- "تكية فكة ريق" مثال للجهود الإنسانية، حيث قدم وجبات غذائية، ملابس، ودعم طبي للمتضررين، معتمدًا على الدعم الواسع من السودانيين داخليًا وخارجيًا، مما يعكس الروح الجماعية والتكافل.
- مبادرات مثل "أمل" تركز على الدعم النفسي وتنمية القدرات للمتأثرين بالحرب، خاصة النساء والأطفال، تعكس الإصرار على تجاوز الأزمة وبناء مستقبل أفضل، مع الأمل في استعادة السلام والاستقرار بالسودان.
زادت حرب السودان عدد المحتاجين الذين وقعوا ضحايا للظروف السيئة وواقع خسارتهم ممتلكاتهم وأعمالهم واضطرارهم إلى النزوح.
يسطع أكثر من ضوء في نفق الحرب السودانية، ومنها المبادرات الإنسانية المتعددة لتوفير الغذاء والدواء والكساء للمتضررين. ونفذت مبادرات مطابخ جماعية انتشرت في معظم أحياء العاصمة الخرطوم، ووفرت وجبات مجانية لمن تبقى من سكان الأحياء الذين عجزوا عن مغادرة منازلهم، أو لسكان في مناطق لم تتأثر كثيراً بالحرب أو عاد لها الأمان، لكنهم لم يستطيعوا شراء أبسط احتياجاتهم خصوصاً إذا كانوا نازحين فقدوا كل مدخراتهم.
ووصل إلى 300 عدد المطابخ في الخرطوم، قبل أن يتراجع أخيراً إلى نحو 200 بسبب قلة الدعم المالي خصوصاً بعد انقطاع شبكة الاتصالات الهاتفية التي كانت تستخدم تطبيقات مصرية للحصول على أموال من متبرعين.
في منطقة الحتانة شمالي مدينة أم درمان يتوزع عدد من المطابخ الجماعية التي تشرف عليها منظمات طوعية وأخرى للمجتمع المدني، لإطعام آلاف الأشخاص من السكان المحليين، أو من النازحين من أحياء أخرى بالخرطوم، أو من ولايات طاولتها الحرب.
بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب، أنشأت منظمة محلية مشروع "تكية فكة ريق" الذي وفر وجبات غذائية لمئات من الأسر، ومنح بعضهم أماكن إيواء في معسكرات خاصة، ومنح مساعدات أدوية وكساء لهم في ظل ظروف الحرب الصعبة التي أثّرت على كل القطاعات الخدماتية، ورفعت أسعار السلع الغذائية في شكل غير مسبوق.
وفي الأسابيع الأخيرة، أعلنت منظمات دولية أن خمسة ملايين سوداني يحتاجون إلى مساعدات غذائية، وأن ملايين من الأطفال مهددون بالإصابة بأمراض ناتجة من سوء التغذية.
يراهن عثمان الجندي، الناشط في المجال الإنساني الذي يقود مبادرة مشروع "تكية فكة ريق"، على الجهود الإنسانية التي يبذلها خيرون لتخفيف الأعباء على المتضررين من الحرب. ويقول لـ"العربي الجديد": مشروع تكية فكة ريق مستمد من الإرث السوداني الذي يظل موجوداً في أماكن عدة ومدارس تعليم القرآن الكريم، ونفذناه بهذا الاسم تحديداً بعد اندلاع الحرب الحالية التي أجبرت عدداً من السودانيين الذين يمكثون في أحياء تأثرت بالحرب في العاصمة الخرطوم أو ولايات أخرى، على اللجوء إلى منطقة الحتانة شمال أم درمان. وبدأ مشروع التكية بتوفير الغذاء، ثم جرى تطويره وشمل الكساء والدواء. وفي مجال الغذاء، قدم المشروع وجبات إلى أكثر من 300 أسرة، وأربع دور إيواء في مناطق الحتانة والمنارة والواحات، أما في مجال الكساء فوزع المشروع خلال عيد الفطر الأخير ملابس للأطفال".
يضيف: "سيُنظم المشروع عيادات مجانية خلال الأيام المقبلة في مجال طب العيون ويدعم إجراء عمليات جراحية عبر إرسال نحو 70 مريضاً إلى مدينة عطبرة شمال السودان. ويتضمن المشروع أيضاً برنامج العافية ليك لتوفير الأدوية مجاناً للمرضى، خاصة لأصحاب الأمراض المزمنة".
ويؤكد الجندي أن "الشعب السوداني في الداخل والخارج هو أبرز داعمي مشروع تكية فكة ريق. ورغم أن الشعب السوداني فقد الكثير من موارده وممتلكاته أثناء الحرب، لكنه يحتفظ بكرمه وجوده ودعمه لكل المبادرات الخيرية". ويشير إلى أن السودانيين الذين يعملون في الخارج كانوا سنداً كبيراً لمشروع "تكية فكة ريق"، خاصة أولئك في كندا الذين تبنوا كلياً الصرف على دار لإيواء فتيات فقدن السند بعد نقلهن من منطقة أم درمان القديمة إلى شمال المدينة، كما يعتبر الجيش وحكومة ولاية الخرطوم وجهاز المخابرات وشركات الاتصال، من الجهات الداعمة".
وتجتهد مبادرة "أمل" لتقديم خدمات دعم نفسي لكل أفراد الأسر كي يتجاوزوا الآثار النفسية للحرب. تقول منى محمد حسين، إحدى ناشطات المبادرة، لـ"العربي الجديد": "نسعى إلى زراعة الأمل في نفوس كل من حولنا، وتحقيق نوع من الاستقرار النفسي لهم، كي يستطيعوا أن يعملوا وينتجوا، وجهدنا ينصب على تقديم الدعم النفسي والتدريب في مجال التنمية البشرية، وتنمية القدرات والمهارات، كي تتاح لكل أسرة منعتها الحرب من العمل، فرصة امتلاك مشروعها الخاص في المستقبل.
تضيف حسين: "الفئات الأكثر استهدافاً بالتداعيات السلبية للحرب هي النساء والأطفال والشباب. وسندرب في مرحلة أولى النساء على تنفيذ أعمال صغيرة، وعلى كيفية التعامل مع الأطفال أثناء الحرب، فيما سيركز العمل مع الأطفال على مساعدتهم نفسياً لتجاوز آثار الحرب وكيفية تجنب سلوكياتها السلبية. أما بالنسبة إلى الشباب فنرغب في دفعهم أكثر لمصلحة الأحياء، والمشاركة في كل أعمال الخير، وخدمة الأسر المحتاجة في مختلف المجالات".
ويبدي مزمل جمال، أحد المتطوعين في مشروع "تكية فكة ريق"، سعادته بالمشاركة في تجهيز وتقديم وجبات طعام للأمهات والأخوات والأهل الذين تشردوا من ديارهم إلى منطقة الحتانة، ويقول لـ"العربي الجديد": "نمنح كل شخص وجبة طعام ويذهب ليشاركها مع أسرته، ونأمل في أن تتوقف الحرب، ويعم السلام ربوع السودان ويعود الجميع إلى منازلهم".
وتقول هاجر عثمان نور الله التي استفادت من مبادرات مشروع "تكية فك ريق" لـ"العربي الجديد": "قدمت من أمبدة إلى الحتانة بسبب المعارك العنيفة الدائرة، وأنا أحضر باستمرار للحصول على وجبة لي ولأسرتي، علماً أن الأسر لا تأتي من الحتانة فقط بل من مناطق أخرى للحصول على طعام". وتشيد بالجهد الذي يبذله القائمون على المبادرة، وطالبت بإضافة خبز إلى الوجبات التي تقدم.
ويحكي شول دينق عن معاناته مع الحرب، ويخبر "العربي الجديد" أن "قوات الدعم السريع أجبرتهم على مغادرة مناطقهم، وهددت بقتل من لا يفعل ذلك. وقد وفدوا إلى منطقة الحتانة للحصول على أمان، وعلى دعم الخيرين ومنهم مبادرة تكية فكة ريق التي استقبلتنا وقدمت لنا الإيواء والطعام".