رهائن المساومات السياسية [4-4]... طريق اليمنيين إلى أوروبا يبدأ من مطار القاهرة
وصل الثلاثيني اليمني محمد عبدالله يوسف إلى ألمانيا في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بعد عشرة أيام قضاها على الحدود البيلاروسية البولندية في ظل أوضاع جوية قاسية مع انخفاض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر.
وبدأت رحلة يوسف الطويلة من مطار عدن الدولي إلى مصر في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الماضي. ولدى وصوله إلى القاهرة تواصل مع مهرب، للبدء بإجراءات السفر إلى بيلاروسيا، مؤكدا أنه دفع له 1300 دولار أميركي من أجل الحصول على الدعوة السياحية، بالإضافة إلى 1970 دولارا قيمة تذكرة طيران ذهاب وعودة، وفي الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي، غادر القاهرة على متن الخطوط الجوية التركية إلى إسطنبول قبل مواصلة رحلته إلى مينسك.
يضيف يوسف، المتحدر من مدينة عدن جنوب اليمن، "في الأول من أكتوبر الماضي، انطلقت مع عشرة يمنيين من مينسك إلى مقاطعة هرودنا Hrodna في الجزء الجنوبي الغربي لبيلاروسيا، ومن هناك مشينا متجاوزين غابة بياوفييجا الحدودية مع بولندا"، لكن عند اجتياز الأسلاك الشائكة الفاصلة بين حدود البلدين، تم القبض علينا من قبل الشرطة البولندية التي أعادتنا إلى الأراضي البيلاروسية، لكن بعد ثلاثة أيام كرروا المحاولة مع المهرب الذي تمكن من إيصالهم إلى ألمانيا رفقة ثلاثة يمنيين، ومن بينهم الأخوين علي ومحمد فائز.
الهروب من جحيم الحرب
يقول توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات (غير ربحية مقرها جنيف)، لـ"العربي الجديد" إن رحلة اليمنيين تبدأ من اليمن إلى مصر ثم تركيا، وهناك يوفر المهربون لهم الدعوات السياحية وتذاكر الطيران إلى بيلاروسيا، وفي مينسك يستقبلهم مهربون آخرون على اتفاق مع المهربين في تركيا، وهؤلاء يصورون للمهاجرين، أن الرحلة سهلة ولا تشوبها الكثير من التحديات، ولدى وصولهم إلى الحدود البيلاروسية البولندية تتكشف أمامهم حقيقة الأمر، من خلال بقائهم لأسابيع على الحدود في ظل ظروف قاسية.
ويضطر اليمنيون العالقون على الحدود البيلاروسية البولندية، كغيرهم من المهاجرين، للشرب من مياه غير صالحة، ما أدى إلى تعرض بعضهم للمرض، وفق الحميدي، مشيرا من خلال توثيقه لمعاناة بعض المتواجدين على الحدود، إلى تعرض حالات للضرب من قبل الشرطة البولندية قبل إعادتهم إلى بيلاروسيا، ويقول إن أحد اليمنيين الذين وثق إفادتهم، تعرض للخداع من قبل مهرب في بيلاروسيا، إذ ساقه نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى وسط الغابة على الحدود مع بولندا وتركه هناك لمدة ثلاثة أيام، على أمل أن يأتي مهرب آخر لتوصيله إلى ألمانيا، لكنه لم يأتِ، مضيفا أن مؤسسة أوكاليني (بولندية تعمل على مساعدة المحتاجين) عملت على مساعدته وأعادته إلى مينسك.
يخدع المهربون اليمنيين ويدّعون سهولة الرحلة إلى أوروبا
وأدى اشتداد القتال باليمن منذ أواخر مارس/ آذار 2015 إلى تفاقم العنف وانعدام الأمن، ما تسبب في انتشار واسع النطاق للنزوح الداخلي وتحركات السكان عبر الحدود، إذ هاجر 15761 يمنيًا إلى جيبوتي، وفق تقرير "الوضع في اليمن: اللاجئون الإقليميون وخطة الاستجابة للمهاجرين" الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2016.
وخلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني ومايو/ أيار 2018، هاجر نحو 550 يمنياً إلى جزيرة جيجو الكورية بحثاً عن الأمان، لكنهم واجهوا منذ وصولهم عداء كبيرا، وفق الموقع الرسمي لمنظمة العفو الدولية والذي رصد قصصهم، في تقرير بعنوان "اللاجئون اليمنيون في "الجزيرة السياحية" بكوريا الجنوبية يستحقون الضيافة وليس العداء".
وتعلّق المحامية هدى الصراري، رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات (غير ربحية) على مأساة اليمنين في دول اللجوء، قائلة لـ"العربي الجديد":" يتعرض اليمنيون لانتهاكات أثناء محاولة اللجوء ولا أحد يدافع عنهم، في ظل غياب أي تنسيق حكومي مع المنظمات المختصة بهذا الشأن".
أحلام لم تكتمل
وجد اليمنيون الفرصة مواتية هذه المرة في الهجرة إلى أوروبا، بعد الإعلانات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل ومنها واتساب، مثل مجموعة "دروب الهجرة" والتي يشرف عليها يمني تواصل معه معد التحقيق وسأله عن إمكانية السفر فأكد له أنه استطاع استخراج دعوات سياحية إلى بيلاروسيا لـ 1080 يمنيا منذ بدء الهجرة عبر الطريق الجديد، لكنه يؤكد أن مينسك علقت الدعوات حاليا، مشيرا إلى إمكانية معاودة التهريب عبر بيلاروسيا في الصيف القادم.
لكن مجموعة "هجرة العرب بين بيلاروسيا وبولندا" على تطبيق تليغرام والتي تضم 16255 عضوا ويلتقي عليها سماسرة وباحثون عن الهجرة غير النظامية، حذر القائمون عليها من التعامل مع سمسار يمني لديه مجموعة باسم الهجرة والسفر على تطبيق تليغرام، مقيم في الإمارات، لأنه "يترك اليمنيين في الغابة ولا يقدم لهم المساعدة، إذ ترك 49 يمنيا متفرقين في الغابة على الحدود البيلاروسية البولندية، دون أن يكون لهم تأمين في تركيا، منهم من مات، وما زلنا نبحث عن جثثهم ونرفض أن نبوح لأهلهم الذين يتكلمون معنا عن حقيقة الأمر"، بحسب التحذير المنشور على تلك المجموعة.
ونشرت ذات المجموعة تحذيرا للمهاجرين، قالت فيه "عدم استقبال أي مكالمات دولية من رقم غير معروف، وعدم فتح أي رسالة sms تحتوي على رابط مترجم باللغة العربية، وعدم التعامل مع أي رقم يعطيك إياه أحدهم على أساس أنه مساعدة، وصليب أحمر ومن هذا الكذب، إذ قبض على 9 مهاجرين بسبب شخص أعطاهم رقماً وقال إن هؤلاء سيساعدونكم مجانا وسيأخذونكم إلى ألمانيا، وبعد ما دخلوا 35 كيلومترا داخل بولندا تواصلوا مع الرقم وأرسلوا موقعهم وتم إلقاء القبض عليهم من قبل جيش بولندا وتم إرجاعهم على الحدود، والآن هم عالقون مع 500 مهاجرا".
مشاهد المعاناة السابقة، أقنعت اليمني سمير البورجي، بالعدول عن قراره بالهجرة إلى بولندا عبر بيلاروسيا، بعد مشاهدته لمقاطع مرئية تظهر معاناة يمنيين على الحدود، مفضلا البقاء في السعودية حيث يعمل، كما يقول لـ"العربي الجديد".
ويظهر مقطع مسجل في الأول من أكتوبر الماضي 9 يمنيين، وهم يكابدون أوضاعاً قاسية على الحدود البيلاروسية البولندية، إذ تبدو أجسادهم مكشوفة للسعات البرد، كما طالبوا الحكومة اليمنية بالتدخل لإخراجهم من المأزق. فيما يُظهر فيديو آخر يمنيون يناشدون منظمات حقوق الإنسان، لإنقاذهم من الموت.
"لو كنت أعرف صعوبة وقسوة هذا الطريق، لبقيت في اليمن، أفضل من الموت جوعا" هكذا يلخص المهاجر اليمني محمد يوسف حقيقة الأوضاع التي عايشها بعيدا عن الصورة الوردية التي رسمها لها السماسرة، مضيفا أن العالقين على الحدود البيلاروسية البولندية يعانون من أوضاع إنسانية صعبة، ولا يحصلون على الطعام والماء. ويتذكر يوسف ما حدث لرفيق رحلته، علي فائز الذي تفطرت قدماه بسبب السير لمسافات طويلة، في رحلة شاقة ومكلفة بالفعل" كما يصفها يوسف.
كيف تعاملت الحكومة اليمنية مع الظاهرة ؟
يتسم رد الفعل الحكومي تجاه أزمة اليمنيين العالقين على حدود أوروبا بالضعف الشديد وفق ما يره الحميدي ورجاء المصعبي رئيسة المنظمة العربية لحقوق الإنسان (يمنية غير حكومية)، إذ قال إبراهيم علي حيدان، وزير الداخلية في الحكومة الشرعية، أن السلطات اليمنية ليس لديها معلومات رسمية عن وجود مواطنيها على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، وتابع في تصريحات صحافية صادرة في 16 نوفمبر، :"وزارة الخارجية اليمنية لم تبلغنا عن وجود مواطنين يمنيين في بيلاروسيا".
لكن وزارة الخارجية وشؤون المغتربين التابعة للحكومة الشرعية، أكدت على موقعها الرسمي في 20 نوفمبر، اتخاذ تدابير وإجراءات لمعالجة أوضاع اليمنيين العالقين في الحدود بين الدولتين، إذ جرت متابعة أوضاع اليمنيين العالقين على الحدود البولندية مع بيلاروسيا من خلال سفارتي الجمهورية اليمنية في موسكو ووارسو، كما وجهت وزارة الخارجية سفيرها في موسكو (غير المقيم في مينسك) بعقد لقاء مع كلٍ من نائب وزير الخارجية والجهات المعنية البيلاروسية، لطلب التعاون والمساعدة في تحديد موقع العالقين اليمنيين، وتوفير احتياجاتهم وتسهيل إجراءات تصحيح أوضاعهم لدى سلطات الهجرة البيلاروسية، ومن ثم ترتيب سفرهم إلى اليمن.
وبلغ عدد العائدين ثمانية مواطنين بحسب وزارة الخارجية، غير أن آخرين لن يعودوا وتم دفنهم هناك ومن بينهم الثلاثيني اليمني مصطفى الريمي والذي توفي يوم الأحد 21 نوفمبر وجرى دفنه في قرية بولندية تبعد 10 كيلومترات عن الحدود البيلاروسية.