حلاوة اللقاء مع محمود الريماوي

14 نوفمبر 2022
+ الخط -

سبقت لقائي المباشر بالكاتب محمود الريماوي قراءتي قصصاً كثيرة له. كنتُ عائداً من بغداد عام 1996، مررتُ بعمّان، وفيها وجدت أصدقاء، ضمنهم الشاعر علي العامري، يتحدّثون عن مجموعة قصصية جديدة وملفتة صدرت للريماوي، حملت عنوان "القطار"، فازت في العام التالي بجائزة فلسطين للقصة القصيرة في فلسطين. وإن ثمّة لقاء عابراً جرى معه في الرباط  بداية التسعينيات، بمعية الصحافي معن البياري والشاعر العُماني عبد الله الريامي. أتذكّر أننا كنا نجلس في مقهى "مدام علي"، تمتلكه سيدة فرنسية معمّرة، تحمل اسم زوجها، كان غاصّاً بالناس، علّق الريماوي بعبارة "البث عالٍ جداً في هذا المقهى"، فضحكنا على إثر القفشة. وقفشات الريماوي تميّزه كثيراً، وتدلل على بديهة نادرة فيه، وذلك حين يأتيك بعبارة مفاجئة في لحظة غير متوقعه. 
لقاءات كثيرة جمعتني بعد ذلك بالكاتب الكبير الذي ولد عام 1948 في بيت ريما قرب رام الله. كانت معظمها في الدار البيضاء حين حضر غير مرة معرض الكتاب هناك، وكانت بالنسبة لي فرصتان، لرؤيته ولزيارة المعرض. سافرنا كذلك معاً إلى اثنين من بلدان شبه القارّة الهندية، نيبال وسريلانكا. كان فيهما نعم الرفيق، الذي يتميز بالدقّة في نظام حياته إلى جانب نبذ الكسل وشغفه بالمشي والتعرّف إلى كل صغيرة وكبيرة من ثقافة الأماكن التي يزورها. حين كنّا في نيبال كانت في جدوله زيارات يومية منذ الصباح إلى مختلف المعالم، منها قصر الملك السابق، وأكبر "محرقة" هندوسية في العالم، إلى جانب رحلات مرهقة بالحافلة، استمرّت واحدة منها أكثر من 12 ساعة. 
يعد محمود الريماوي أحد فرسان القصة القصيرة العرب الكبار، له نحو 15 مجموعة قصصية، صدرت أولاها في 1972. (صدر له كتاب مختارات من قصصه بالإيطالية بترجمة عقيل مرعي، وآخر بالبلغارية بترجمة خيري حمدان، كما ترجمت قصص له إلى الفرنسية والإسبانية والإنكليزية والعبرية وغيرها). له روايتان، كانت أولاهما "من يؤنس السيدة" ضمن القائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية في عام صدورها (2009). يكتب الريماوي، منذ نصف قرن، المقال السياسي، وهو أحد كتّاب "العربي الجديد"، وتتصف مقالاته بالعذوبة والتوسّع إلى جانب نأيها الواضح عن كل ما يثير المناوشات والضغائن. ويمكن القول، من دون مبالغة، إنه مدرسة في كتابة المقال السياسي. أذكر أننا كنّا في أحد أسفارنا، وتعطّل حاسوبه، فاستعان بجهازي، وأخذه مني قرب الظهيرة، ولم أره إلا عند الغروب. كان في كل ذلك الوقت يكتب مقالاً قصيراً سيرسله ثم سينساه، وحين فتحت الجهاز، وجدت أن المقال كان عن مرور مائة عام على وعد بلفور وموقف بريطانيا لاحقاً من هذا الوعد الذي فتح الباب أمام الاستيلاء الصهيوني على أرض فلسطين.. وقد ترأس في الأردن تحرير مجلة "السجل" التي عُرفت بنهجها التحريري الاستقصائي، بين عامي 2007 و2009. وفي سجلّه أن ملتقى السرد العربي الثالث في عمّان في يوليو/ تموز 2011، وكان خاصّاً بالقصة، كرّمه لمسيرته القصصية "تقديراً لجهوده وحضوره في مجالي القصة والرواية". وخصّصت في ختام الملتقى ندوة لاستعراض نتاجه القصصي الذي "يقوم على قوة السرد الحافلة بالتفاصيل وجماليات المضامين التي أثارت الإعجاب والجدل بين النقاد"، بحسب خبر "الجزيرة نت" عن الملتقى. وقد خصص الناقد إبراهيم خليل كتاباً عنه بعنوان "محمود الريماوي من القصة الى الرواية" (دار فضاءات، عمّان، 2018). صدر أخيراً له عن دار الآن ناشرون في عمّان كتابه "نجوم الشمال"، يتضمّن شهادات وتحليلات ثقافية وبورتريهات قلمية لـ 13 أديباً عربياً عرف معظمهم من قرب.. 
تحيّة من القلب إلى محمود الريماوي، الكاتب الكبير والإنسان.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي