أكد مقربون من سامي السيفي، الخمسيني الذي حرق نفسه في مقر "حركة النهضة" التونسية، مساء أمس الخميس، وتوفي في المكان، أنّ الفقيد سجين سياسي ومناضل من مناضلي الحركة، وأنه عانى الكثير من التهميش والإقصاء ودافع عن المظلومين والسجناء السابقين.
وقال الباحث سامي براهم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنه عرف سامي السيفي في السجن في التسعينات، مبيّناً أنّ السيفي "لم يكن يقبل الظلم والقرارات العقابية المسلّطة من إدارة السجن"، مذكّراً بأنّ "الفقيد سُجن عندما كان تلميذاً في المعهد الفني بتونس العاصمة، ورغم تبرئته في ما يعرف بقضية (باب سويقة) إلا أنّ النظام زج به في السجن في قضية كيدية أخرى ليحكم بالسجن مدة 15 عاماً".
وأوضح براهم أنّ السيفي "كثيراً ما كان يتحدى القرارات الجائرة في السجن عام 1991 رغم أنّ أغلب المساجين كانوا يتفاعلون بطرق مختلفة خوفاً من بطش النظام"، مشيراً إلى أنّ "السيفي لم يكن يقبل بالتنكيل وكان دائماً في الواجهة ويدافع عن بقية المساجين المستضعفين وخاصة من لا يقدرون على الدفاع عن حقوقهم".
وتابع أنّ "السيفي لم يراهن على العدالة الانتقالية بعد الثورة 2011 ظناً منه أنّ هناك من يستحق تقديم ملفه، إذ فضّل ترك المجال لغيره من المساجين بما يتعلق بالتعويضات وجبر الضرر، لا سيما وأنّ وضعه المادي حينها كان جيداً وكان يعمل في شركة خاصة للأدوية؛ بل كان يساعد عديد المساجين من راتبه الخاص".
وبيّن براهم، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "السيفي عانى البطالة بعد تسريحه من عمله لأسباب اقتصادية، كما طلب من زملائه في حركة النهضة مساعدته في العودة إلى عمله، إلا أنّ كل المساعي فشلت حينها، دون أن يجد عملاً آخر، فتم تشغيله كحارس في مقر النهضة بحي مونبليزير".
وتابع براهم أنّ "عمل السيفي كحارس في المبنى وعلى سيارات رفاقه ممن كانوا معه في السجن أشعره بالغبن"، مشيراً إلى أنّ "السيفي لم يراهن على الانتداب في الوظيفة العمومية رغم أنّ السجناء السياسيين الذين نجحوا في الحصول على شغل عن طريق الانتدابات المباشرة كانت أوضاعهم أفضل ولكنهم كانوا تحت التشنيع والانتقاد".
وأضاف "كان يرغب في أن تساعده الحركة في العثور على عمل أفضل. كان هناك لديه إحساس بالقهر من الدولة ومن الحزب الذي كان في الحكم وعجز عن تسوية وضعية أحد مناضليه".
وقال الناشط الحقوقي وأحد أصدقاء السيفي، محمد علي النابلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "السيفي أب لثلاثة أبناء"، مستذكراً أنه التقاه قبل نحو أسبوع، "حيث كان يشعر بضيق وظلم كبيرين"، مؤكداً أنه "كان يحلم بمشروع بسيط في مجال بيع الملابس المستعملة ليعيل عائلته".
وأوضح النابلي بحكم معرفته الدقيقة بالسيفي، أنّه "لم يكن ينوي وضع حد لحياته؛ بل أراد لفت انتباه المسؤولين في الحركة لوضعه"، مبيّناً أنّ "الفقيد عاش حالة فراغ نتيجة البطالة والقهر والمغالطات التي تحبك حول المساجين السياسيين".
وتابع أنّ "السيفي كان يرفض أن يكون حارساً لأنه ناضل كثيراً وقضى شبابه في السجن، وبالتالي ما حصل كان مفاجئاً ولكنه يعكس معاناة جيل مظلوم من التلاميذ والطلبة داخل المنظومة الحزبية وفي الدولة".
وقال شقيق السيفي، إنّ "هناك قتلاً ممنهجاً لأجيال عانت الظلم والقهر"، مؤكداً، في فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ شقيقه "ظلّ محلّ مماطلة لسنوات رغم أنه قدم عمره وشبابه لحركة النهضة التي آمن بها وناضل من أجلها"، كما أكد أنّ شقيقه سبق وأن خاض إضراباً عن الطعام للتعبير عن وضعه وللفت الجهات داخل الحركة لملفه، و"لكن دون جدوى".