يشكل إعلان رئيس مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي مرزوق الغانم، أمس الأول الأربعاء، عن تسلمه استجواباً ثلاثياً مقدماً من النواب حسن جوهر وخالد المونس العتيبي ومهند الساير، بحق رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، مرحلة جديدة من التوتر السياسي بين عدد من النواب والحكومة. ويعكس هذا الأمر سقوط فترة التهدئة القصيرة التي بدأت من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وبحسب ما أوردت وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، فإن طلب الاستجواب يتكون من ثلاثة محاور، وسيتم إدراجه في أول جلسة عادية مقبلة. وتشتمل محاوره على "الممارسات غير الدستورية لرئيس الوزراء"، و"تعطيل مصالح المواطنين وعدم التعاون مع المؤسسة التشريعية"، وأخيراً "النهب المنظم للأموال العامة والعبث بثروات الشعب الكويتي".
أدى العفو الخاص بمرسوم أميري عن متهمي قضية دخول مجلس الأمة لتهدئة قصيرة
وقد أصدر النواب الثلاثة، بياناً، فسروا فيه أسباب اللجوء إلى خيار الاستجواب. وتحدثوا عما قالوا إنه منعطف سياسي تمر به البلاد "وأزمة ثقة وصعوبة بالوصول إلى أرضية عمل مشتركة".
تجاوزات دستورية لرئيس الوزراء
وأشاروا إلى "مجموعة من التجاوزات الدستورية لرئيس الوزراء خلال انعقاد المجلس من دون وجود أي شكل من أشكال البوادر لتصحيح هذا المسار، أو ترميم الفجوات في علاقة السلطتين (التشريعية والتنفيذية)، أو الوقوف على أرضية صلبة تضمن احترام كل طرف لحقوق وواجبات الآخر الدستورية حماية للعمل البرلماني من العبث وحفاظاً على دولة المؤسسات".
وأضاف البيان: "إذ إننا نؤكد بصفتنا ممثلين عن الأمة، وصوتها في الدفاع عن المؤسسة التشريعية وحقوقها، وحصنها الحصين في الرقابة والتشريع، نعلن عن استجواب رئيس مجلس الوزراء عبر ثلاثة محاور رئيسية". وأعلن النواب سعود أبو صليب وفارس سعد العتيبي وثامر السويط تأييدهم للاستجواب.
ويأتي استجواب صباح الخالد عقب استجوابين ضد وزيرين من أبناء الأسرة الحاكمة، أحدهما إلى وزير الدفاع السابق الشيخ حمد جابر العلي تقدم به النائب حمدان العازمي، والآخر من النائب شعيب المويزري إلى وزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر، قبل أن يتمكن الوزيران من تجاوز طلبات طرح الثقة بهما بشق الأنفس.
وتقدم العلي بعد طلب الاستجواب الأخير باستقالة مشتركة مع وزير الداخلية الشيخ أحمد المنصور، احتجاجاً على ما وصفاه بـ"تعسف باستخدام الأدوات الدستورية" في إشارة إلى أداة الاستجواب.
كما ناقش مجلس الأمة استجواباً، الثلاثاء الماضي، تقدم به النائب عبدالله المضف بحق وزير الأشغال علي الموسى، على خلفية "تجاوزات ومخالفات في الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية"، التي تقع ضمن اختصاصات الوزير. تلاه تقديم عشرة نواب لطلب طرح الثقة به، من المقرر التصويت عليه في 16 مارس/آذار الحالي.
العفو الخاص أدى لتهدئة قصيرة
ولم يسفر إقرار خطوة العفو الخاص بمرسوم أميري عن متهمي قضية دخول مجلس الأمة، والتي صدرت بها أحكام على رموز من المعارضة، على رأسهم النواب السابقون مسلم البراك وفيصل المسلم وجمعان الحربش، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سوى عن تهدئة نسبية قصيرة.
وتلا العفو جلسات ما عُرف باسم "الحوار الوطني" بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد دعوة أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد له، وتقديم الحكومة استقالتها، ودخول ثلاثة نواب من كتلة الـ31 المعارضة إلى التشكيل الحكومي.
واستطاعت الحكومة خلال فترة التهدئة هذه تفكيك كتلة المعارضة الصلبة، بعد أن تشظت إلى ثلاث مجموعات داخل البرلمان. الأولى، بزعامة النائب السابق فيصل المسلم، تدعو إلى التصعيد برفع شعار "رحيل الرئيسين"، في إشارة إلى رئيسي مجلس الأمة والحكومة. والثانية أقل حدةً منها، يتزعمها النائب حسن جوهر. والأخيرة منحتها الثقة، ويتزعمها النائب عبيد الوسمي الذي وصفها بـ"الحكومة الشعبية".
مع العلم أن الوسمي كتب، عبر حسابه في "تويتر"، بعد أيام من تجديده الثقة بوزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر، أن "تنفيذ متطلبات الحوار بالتعاون لحل القضايا الخلافية، والتعامل مع القضايا الأساسية من إسكان وتعليم وتوظيف وقروض (ببرنامج واضح ومحدد)، والتحقيق (بجميع) شبهات الفساد، وتمكين الدولة من استعادة حقوقها من أي جهة كانت، هو السبب (الوحيد) لمراقبة وانتظار هذه الحكومة بتنفيذ التزاماتها"، في تلميح إلى أن تجديده الثقة بالوزراء مشروط بإنجاز هذه الملفات.
ويعرب الناشط السياسي وناشر صحيفة "سبر" الإلكترونية، سعود العصفور، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن العفو لم ينجح بتحقيق التهدئة، لأنه "كان يهدف فعلياً إلى تجاوز جلسة افتتاح دور الانعقاد الحالي في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولا أكثر من ذلك، وهو ما تحقق للحكومة وحلفائها".
وعما إذا كان الاستجواب سيعطل استكمال بقية ملفات العفو عن المحكومين في مختلف قضايا الرأي، يرى العصفور أن ذلك "يبقى رهن مساومة لجنة العفو، المكوّنة من رؤساء السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) للنواب والشارع، وهو أمر مؤسف للغاية، وكان ينبغي النأي بمثل هذا الملف الإنساني والمهم عن التجاذبات السياسية".
استجواب رئيس الحكومة لم يكن مفاجئاً
ويعتبر أن استجواب رئيس الوزراء لم يكن مفاجئاً بل متوقعاً "في ظل عدم القدرة الواضحة لديه على تقديم ما يمكن أن يكسب به النواب والشارع"، ونتيجة حتمية لذهابه "عكس الإرادة الشعبية" بالتصويت لمرزوق الغانم لرئاسة مجلس الأمة، "الذي كان ولا يزال يحظى برفض شعبي وسياسي واضح من قطاعات عريضة من الشعب الكويتي، والتي تم التعبير عنها في صناديق الانتخابات في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020".
مهلهل المضف: الحكومة لم تلتزم بما تضمنه الحوار، ورئيسها غير قادر على القيام بدوره
وعن مآلات استجواب رئيس الوزراء، لا يتوقع العصفور أن تختلف عن حسابات استجوابي وزيري الدفاع والخارجية، وأن "لا يصل العدد لمؤيدي كتاب عدم التعاون معه إلى العدد المطلوب (نصف أعضاء المجلس المنتخبين + 1)، وإن كان لن يقل عن 20 إلى 22 نائباً".
وبرأيه فإن "هذا الرقم له دلالاته السياسية الهامة، التي تحتم حسب المذكرة التفسيرية للدستور، أن يُتخذ القرار السياسي المناسب في ظل هذا الرفض العارم من أعضاء المجلس لاستمرار رئيس الوزراء في منصبه، وإن كنت لا أثق بقدرة الخالد على قراءة الساحة بشكل جيد واتخاذ ما يجنب البلاد والمؤسسات الدستورية كل هذا التأزيم والتعطيل".
وللنائب مهلهل المضف، أحد أعضاء جلسات "الحوار الوطني" الذي انسحب مع النائب حسن جوهر منه أخيراً رأي مختلف، إذ لا يرى أي تعاون جاد من الحكومة. مع العلم أن الوسمي كان قد أعلن استمرار انعقاد جلسات الحوار لاستكمال جدول أعمال العفو.
الحكومة لم تلتزم بما تضمنه الحوار
ويعتبر المضف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحكومة "لم تلتزم بما تضمنه الحوار، ورئيسها غير قادر على القيام بدوره، وتوقيت استجوابه مستحق، فالكويت متأخرة بكافة المجالات ولا يوجد معالجة جدية للنهوض بها، والفساد مستشرٍ، دون محاسبة حقيقية".
ويقول المضف: "صرّحت في الصيف الماضي بأن الخالد استنفد فرصه السياسية. وأعلنت حينها عن تقديمي استجواباً له". ويشير إلى أن "أسلم الحلول أن يتقدم باستقالته، وألا يكون سبباً في دخول البلد بأزمة سياسية".
ويعتبر أن ما سينتج عن الاستجواب هو تقديم كتاب عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، "فالحكومة هي المسؤولة عن كل الأزمات السياسية المتعاقبة، وهي من وضعتنا في هذا النفق المظلم، فلا نلوم الأعضاء على استخدام الأدوات الدستورية ولا يوجد مجال للمجاملة".
وتنص المادة 135 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على أن "يبلغ الرئيس (مجلس الأمة) الاستجواب لرئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص فور تقديمه، ويدرج في جدول أعمال أول جلسة تالية لتحديد موعد للمناقشة فيه بعد سماع أقوال من وجه إليه بهذا الخصوص". كما تنص ألا تجري مناقشته "إلا بعد ثمانية أيام على الأقل من يوم تقديمه، وذلك في حال موافقة رئيس مجلس الوزراء أو الوزير حسب الأحوال".
وتمنح المادة لمن وجه إليه الاستجواب "أن يطلب مد الأجل المنصوص عليه إلى أسبوعين على الأكثر، فيجاب إلى طلبه. ويجوز بقرار من المجلس التأجيل لمدة مماثلة. ولا يكون التأجيل لأكثر من هذه المدة إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس".