على مدى أكثر من قرن، ترتفع أصوات الذاكرين يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، في حضرة "السفين" الصوفية التي يقيمها النوبيون، جنوبي مصر.
بدأ هذا التقليد قبل هجرة النوبيين، إذ كانت تقام حضرة "السفين" في ساحة السيد محمد عثمان الميرغني، بقرية الجنينة والشباك القديمة الواقعة آنذاك بالقرب من السد العالي، والذي تسبب بفيضانات في عشرات القرى، فاضطر النوبيون إلى مغادرة المكان بين العامين 1961 و1964.
وانتقلت قرى النوبة القديمة إلى هضبة كوم أمبو، بمحافظة أسوان، بالأسماء نفسها، ويبلغ عددها الآن 45 قرية.
يهتم النوبيون بالطرق الصوفية، ويقبل أغلبهم على المشاركة في حضرة "السفين" وحلقات التصوف، رجالاً ونساء، والتي كانت تقام أسبوعياً قبل جائحة كورونا.
والسفين، هي كلمة نوبية تعني "المديح" ويقصد بها القصائد التي تقال في الحضرة، وفقاً لما أوضحه مرسي صالح الشيخ، أحد مريدي الطريقة الميرغنية الختمية، مشيراً إلى أنهم ورثوا هذا الاسم "السفين" عن آبائهم وأجدادهم.
ويقول مرسي، إنّ كلمة الحضرة، متأتية من الذكر أو الإنشاد لقصائد الصوفية الكبار، والتي يتم الاعتماد عليها في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.
تبدأ طقوس السفين، بحسب مرسي، بقراءة الفواتح للنبي، يعقبها فاتحة لشيخ الطريقة، ثم يبدأ الابتهال، وبعد ذلك، يبدأ الجميع بترديد الشهادة، بأسلوب متميز، وبصوت واحد يرمز إلى وحدة الصف، يعقبه إلقاء القصائد ثم الجلوس وختام الحضرة التي تستغرق نحو ساعة ونصف.
ويوضح مرسي، أنّ الحضرة تعني للصوفي الاقتراب من الله ورسوله، بل وتغرس في النفس روح الطمأنينة والسلام، ومخافة الله تعالى وحده، لذا تعد للنوبيين رمزاً للتآلف والترابط والمحبة.
يذكر أنّ النوبيين ينحدرون من عشائر كانت تقطن المنطقة الممتدة على ضفتي نهر النيل في أقصى جنوب مصر وشمال السودان، وقد مرّ على تهجيرهم أكثر من نصف قرن، لكنهم مازالوا متمسكين بالحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم.