أعمال بلا أجر بعد التقاعد في الصين

09 ابريل 2023
رعاية الأحفاد أحد مسؤوليات كبار السن في الصين (نويل سليس/ فرانس برس)
+ الخط -

يعتبر ملايين العمال المهاجرين القوة الدافعة للاقتصاد الصيني، لكن مع بلوغهم سن الشيخوخة يستطيع قليلون منهم التمتع بتقاعد مريح، بسبب ما ينتظرهم من رعاية الأحفاد في وقت يكرر الأبناء تجارب الآباء في التنقل والرحيل إلى خارج الريف بحثاً عن عمل، ويخلفون وراءهم ملايين الأطفال من دون رعاية أسرية. 
أما المتقاعدون الذين ليس لديهم أحفاد فيواجهون صعوبات كبيرة في تأمين متطلبات الحياة، خصوصاً أن معاشات التقاعد في الصين تغطي بالكاد النفقات اليومية، ما يضطرهم إلى العمل مجدداً في مهن حرة شاقة تنطوي على مخاطر كبيرة بسبب عدم التزام أصحاب العمل بتأمين العمال.
وعمر التقاعد في الصين 60 سنة، ويتلقى من يتقاعدون في المدن الكبرى معاشات شهرية تتراوح بين 500 و1200 دولار. لكن هذا الإجراء لا يشمل العمال المهاجرين القادمين من الريف الذين لا يحق لهم التمتع بميزات الضمان الاجتماعي إلا في مسقط رأسهم، علماً أن معاشاتهم في الريف لا تتجاوز 300 دولار، وهي قيمة ضئيلة جداً مقارنة بتكاليف المعيشة.
وكشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة بكين أن حوالي 40 في المائة من العمال كبار السن في المدن يرغبون في استكمال عملهم بعد التقاعد، بينما تصل نسبة الراغبين في استكمال العمل في الريف إلى نحو 80 في المائة، في حين أن نسبة التوظيف في البلاد لا تتجاوز 20 في المائة مقارنة بحجم العمالة الوافدة إلى السوق سنوياً.
يقول لو يانغ (65 سنة) إنه تقاعد قبل سنوات قليلة، ويتولى حالياً مسؤولية رعاية حفيدين في مدينة شينزن (جنوب)، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "عشت بعد التقاعد عاماً كاملاً في منزلي بالقرية، واعتمدت في تغطية تكاليف معيشتي على حوالة شهرية يرسلها ابني الموظف، لكنه تراجع عن هذا الالتزام بعدما رُزق بطفل آخر قبل ثلاثة أعوام، عندها عرض علي الإقامة معه لمساعدته في رعاية طفليه، فوافقت لأنني لم أملك خياراً آخر، كما أنني كنت أعاني من الشعور بالوحدة، ولا يكفي راتب تقاعدي لتغطية نفقاتي اليومية، إذ إن قيمته 200 دولار. الآن أعيش في بيت ابني الذي يغطي جميع التكاليف، وأنا مسؤول عن كل ما يتعلق برعاية الأحفاد، ويشمل ذلك إعداد الطعام للطفلين، وتوصيل أحدهما إلى روضة مجاورة، واصطحاب الطفل الأصغر إلى الحديقة، وترتيب المنزل، وغسل أطباق الطعام. أجد بالكاد وقتاً لنفسي، علماً أننا أرافق أيضاً الأسرة في التسوق والتنقل داخل المدينة خلال الإجازات الأسبوعية".

الصورة
يعمل بعض كبار السن بعد التقاعد كي يستطيعوا الإنفاق على نفسهم (Getty)
يعمل بعض كبار السن بعد التقاعد للإنفاق على أنفسهم (Getty)

ويقول جين كوان (63 سنة) لـ "العربي الجديد": "ليس لدي أحفاد لأن ابني الوحيد توفي قبل أن ينجب، لذا اضطررت إلى البحث عن عمل بعد التقاعد كي أستطيع الإنفاق على نفسي. قبل أن أتقاعد كنت أعمل موظفاً في شركة تقدم خدمات استشارية، ولأن المعاش التقاعدي لا يكفي لتسديد النفقات اليومية، اضطررت أن أعود إلى العمل في مصنع لتعبئة المشروبات الغازية". 
ويوضح كوان أن "جميع عمال المصنع من المهاجرين، وغالبيتهم تجاوزوا الستين، ولا يملكون عقوداً رسمية بعدما وظفتهم وكالات خاصة، ما يعني أنهم غير مشمولين بأي تأمين ضد إصابات العمل، ولا يحق لهم المطالبة بتعويضات أو مستحقات مالية بعد تسريحهم، ويعني ذلك أن أي إصابة عمل سيتحمل العامل تبعاتها وحده. أرباب العمل يستغلون العمال كبار السن الذين لا يمكن إدراجهم في السجلات، وهكذا يوفر أصحاب العمل تكاليف التأمين والتعويض، ويعفون من أي مسؤولية قانونية، إذ لا يمكن شراء تأمين ضد إصابات العمل لكبار السن، فالأشخاص الذين تجاوزوا سن التقاعد غير مؤهلين للحصول عليه".

وتقول الباحثة في مجال الرعاية الاجتماعية، تسي شون، لـ"العربي الجديد": "يدفع هؤلاء وحدهم ضريبة سياسات مجحفة تتعلق بتحديد النسل وتنظيم الأسرة، وكذلك قوانين عمل لم تراعِ ظروفهم الاجتماعية والصحية والنفسية. وفق سجلات الحكومة، يمثل هؤلاء نحو 50 في المائة من القوى العاملة في البلاد، علماً أن الشبان يحجمون عن العمل في المهن الحرة، في حين تفضل الشركات والمصانع العمالة المهاجرة التي تجاوزت سن التقاعد للتملص من الاستحقاقات القانونية". 
تضيف تسي شون: "معظم المعنيين بمسؤوليات الرعاية لا يفعلون ذلك بدافع أخلاقي أو التزام أسري، بل لأنهم مضطرون لتأمين متطلباتهم المعيشية. وإذا لم يفعلوا ذلك لن يجدوا من يهتم بها حتى بين أقرب الناس إليهم. في نهاية المطاف سيتعين على كبار السن التوقف عن العمل، وعندما يفعلون ذلك لا يُرجح أن يقبل الجيل التالي ظروف العمل السيئة التي تحملوها، ما قد يشكل ضربة قوية لاقتصاد البلاد".

المساهمون