"المسالخ البشرية" في سورية [2]: سجون الأسد الرسمية

عدنان أحمد

عدنان أحمد
10 فبراير 2017
F802367B-34C5-48DF-807A-172AB96CF86A
+ الخط -


سلّط تقرير منظمة "العفو" الدولية، الثلاثاء، الضوء على فظاعات النظام السوري بحق المعتقلين، بعد إشارته إلى قيام سلطات بشار الأسد بتنفيذ إعدامات جماعية سرية شنقاً بحق 13 ألف معتقل، غالبيتهم من المدنيين المعارضين، في سجن صيدنايا قرب دمشق، خلال خمس سنوات منذ بداية الثورة في سورية. لكّن حكايات "المسالخ البشرية" في سورية، قديمة العهد، بعضها معروف، وبعضها تبقى أسرارها دفينة غياهب العذاب، في سجون النظام وأقبية الأجهزة الأمنية. ومع أنّ الحديث عن ظلامات السجون والمعتقلات يطول، إلا أنّ "العربي الجديد"، يحاول من خلال هذا التقرير من 3 أجزاء توسيع دائرة الضوء على ملف المعتقلين، من خلال عرض خارطة سجون نظام الأسد، واستعراض نماذج من أساليب التعذيب.

وفي الجزء الثاني، نستعرض سجون الأسد الرسمية:


السجون

ثمة الكثير من السجون في سورية، خاصة في العاصمة دمشق، حيث لكل محافظة من المحافظات الـ14 سجنها المركزي الخاص، فضلاً عن وجود سجون في المدن الرئيسية. لكن السجون والمعتقلات الأكثر فظاعة هي تلك التي تتبع الأجهزة الأمنية، والمنتشرة أيضاً في جميع المحافظات، وإن كان أكثرها عدداً، وأكبرها حجماً في العاصمة دمشق.

تاريخ السجون في سورية

طرأ على نظام السجون السوري، مجموعة من التعديلات منذ فترة ما بعد استقلال البلاد عام 1945، حيث كانت السجون تتبع لإدارة السجون قبل أن يجري إلحاقها بوزارة الداخلية، مع تولّي حافظ الأسد السلطة عام 1970، لتصبح تابعة تماماً لأجهزة النظام الأمنية. وهذه التبعية لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، جرّدت السجون من وظيفتها الإصلاحية المناطة بها بموجب القانون، وأبعدتها عن أي رقابة قضائية

وقد قسّم القرار رقم /1/ لعام 1981 السجون إلى ثلاث فئات أطلق عليها تسمية: (فروع- أقسام- مخافر). وتضمّ الفروع سجون دمشق، حمص، حلب، اللاذقية، والحسكة، بينما تضمّ الأقسام سجون بقية المحافظات السورية، حيث في كل محافظة سجن. أما المخافر فهي تضمّ سجون المناطق وبعض النواحي الكبيرة.

يُضاف إلى ذلك، معاهد الإصلاح الخاصة بالأحداث وهي تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية. أمّا الأخطر من كل ما سبق، فهو الأماكن السرّية للاحتجاز وتضم السجون وأقبية الفروع الأمنية، وتخضع لإدارة الأجهزة الأمنية.

السجون الرسمية

من أشهر السجون الرسمية "المدنية" سجن دمشق المركزي، والذي يقع في مدينة عدرا إلى الشمال الشرقي من العاصمة دمشق، ويبعد عنها حوالى 20 كيلومتراً، ويمتد على مساحة كبيرة تبلغ نحو عشرة هكتارات، ويحتوي عدة مبان وساحات وأراضي غير مستثمرة.

يتكوّن السجن من عدة مبان للإدارة، بما فيها أقلام الدخول والعدلي والإداري، وبناء مخصّص لمدرسة السجن، إلا أنّ البناء الأهم في هذا السجن هو البناء الذي يشغله النزلاء ويتألف من 12 جناحاً، إضافة إلى جناح للموقوفين السياسيين الذين لا علاقة لإدارة السجن المدني بهم، حيث يحوّلون إليه من فروع أمنية عدة، وتشرف عليه شعبة الأمن السياسي.

مساحة الغرفة في السجن تصل إلى حدود 55 متراً مربعاً، ويسكنها بشكل دائم ما لا يقل عن 50 نزيلاً، وكثيراً ما يصل عدد النزلاء إلى أكثر من مائة سجين، يفترشون الأرض بين الأسرّة وأحيانا دورات المياه الداخلية والمغاسل. ومن الشائع بين النزلاء تأجير الأسرّة أو حتى الفراغات بينها، بسبب شدة الاكتظاظ، حيث لا يجد السجناء الجدد مكاناً ينامون فيه.

وقد شهد السجن تمرّداً من السجناء بسبب الأوضاع المزرية داخله عام 2007، وإضراباً عن الطعام عام 2009. وخلال زيارة بعثة المراقبين العرب إلى سورية بعد اندلاع الثورة عام 2011، قام سجناء الرأي بتنفيذ إضراب عن الطعام، وذلك بعد أن زار المراقبون العرب السجن من دون أن يلتقوا بالسجناء.

* سجن عدرا المركزي للنساء:

يقع أيضاً في مدينة عدرا التابعة لمحافظة ريف دمشق، وهو إلى جانب سجن الرجال من الناحية الجنوبية الشرقية، وقد شهد هذا السجن العديد من الإضرابات، للمطالبة بتحسين ظروف الاعتقال والإسراع في العرض على المحاكم.

وينقسم سجن عدرا للنساء إلى قسم جنائي؛ يختص بالتّهم الجنائية المختلفة، وقسم سياسي يشمل المعتقلات اللواتي يتمّ تحويلهن من الأفرع الأمنية.

وتخضع المعتقلات السياسيات لظروف مشابهة لسجن الرجال من ناحية الإهانة والضرب والتعذيب وحتى الاغتصاب، في حين تنعدم الرعاية الطبية بالرغم من وجود نساء مسنّات ومريضات بأمراض خبيثة، أو حوامل.

* سجن حلب المركزي:

يقع إلى الشمال من مدينة حلب، بجانب مخيم للاجئين الفلسطينيين، شمال مشفى الكندي، ويتألف من ثلاثة أبنية، على شكل شعار سيارة "مرسيدس"، وتتألف من أربعة طوابق، وكل طابق فيه ستة أجنحة، في كل جناح عشر غرف، تضم كل غرفة 25 سجيناً. ومع انطلاق الثورة أصبح عدد السجناء في كل غرفة أكثر من خمسين.

وبعد التحاق محافظة حلب بالثورة عام 2012، بدأ السجن يستقبل المزيد من المعتقلين السياسيين الذين يتعرّضون لمعاملة قاسية، ما أدى إلى وقوع استعصاء في السجن ردّت عليه إدارته بصورة قاسية، تم على إثره نقل نحو 500 سجين إلى مكان مجهول. وشهد السجن بعد ذلك العديد من الاستعصاءات والمواجهات مع إدارة السجن، أسفرت عن سقوط العديد من القتلى بين السجناء.

* سجن حماة المركزي:

شهد العديد من حالات العصيان الناجحة من جانب المعتقلين، والتي أجبرت النظام على الخضوع للعديد من مطالبهم، ويقبع فيه حالياً نحو 800 معتقل، ما زال النظام يماطل في إطلاق سراحهم بالرغم من وعوده المتكرّرة بالإفراج عنهم. كما يشهد كل من سجن السويداء المركزي، وسجن حمص المركزي، إضرابات واستعصاءات مماثلة لكنها لم تحقق نجاحاً كبيراً.

* سجن صيدنايا المركزي:

لعل أشهر السجون العسكرية في سورية، هو سجن صيدنايا العسكري في مدينة صيدنايا على بعد 30 كيلومتراً شمال غرب دمشق. افتتح في سبتمبر/ أيلول عام 1987، ومنذ ذلك الوقت يستخدم لسجن المعتقلين السياسيين، والسجناء العسكريين القضائيين.

يتكوّن مبنى سجن صيدنايا من ثلاثة طوابق، على شكل ثلاثة أجنحة تلتقي في المركز، على غرار شعار سيارة "مرسيدس"، وكل طابق مقسّم إلى جناحين، وفي كل جناح عشرة مهاجع. وتحيط بالسجن ثلاثة أسوار، وتتولّى الحراسة من الخارج كتيبة عسكرية مسلحة بالمدرعات، ومن الداخل سرية من الشرطة العسكرية.

لا يوجد لأي سلطة مدنية، سلطة على السجن، حيث هو جزء من منظومة الاستثناء التي تحكم أوضاع حقوق الإنسان في سورية، منذ أواخر السبعينيات من القرن المنصرم.

يخضع سجن صيدنايا لإشراف وزارة الدفاع، ويحتجز فيه المعتقلون الذين انتهى التحقيق معهم من قبل الأجهزة الأمنية، أو من تمّت إحالتهم إلى محكمة أمن الدولة أو إلى المحاكم الميدانية العسكرية، ويقضي هؤلاء الأحكام الصادرة بحقهم في هذا السجن.

حتى أواسط التسعينيات من القرن المنصرم، كان السجن يضم معتقلين من الشيوعيين وحزب "البعث الديمقراطي"، و"الإخوان المسلمين"، فضلاً عن فلسطينيين من تيارات مختلفة، ولبنانيين، وأكراد، ومعتقلين من تيارات إسلامية مختلفة.

كان سجن صيدنايا يضم قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، بين 1500 و2000 سجين، لا سيما المتهمين بالانتماء إلى جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة، والتيارات السلفية.

شهد السجن عام 2008 تمرّداً أسفر عن مقتل العشرات من السجناء، وبعد اندلاع الثورة زاد عدد النزلاء في السجن بشكل كبير.

يقدّر عدد المعتقلين حالياً في سجن صيدنايا، بحوالى 14 ألف معتقل، خضع معظمهم لمحاكمة صورية أمام محكمة الميدان العسكرية، وتلقوا أحكاماً جائرة تتراوح بين الإعدام والسجن لمدة 15 عاماً، كما يوجد نحو 8 آلاف معتقل بينهم نساء وأحداث، محتجزون في أحد أجزاء مبنى سجن صيدنايا، ويدعى "السجن الأحمر"، وكان شاهداً على الكثير من الانتهاكات، بينما يضم بناء جديد، يعرف بـ"السجن الأبيض"، حوالى 6 آلاف معتقل، بينهم حوالى 4 آلاف ضابط من جميع الرتب.

يخضع المعتقلون في سجن صيدنايا، لممارسات لا إنسانية من لحظة دخولهم، من ضرب بالهراوات والقضبان المطاطية، وغالباً ما يتم إيداع السجناء الجدد في الزنازين الانفرادية لمدة شهر على الأقل بعد جلدهم بالكابلات. وكشف تقرير لمنظمة "العفو" الدولية صدر قبل أيام، النقاب عن وجود حملة مدروسة تنفذّها السلطات السورية على شكل إعدامات خارج نطاق القضاء، وتتم عن طريق عمليات شنق جماعية داخل سجن صيدنايا، شملت 13 ألف سجين.

إضافة إلى السجون الرسمية، يدير نظام الأسد سجوناً أمنية، يتوسع عناصره في أساليب التعذيب، وتقع داخلها أبشع الجرائم ضدّ الإنسانية. نستعرضها في جزء ثالث.

 

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
المساهمون