضب لديهم، وتجعلهم يرفّهون أقلّه عن أنفسهم، وبالتالي قد تغيّر بنسبة 50% نفسيّات الأطفال من دون أن ننسى أنّ هذه النشاطات تحصل داخل المراكز، وعدم الخروج له بدوره تأثيراته، بيد أنه لا يمكننا على مسؤوليتنا وفي الظروف الراهنة أخذهم إلى أماكن بعيدة".
وتلفت حمصي إلى أنّ "نسبة قليلة من الأولاد تمكنت من الالتحاق بمدارس، بينما بقي العديد منهم من دون تعليم خلال العام الماضي، في ظل عوامل وظروف عدة منها عدم تمكن الأهل من إحضار أوراق أولادهم معهم أو إفادات من مدارسهم. وهناك أعداد كبيرة أيضاً لم تستوعبهم المدارس ما شكل عائقاً كبيراً في هذا الإطار".
علي (12 عاماً)، من بيت ليف الجنوبية، ترك وعائلته المنزل منذ نحو عشرة أشهر، إذ إنّ بلدته تشهد قصفاً عنيفاً ومتواصلاً من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، أسفر عن دمار كبير وسقوط شهداء. ويعرب علي عن سعادته بالنشاطات التي تقيمها مؤسسة "شيلد"، ولا يخفي حبّه الكبير للعبة كرة القدم التي يمارسها مع أصدقائه في المركز، ويشعر بفرحة كبيرة عند لمس الكرة والركض على أرض الملعب.
من جهته، يقول حسين، وهو أيضاً من بلدة بيت ليف، إنّه قصد وعائلته المركز منذ عشرة أشهر، معرباً عن سعادته بالنشاطات التي تقيمها المؤسسة، والتي تجعله يرفّه كثيراً عن نفسه، وخصوصاً أن هناك أطفالاً من عمره يلعب معهم. يعشق كرة القدم كونها من أجمل النشاطات، وفق تعبيره، بل تمثل النشاط الوحيد الذي يمارسه خلال يومه، ولا يردعه عنه شيء حتى أصوات القصف وجدار الصوت التي اعتاد عليها ولم يعد يخشاها.
تمكّن حسين من تكوين عشرة أصدقاء في المركز، يحبهم ويلعب معهم، لكنه لا يخفي اشتياقه لمنزله في بيت ليف ورفاق البلدة والمدرسة، ويقول: "اشتقت للعب في الساحة، وركوب الدراجة الهوائية، ولعب كرة القدم مع أصدقائي. اشتقت إلى بيتي".
حسين، الذي كان يمضي يومياته باللعب مع أصدقائه في القرية وعلى الدراجة الهوائية وعلى الهاتف لبعض الوقت، اشتاق لرفاقه على مقاعد الدراسة، لكن منذ نزوحه، لم يرَ أحداً منهم أو يتحدّث إليهم.
أما ذو الفقار (11 عاماً)، من طيرحرفا الجنوبية، فنزح مع عائلته منذ نحو تسعة أشهر إلى مدينة صور، بعدما طاول قصف الاحتلال بلدته، ما شكّل خطراً كبيراً على حياتهم، ويعرب عن استمتاعه بالنشاطات التي تقيمها المؤسسة. يمضي يومه باللعب على الهاتف، ثم النزول إلى الساحة ولعب كرة القدم، النشاط الأحب إلى قلبه، مع أصدقائه. بات لديه عشرة رفاق يحبّهم، لكنه في الوقت نفسه يشتاق لأصدقائه في طيرحرفا، ويعرب عن اشتياقه لمنزل القرية ثم يقول: "هنا أجمل. أحبّ بحر صور"، هو الذي كان يقصد شاطئ الناقورة قبل الاشتباكات.