سوريون مرحّلون قسراً من تركيا: لا حوافز لحياتنا المدمّرة

ريف حلب

عدنان الإمام

avata
عدنان الإمام
مراسل من سورية
غازي عنتاب

عماد كركص

عماد كركص
04 يوليو 2024
السوريون المرحلون من تركيا: رحلة معاناة ومستقبل مجهول
+ الخط -
اظهر الملخص
- تشهد تركيا حملة ترحيل واسعة للاجئين السوريين، خصوصًا في ولاية غازي عنتاب وولايات جنوبية، حيث يُجبر السوريون على العودة لمناطق تحت سيطرة المعارضة في سوريا، مما يؤثر على أملهم في العيش بسلام.
- قصص مثل محمد شبيب وعبد الله النبهان تسلط الضوء على الأثر العميق للترحيل على الحياة الشخصية والمهنية للسوريين، حيث تعرضوا للترحيل رغم محاولاتهم بناء حياة جديدة في تركيا.
- الحكومة التركية تسعى لتقليل عدد اللاجئين السوريين لأسباب تشمل الضغوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مع تقارير تشير إلى استخدام أموال الاتحاد الأوروبي المخصصة لدعم اللاجئين في تمويل مشاريع أخرى.

في وقت تنفذ السلطات التركية حملة لترحيل اللاجئين السوريين في ولاية غازي عنتاب وولايات أخرى ولا سيما في جنوب، تجد هذه الحملة صدى كبيراً في الجانب الآخر من الحدود، حيث يصل المرحلون إلى مدن وبلدات في شمال غربي سورية الخاضعة لسلطة المعارضة من أجل بدء حياة جديدة يصفها معظمهم بأنها "معاناة جديدة" بعدما ترك غالبيتهم عائلاتهم وراءهم في تركيا، وأيضاً أعمالهم والحياة التي أسسوها وبنوها هناك.
رحلّت إدارة الهجرة في ولاية غازي عنتاب السوري محمد شبيب بعدما أوقفته سيارات جوالة تابعة لها، واعتبر هذا الترحيل الثاني له. يقول محمد لـ"العربي الجديد": "عدت إلى تركيا بطريقة غير نظامية بعد ترحيلي الأول، وكنت وقعت حينها على أوراق عودتي الطوعية، ما يعني وقف بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) الخاصة بي. وقبل أيام أوقفني رجال مديرية الهجرة في غازي عنتاب ونقلوني إلى مخفرين في المدينة ثم إلى مركز للترحيل في ولاية كلس حيث دخلت إلى مدينة أعزاز عبر معبر باب السلامة الحدودي".

ويتحدث محمد عن أنه لا يملك أي حوافز لبدء حياة جديدة في الشمال السوري، خصوصاً مع استمرار الحرب من دون أفق واضح لانتهائها بالكامل، وأن أمله ينحصر في نظر السلطات الفرنسية بملف لجوئه بعدما قدم أوراقه إلى سفارتها في تركيا.
وإذا كانت السلطات التركية امتلكت سبباً لترحيل شبيب، فلم يشمل ذلك عبد الله النبهان الذي أوقفته في ولاية أضنة (جنوب) أثناء تحديثه مع أفراد عائلته بيانات تطلبها السلطات من اللاجئين كل فترة.
يقول النبهان الذي كان خرج من مدينة حلب عام 2016 وقصد ولاية أضنة، لـ"العربي الجديد": "تدمرت حياتي بعد ترحيلي فأنا صاحب شركة، وتتألف عائلتي من خمسة أشخاص، واثنان من أولادي الثلاثة في مدارس بتركيا".
ويوضح النبهان أنه أسس شركة لتجارة المواد البلاستيكية في أضنة، وأنه يمدّ السوق التركية بمواد يصدرها إلى الخارج أيضاً، ما يعني أن شركته المرخصة نظامياً تدعم السوق وأرقام التصدير في تركيا. وإضافة إلى عائلته الصغيرة يعيش إخوته وأمه وأبوه وأقاربه في أضنة، وقد تركهم جميعهم وراءه رغماً عنه بعد إجباره على الرحيل.
ويعلّق: "اعتقدت أنني سأذهب مع أفراد عائلتي لمدة ربع ساعة من أجل تحديث بياناتنا تنفيذاً لقانون إدارة الهجرة، لكن التوقيف تحوّل إلى كابوس بضغطة زر من موظف لم يعجبه شكلنا. وجرى إبطال بطاقاتنا المؤقتة من دون سبب، واعتقلت شخصياً كأنني مجرم أمام زوجتي وأطفالي، وأوقفت في مركز ترحيل لمدة شهر قبل ترحيلي إلى ريف حلب. لقد تدمرت حياتي".
أيضاً يخبر عمر زمزم الذي جرى ترحيله من أضنة إلى الأراضي السورية، "العربي الجديد"، أنه لجأ إلى الولاية عام 2022، وزاول مهنة عامل بناء مياوم قبل أن يعتقل في مكان عمله، ويقول: "كانت أوراقي نظامية، ولم تتضمن أي نقص أو مخالفة، لكن لم يُسمح لي بالكلام لدى اعتقالي، وتلقيت في طريقي إلى مركز الترحيل الكثير من الإهانات والشتم والضرب وخضعت لضغوط، ثم أجبروني على توقيع أوراق (العودة الطوعية)، وجلبوا عناصر قالوا لي حرفياً إذا لم تبصم برضاك على أوراق الترحيل، فسنجعلك تبصم بعد أن نضربك".
وكان عمر تهجّر من قرية بريف حلب سيطرت عليها قوات النظام بعد معارك شهدها شمال غربي سورية بين عامي 2019 و2020، علماً أن قوات النظام والمليشيات الإيرانية هجّرت نحو 2.2 مليون شخص عن مدنهم وقراهم في أرياف حلب وإدلب وحماه، وجعلتهم نازحين يعيشون في ظروف صعبة.
وعموماً تنفذ الحكومة التركية خطة لتقليل عدد اللاجئين بعد حملات عنصرية رسمية وشعبية عززتها إجراءات الحكومة نفسها في التعامل مع ملف اللاجئين السوريين، ولا سيما بعد عام 2015، إذ أخذت الحكومة التركية تبتز المجتمع الدولي بهدف استجرار الأموال من أجل استضافة السوريين. وأعلنت الحكومة إنفاق أموال ضخمة على اللاجئين بهدف توفير ذريعة للمجتمع التركي تبرر إطلاق حملات عنصرية تستند إلى أن الأتراك أولى بأموال الدولة من اللاجئين".
لكن وقائع تشير إلى أن الحكومة التركية كانت تنفق على اللاجئين من أموال الداعمين، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، وإلى أنها خصصت الكثير من أموال اللاجئين لدعم فئات محلية وعمليات التوظيف في المراكز والدوائر التي تتعامل مع اللاجئين، كما ضخت أموالاً في عمليات "اندماج" اللاجئين بين المجتمعين.

الصورة
أجبر عمر زمزم على توقيع أوراق ترحيله (العربي الجديد)
أجبر عمر زمزم على توقيع أوراق ترحيله (العربي الجديد)

وحالياً تريد الحكومة تقليل عدد اللاجئين لأسباب عدة، منها الحصول على مزيد من التمويل ومحاولة استيعاب المجتمع التركي الذي أظهرت الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة أنه بات أقل تأييداً لـ"حزب العدالة والتنمية" الحاكم. وهكذا يرتبط إطلاق الحكومة يد سلطات تنفيذ القانون لتقليل أعداد اللاجئين بإجراءات قسرية وغير قانونية، باستخدام ذرائع مختلفة.
وهذا ما حصل مع إسماعيل البتور، وهو لاجئ سوري يقيم في ولاية إزمير (شمال غرب) الذي أوقفته السلطات بعدما اشترى محتال تركي خط هاتف خليوي باسمه استخدمه في تنفيذ عمليات نصب. وينتشر هذا الأسلوب كثيراً في تركيا، إذ يحصل كثير من المحتالين المحليين على بيانات اللاجئين السوريين ووثائقهم بطرق مختلفة لاستخدامها في عمليات تهديد وابتزاز واحتيال إلكتروني.
ويقول البتور لـ"العربي الجديد": "أوقفت عام 2019 بعدما اشترى محتال خط هاتف باسمي، ثم برأتني المحكمة بعدما فحصت هاتفي واكتشفت ما حصل. بعدها نسيت القصة باعتبارها انتهت بحكم قضائي، لكن في مايو/ أيار الماضي، جرى توقيفي عندما ذهبت إلى إدارة الهجرة لتسجيل طفلي المولود حديثاً، والحصول على بطاقة حماية مؤقتة له. وكانت الذريعة أنني أخضع لقرار ترحيل صدر عام 2019 بسبب الحادثة التي برأتني المحكمة منها أساساً. وقد سُجنت لمدة شهر، ثم جرى ترحيلي إلى إدلب من معبر باب الهوى، وتركت ورائي عائلتي في تركيا من دون معيل، مثل حال آلاف المرحلين قسراً.
وفي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كشفت صحيفة "جريدة تركيا" أن الحكومة سترسل 200 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم هذا العام. وأوضحت حينها أن "وزارة الداخلية ستعمل مع جميع الوزارات المعنية في نطاق مكافحة الهجرة، وستركز بالدرجة الأولى على تنفيذ آلية ترحيل فعّالة، وأنها ستنفذ إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين من دون تأخير. ويبدو أن الحكومة باتت تنفذ هذه الخطة بصورة أوسع.
وانخفض عدد اللاجئين السوريين في العامين الماضيين، بسبب عمليات الترحيل الواسعة في جميع الولايات، ولا سيما في إسطنبول وغازي عنتاب وأضنة وكلس. وبحسب إحصاءات إدارة الهجرة حتى 20 يونيو/ حزيران الماضي انخفضت أرقام اللاجئين السوريين كثيراً بسبب عمليات الترحيل.
وأظهرت الإحصاءات وجود 3 ملايين و113 ألف لاجئ سوري، في حين تجاوز عددهم 3 ملايين و737 ألفاً عام 2021، بعد حملة التهجير الكبيرة التي شهدتها محافظات إدلب وريف حماه وريف حلب إثر الاجتياح الذي نفذه النظام السوري بإسناد روسيا وانتهى في ربيع عام 2020. 

وبدأ عدد السوريين ينخفض في تركيا نتيجة الخطاب العنصري للمعارضة والتضييق الإداري وعمليات الترحيل، وزاد بعد زلزال فبراير/ شباط 2023 حين قرر الكثير من السوريين المخاطرة وركوب البحر نحو دول أوروبية لبدء حياة لجوء جديدة، وأجريت أيضاً عمليات ترحيل.
وفي تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، قال الناشط التركي فهري آيت إنّ بلاده لا تستهدف السوريين، بل تحاول ضبط المخالفات والهجرة غير النظامية". 
وعن محاولة السلطات توزيع اللاجئين على المدن التركية التي وصلوا إليها في البداية، قال آيت: "مثلاً يزيد عدد السوريين في إسطنبول، عن نصف مليون، في حين لا يبلغ عدد اللاجئين مئات في ولايات أخرى". والقرار يهدّئ الاحتكاك وشعور بعض الأتراك بغلبة عدد السوريين، ويُقلل من ثم العنصرية التي تستخدمها أحزاب معارضة، وبشدّة في هذه الفترة".

ذات صلة

الصورة
الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني، يونيو 2024 (عدنان الإمام)

مجتمع

يُناشد الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني السلطات التركية لإعادته إلى عائلته في إسطنبول، إذ لا معيل لهم سواه، بعد أن تقطّعت به السبل بعد ترحيله إلى إدلب..
الصورة
حادث سير في إدلب (عامر السيد علي)

مجتمع

قتل 7 أشخاص، بينهم أطفال، جراء حادث سير مروع هزّ منطقة شمال غرب سورية، اليوم الخميس، حيث سقطت الحافلة التي تقلهم في واد يمر به نهر العاصي، غرب محافظة إدلب.
الصورة
تقلص الدعم يهدد الخدمات المقدمة للمرضى (عامر السيد علي)

مجتمع

يحذر مسؤولو القطاع الصحي في مناطق شمال غربي سورية من توقف الكثير من المنشآت الصحية عن العمل نتيجة توقف الدعم، ما يمثل مخاطر جمة على صحة مئات آلاف السكان.
الصورة
وفد الأمم المتحدة في شمال غربي سورية (عدنان الإمام)

مجتمع

زار وفد من الأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، منطقة شمال غربي سورية، للاطلاع على الوضع الإنساني السائد، في ظل معاناة النازحين من تراجع الدعم الغذائي.
المساهمون