"اسمع وشوف" وتعدّد الأصوات

09 مايو 2022
+ الخط -

كتب حلقات المسلسل العُماني "اسمع وشوف" الصحافي والروائي العُماني، يوسف الحاج، الذي ساهم سابقا في كتابة مجموعة من المسلسلات طوال مسيرته الفنية النوعية، من أبرزها "ناس وناس" و"طماشه". في هذه المرّة، كان الحاج مع حلقات عُمانية شعبية فكاهية تمتح من مفارقات اجتماعية، حملت اسم "اسمع وشوف" أخرجه الفنان السوري، عارف الطويل، في 30 حلقة بثت طوال شهر رمضان. تعدّدت فيه الأصوات على أكثر من مستوى. نجد مثلا في الحلقة الواحدة عدة لهجات، وفي ذلك غنى وثراء للمسلسل، تعكس الثراء الصوتي الحاصل في اللهجات العمانية، مثل الممثلة محفوظة الساحب التي كانت تتكلم بلهجة أهل الداخلية، وأشرف المشيخي (شروفان) بلهجة أهل الجنوب في محافظة ظفار، وعبدالله الغافري بلهجة ولايات محافظة الظاهرة.

وفي إطار هذا التعدّد أيضا، انفتح المسلسل على مختلف الأجيال الفنية العمانية مثل فخرية خميس وصالح زعل ومحمد نور وجمعة هيكل والممثلة الراحلة شمعة محمد التي افتقدها الوسط الفني العُماني قبل شهر رمضان، حين كانت في السعودية في أثناء أدائها في مسلسل من إنتاج "إم بي سي". ونجد التعدد كذلك في استثمار مواهب من الفضاء العام، مثل المسرحي عبدالله مرعي واليوتيوبر عبدالله الغافري، إلى جانب استثمار قدرات ممثلين كانوا قد تواروا عن  الشاشة، مثل بتول خميس. هناك كذلك ممثلون من دول عربية كمصر والبحرين والإمارات.

نجد التعدّد كذلك على مستوى الحلقات، فكل حلقة (وأحيانا أكثر) تناقش موضوعا جديدا. إذن هو "اسمع وشوف" فكاهي بالأساس، يبحث عن مادته المتنوّعة في طيات الحياة العامة، ويستمد مادته من مفارقات المجتمع. وقد حظي المسلسل بمتابعة واهتمام ملحوظين. كما أنه لم يسلَم من النقد المتعلق بما يمكن اعتباره مبالغة وتعميما في بعض المواضيع، من قبيل حلقة الشهادات المزوّرة وكذلك الحلقات المتعلقة بعاملات المنازل. مع العلم أن هذه طبيعة الكوميديا، تستثمر، وأحيانا تبالغ، في  التركيز على موضوع معين، بقصد الإضحاك والتسرية، من دون أن يعني ذلك بالضرورة شيوع هذه المواضيع ونمطيّتها، مع عدم خلو المسلسل من بعض الملاحظات الفنية، مثل إصرار بعض الممثلين على أن يرتدوا ملابس رسمية حتى في بيوتهم، أو في حاراتهم في أوقات المساء، مثل الدشداشة البيضاء والمِصَر، وهما تُرتديان في عُمان عادة في أوقات الدوام الرسمي الصباحي.

شكّل "اسمع وشوف" نقلة مهمة في الدراما العُمانية بعد سنواتٍ عجاف، تسبّبت في هجرة الممثلين إلى دول الخليج في الجوار بهدف إثبات قدراتهم، مع القناعة بممارسة أدوار هامشية، في ظل شحّ وندرةٍ للدراما والسينما في بلدهم. وقد تميز هذا المسلسل الذي استُقبلت حلقاته بمتابعة يومية، ونقاشات متفاوتة في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب مستويات تعدّده، بالتجاور بين المواهب المخضرمة والصاعدة، كما أن الأداء المُتقن لبعض الممثلين والممثلات كان واضحا، إلى جانب انسجام المسلسل مع  تطلّعات الشباب في الحرية والخروج من أسر التقاليد الضاغطة.

ناقش المسلسل كذلك، قدر الإمكانات والظروف، مواضيع اجتماعية وإدارية، اتسم بعضها بالجرأة، بقصد تفكيك قيمٍ ترسّخت في المجتمع، وكان لا بد من مناقشتها لفهمها وتجاوزها، مثل الحلقة عن غلاء المهور، والتي جرى تقديمها بطرافةٍ مبتكرة، حين طلب الأب مهرا قليلا (على غير العادة)، وأصر عليه من منطلق أنه لا يبيع ابنته، إنما يزوّجها. وحلقات أخرى تتناغم مع التحوّل الرقمي لدى الشباب. ويتميز المسلسل كذلك بالتباري الخفي بين جيلٍ شابّ أثبت حضوره، واختصر مهارات كثيرة، وممثلين سابقين في التجربة والبروز الإعلامي، تشاركوا جميعا في هذا العمل الذي أعطى أملا في انتعاش الدراما العُمانية. والكرة الآن، كما يقال، في ملعب الدولة لاستثمار هذه القدرات الفنية الملحوظة، والدفع بها نحو النمو والتطوّر.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي