رهائن المساومات السياسية [2-4]... مكاتب وساطة بين المهربين والمهاجرين السوريين
جلال سليمان
نجح الثلاثيني السوري علي الخضر بالوصول إلى ألمانيا في 16 أغسطس/آب الماضي بعد عبور طريق شاق بين حدود بيلاروسيا مع بولندا، إذ بدأ رحلته مع آخرين استقلوا سيارة أجرة من مينسك وحتى مقاطعة هرودنا Hrodna في الجزء الجنوبي الغربي لبيلاروسيا قبل التوجه سيرا على الأقدام إلى غابة بياوفييجا الحدودية مع بولندا.
ومع اقتراب الخضر ورفاقه لمسافة خمسة كيلومترات من الحدود البولندية، عملوا على تشغيل خاصية الطيران في هواتفهم، بناء على نصيحة المهربين، حتى لا يتم تحديد مكانهم من قبل حرس الحدود ثم ساروا بهدوء قرب السياج الفاصل بين بيلاروسيا وبولندا واختبأوا لمراقبة الوضع، وعند التأكد من عدم وجود الحراس توجه أحد أفراد المجموعة نحو السياج، وفتح ثغرة للعبور. "وبسرعة ركضنا وراءه ودون إصدار أصوات"، يضيف الخضر قائلا لـ"العربي الجديد"، :"بعد نجاحنا بالدخول إلى الأراضي البولندية، ابتعدنا عن المنطقة المحرمة (السياج الفاصل بين الدولتين) ثلاثة كيلومترات لضمان عدم الإمساك بنا من قبل حرس الحدود واسترحنا حتى هبوط الليل، ثم واصلنا السير مع مراعاة الابتعاد عن القرى الحدودية، كون سكان هذه المناطق يبلغون الشرطة عنا، وتوغلنا في العمق لمسافة 20 كيلومترا حتى وصلنا إلى شرق قرية دبروا Dąbrowa، وانتظرنا التاكسي ومنه إلى وارسو".
وتحتجز بولندا بشكل منهجي العائلات التي لديها أطفال، وتطلب من المحتجزين دفع تكاليف احتجازهم، وهو ما جرى مع 900 مهاجر عبروا من بيلاروسيا، 349 منهم في الأسبوع الأول من أغسطس/آب الماضي وحده، مقارنة بـ 122 مهاجرا احتجزتهم في عام 2020، وفق موقع مشروع الاحتجاز العالمي (منظمة حقوقية مقرها في جنيف).
إعلانات مروجة لسهولة إجراءات السفر إلى بيلاروسيا
اشتعلت الأوضاع مع بداية العام الجاري بعدما انتشرت إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقي واتساب وتليغرام، تفيد بإمكانية الهجرة إلى أوروبا عبر بيلاروسيا التي فتحت أبوابها لاستقبال المهاجرين، وفق ما وثقه معد التحقيق الذي رصد تلك المجموعات ومن بينها "السوريون في بيلاروسيا وبولندا" الناشطة على تطبيق تليغرام وتضم 16.257 عضوا، وتتضمن إعلانات عن الرحلة إلى بيلاروسيا وتكلفة السفر، وكيفية استقبال المهاجرين هناك وتوفير فنادق لهم قبل بدء رحلتهم من مينسك إلى الحدود البيلاروسية البولندية، ومن ثم إلى أوروبا، مع تقديم نصائح للمهاجرين على سبيل المثال، "عدم التعامل مع المكالمات الدولية من أرقام غير معروفة أو استقبال رسائل sms تحتوي رابطا مترجما باللغة العربية حتى لا يتم تحديد مواقعهم خلال رحلتهم عبر الحدود البولندية".
مكاتب وساطة بين المهربين والمهاجرين السوريين
عبر واحدة من تلك المجموعات المتنوعة والتي تحمل أسماءا دالة على سهولة الهجرة، تمكن العشريني السوري محمد زياد هرموش، والذي كان يقيم في بيروت، من التواصل مع مهرب أبرم معه اتفاقا في الثامن من أغسطس/آب الماضي، ليستخرج جواز سفر له من السفارة السورية في بيروت (لا يستطيع دخولها لكونه مطلوبا للنظام)، مقابل ألف دولار أميركي، وفي غضون عشرين يوما استلم الجواز، وفق تأكيده لـ"العربي الجديد"، موضحا أن المهرب عمل على تأمين دعوة من أحد مكاتب السياحة في العاصمة مينسك وفيزا تخوله دخول أراضي بيلاروسيا، مقابل ألف دولار أخرى. ويتم ايداع مبلغ على سبيل التأمين لدى مكاتب في بيروت تعمل في مجال الصرافة والتحويلات المالية، بحسب هرموش، مشيرا إلى دفع مبلغ إضافة إلى ما سبق عبارة عن ثمن تذكرة الطائرة.
وتتم عملية الإيداع من خلال ذهاب الشخص إلى مكتب التأمين ويترك مبلغا يصل إلى 2000 دولار، ويعطيه المكتب "كودا"، عبارة عن سند يتضمن رقما سريا، وحصل معد التحقيق على إحداها من مهاجر غير نظامي نجح في السفر وهو g123r895\1995 وعبر هذا الكود يثبت كل طرف حقه، إذ يتفق مع صاحب المكتب أن أي شخص يأتي ومعه الكود يسلمه المبلغ، وفق هرموش.
وللتأكد من استمرار السفر إلى بيلاروسيا، تواصل معد التحقيق (عبر تطبيق واتساب) مع مهرب في مدينة إسطنبول، أخبره بإمكانية الحصول على الدعوة السياحية من مينسك والقيام بإجراءات فحص كورونا على حساب المكتب، وحجز فندقي في العاصمة البيلاروسيىة لمدة سبعة أيام بقيمة ألف دولار، على أن يتكفل المهرب بإيصال المهاجر إلى أوروبا، مقابل دفع مبلغ مالي يتراوح بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف دولار.
ماذا يجري بعد الوصول إلى مينسك ؟
يصل سعر تذكرة الطيران من لبنان إلى مينسك إلى حوالي 1650 دولارا أميركيا (اتجاه واحد)، عبر طيران فلاي دبي، فيما يبلغ سعر تذكرة السفر من إسطنبول إلى مينسك 420 دولاراً، وفق الموقع الرسمي للشركة.
وبعد وصول المهاجرين السوريين إلى بيلاروسيا، يمكثون فيها سبعة أيام قبل بدء الرحلة عبر حدودها إلى بولندا ثم أوروبا، وفق ما وثقه معد التحقيق مع خمسة سوريين وصلوا إلى مينسك، ومنهم محروس محمد (من مدينة دير الزور) والذي تمكن من الوصول إلى بيلاروسيا بفيزا سياحية في بداية يوليو/ تموز الماضي، عبر مطار إسطنبول.
وعقب يومين من وصول محمد إلى مينسك زاره شخص من طرف المهرب (يدعى أبو مصطفى) في فندق يوبيليني Yubileiny حيث يقيم، وأعطاه خطا هاتفيا مزودا بخدمة الإنترنت، وفي اليوم الثالث زاره مهرب بيلاروسي يدعي أدريان (لا يتحدث العربية فقط يعرف الإنكليزية بصعوبة) وقال أنه سيقوم بتهريبه بمعية اثنين عراقيين وأفغاني قدموا من إسطنبول إلى مينسك، كما يقول محمد لـ"العربي الجديد"، مضيفا مسارهم بدأ من العاصمة مينسك إلى هرودنا وتحديدا غابة بياوفييجا (تبعد 6 كيلومترات) على الحدود مع مقاطعة بودلاسكي البولندية.
ويتعين على المهاجر قطع الحدود خلسة عبر السير في الغابات ومحاولة الوصول إلى طريق يصل بين قرية kuscinc الواقعة في شمال شرق بولندا على مقربة من الحدود مع بيلاروسيا، ثم السير داخل الأراضي البولندية، وفق رواية محمد، والذي خاض مع آخرين تجربة العبور على الحدود البيلاروسية البولندية، لكن محاولتهم الأولى باءت بالفشل بعد أن شعرت الشرطة البولندية بوجودهم فهربوا باتجاه غابة بياوفييجا واختبأوا حتى الصباح بانتظار مغادرة الدوريات البولندية، لكنها لم تغادر، فعادوا إلى مينسك ليخوضوا محاولة ثانية".
و"تبرر حكومة بولندا نهجها بالزعم أن بيلاروسيا تشجع الناس على الانتقال إلى الحدود البولندية ردًا على عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على حكومتها، لكن عمليات صد بولندا للمهاجرين على حدود بيلاروسيا ليست بالأمر الجديد، ففي عام 2017 حرم طالبو اللجوء عند المعبر الحدودي الرسمي مع بيلاروسيا في تيريسبول ومعظمهم من الشيشان، بشكل روتيني من الوصول إلى إجراءات اللجوء في بولندا، وأُعيدوا قسراً بالقطار إلى مدينة بريست البيلاروسية"، وفق ما رصدته منظمة هيومن رايتس ووتش في سبتمبر الماضي بتقريرها عن العالقين على الحدود البولندية.
عصابات تنتظر المهاجرين وسط ظروف قاسية على الحدود
على طول طريق التهريب، تنتشر عصابات مسلحة، تنهب هواتف المهاجرين وأكواد المبالغ المالية التي يتم وضعها في مكاتب التأمين في تركيا أو أربيل أو بيروت بموجب اتفاق بين المهرب والمهاجر من خلال تواصل أفراد العصابة مع المكتب الذي يزودونه برقم الكود ويأخذون المبلغ المالي منه، ليتركوه في العراء، بحسب رواية سالم بكار (من مدينة حمص) والذي استطاع الوصول إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا في بداية يوليو/ تموز 2020، لكنه يقول بعد تعرض مهاجرين للنهب بين بيلاروسيا وبولندا غيرت المكاتب من سياستها، إذ يتعين على اللاجئ عند الوصول إلى وجهته الاتصال عبرمكالمة مرئية بالمكتب ويطلب منه تسليم المبلغ المالي لمن يفوضه المهرب.
ووقع المهاجر السوري محمد الصغير ضحية لهذه الظاهرة، إذ حاول العبور من مدينة هرودنا الحدودية باتجاه الأراضي البولندية، وتعرض مع آخرين للسلب من قبل مجموعة مسلحة يتحدثون بالروسية، أجبروهم على تسليم أموالهم وهواتفهم وأكواد المبالغ المالية، ما اضطره ورفاقه للعودة إلى مدينة هرودنا، كما يقول لـ"العربي الجديد".
ويؤكد محمد حسن، المدير التنفيذي لمركز وصول لحقوق الإنسان على رصدهم حالات سلب لمهاجرين حاولوا عبور الحدود بين بيلاروسيا وبولندا على يد عصابات مسلحة، قائلا لـ"العربي الجديد" عدد الذين تعرضوا للسطو خلال الفترة من 5 يونيو حتى 30 أغسطس 2021، خمسون شخصا، وتمت سرقة ممتلكاتهم وتُركوا في العراء بين حدود الدولتين، مضيفا أن الأوضاع بين حدود الدولتين قاسية جدا بسبب درجة الحرارة المنخفضة.
ولقي ثمانية أشخاص على الأقل مصرعهم على طول الحدود بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، حيث تقطعت السبل بمجموعات متعددة من طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين لأسابيع في ظروف قاسية، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر الموقع الرسمي للأمم المتحدة في الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ووصلت درجة حرارة الجو في غابات هرودنا حتى الثلاثين من أكتوبر الماضي إلى 6 درجات تحت الصفر، وتشير منظمة الهجرة الدولية عبر الموقع الرسمي للأمم المتحدة في السادس من سبتمبر الماضي، إلى أن المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل على الحدود بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا لديهم وصول محدود لمياه الشرب والطعام والمساعدات الطبية ومرافق الصرف الصحي والمأوى. وتابعت ان إطالة هذا "الوضع غير المقبول" يشكل تهديدا خطيرا لحياة المهاجرين وصحتهم.
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
