استمع إلى الملخص
- طالبت اللجنة المشتركة بإخلاء المقر لطرحه في مزايدة عامة، مما أثار استياء القضاة الذين يخشون تحويله إلى مشروع سياحي أو فندقي.
- أكد المستشار محمد ناجي دربالة أن الأزمة تتعلق بالقيمة التاريخية للمبنى، داعياً إلى تحويل القضية إلى رأي عام وإقامة دعاوى قضائية ضد القرار الإداري.
رفض نادي قضاة مجلس الدولة في مصر استلام خطاب جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة بضرورة إخلاء مقر النادي، وتسليمه للجنة مشتركة بين الجهاز ووزارة الموارد المائية والري وجهاز حماية النيل، ما فتح الباب واسعاً أمام مواجهة بين قضاة مجلس الدولة وهذه الجهات، ومنها نادي النيابة الإدارية الذي وصل إليه خطاب مماثل بالإخلاء. ما قد يؤشر، بحسب متابعين، إلى أن شهر العسل بين السلطة المصرية ومؤسسات قضائية في طريقه إلى الانتهاء، بعد اتجاه السلطة لنزع مكتسبات مادية مستقرّة لصالح تلك الجهات.
وأعلن رئيس نادي مجلس الدولة، المستشار عبد السلام النجار، في بيان الاثنين الماضي، رفضه استلام قرار إخلاء النادي، مبرراً ذلك بأن هذا المقر هو الوحيد الخاص بالنادي والذي يرعى مصالح القضاة وأسرهم، ويقدم لهم خدمات اجتماعية وخدمية، بالإضافة إلى رعاية أسر الأعضاء المتوفين، كما يضم مقر النادي غرفة لمداولات السادة القضاة. وأوضح النجار أن مقر نادي مجلس الدولة يضم خمسة مقار حكومية، تشمل مكتب شهر عقاري تابعاً لوزارة العدل، ووحدة مرور تابعة لوزارة الداخلية، ومكتب بريد تابعاً لوزارة الاتصالات، ومكتباً لهيئة السكك الحديدية، وآخر لهيئة المصل واللقاح، مما يستوجب التنسيق مع هذه الوزارات قبل الشروع في إخلاء المقر. كما تضمن بيان النجار لجوء النادي إلى وزير العدل المستشار عدنان فنجري، للتوسط بين النادي والجهات الحكومية للبحث عن حل لهذه المشكلة.
حكومة مصر تستهدف مقارّ قضائية
لم تكتفِ اللجنة المشتركة بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ووزارة الموارد المائية والري، خلال زيارتها مقر النادي، أخيراً، بطلب إخلاء المبنى واستلام الأرض، بل طالبت أيضاً بالتحفظ عليه إلى حين إدراج محتوياته في مزايدة عامة علنية، مع إلزام رئيس النادي بمخالصات مالية (تسوية) عن مستحقات الكهرباء والمياه والصرف الصحي قبل تسليم النادي. ورغم رفض النجار المساعي الرسمية للسيطرة على مقر نادي القضاة، إلا أنه لم يوافق على دعوة بعض الأعضاء لجمعية عمومية غير عادية للنادي لبحث سبل الرد على القرار الرسمي الصارم. ووفقاً لمصادر داخل النادي، فإن النجار قاوم بشدة نزوع تيار قوي داخل النادي للتصعيد ضد محاولات إزالة المقر عبر حشد الأعضاء ضد القرار. واكتفى النجار، بحسب المصادر، برفع مذكرة لوزير العدل طالب فيها بتجميد القرار الحكومي، ما أثار استياء بين قضاة النادي الذين يشعرون بأن الأمر يتجه في النهاية نحو سيطرة جهاز مشروعات الخدمة الوطنية على مبنى النادي وتحويله إلى مشروع سياحي أو فندقي، خصوصاً أن وزير العدل لن يتبنى مواقف ضد حكومة يشغل فيها منصباً وزارياً.
عضو سابق بنادي مجلس الدولة: هناك مخاوف من تصعيد الحكومة ضد النادي
في الوقت نفسه، استبعد عضو سابق بنادي مجلس الدولة، رفض الإعلان عن هويته، أن يتبنى المجلس مواقف جادة تجاه هذه الخطوة الحكومية، مشيراً لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مجلس الدولة والنادي قد أبديا سلاسة شديدة تجاه مطالب السلطة في مختلف القضايا خلال المرحلة الأخيرة، ما يصعب معه تبني مواقف جادة تجاه محاولات الحكومة للسيطرة على مبنى النادي وجميع أراضي طرح النهر (محيط نهر النيل) من حلوان إلى شبرا". وأضاف أن "هناك مخاوف داخل مجلس الدولة من تصعيد الحكومة ضد النادي، خصوصاً أن أجهزة الدولة قد فجرت عدداً من قضايا الفساد في وجه رموز داخل المجلس، وتم اتهام عدد من قضاة المجلس بارتكاب مخالفات مالية، ما دفع المجلس إلى مهادنة الدولة خلال الفترة الأخيرة لتجنب إعادة فتح هذه القضايا".
محمد ناجي دربالة: مبنى نادي مجلس الدولة يُعتبر وقفاً عاماً للوطن وللأمة
من جانبه، أكد نائب رئيس محكمة النقض السابق، المستشار محمد ناجي دربالة، لـ"العربي الجديد"، أن "الأزمة بين نادي مجلس الدولة واللجنة الحكومية المشتركة ليست أزمة قانونية"، مشيراً إلى أن قضايا حقوق "أراضي النوادي النهرية في القاهرة والجيزة تتم وفق حق الانتفاع الذي يمنح السلطات الحكومية الحق في تجميد أو إلغاء حق الانتفاع". لكن الأزمة، وفق دربالة، "ليست بهذه البساطة، إذ تتعلق بماضٍ قضائي عريق وأحداث تاريخية شهدها نادي قضاة مجلس الدولة، وقيمة أثرية لا يمكن الاعتداء عليها وإخلاء المبنى لإقامة عمارات سكنية". وأضاف أن "مبنى نادي مجلس الدولة يُعتبر وقفاً عاماً للوطن وللأمة، ومتصلاً بأعمال السلطة القضائية، كما أنه مقر لمداولات تاريخية لقضاة المجلس، وله طابع أثري يجب عدم الاعتداء عليه وفقاً للقانون 118 لسنة 1983 الذي يمنع إزالة المباني الأثرية، بل يلزم السلطات صيانتها وترميمها".
وأوضح أن "الأوضاع الحالية التي يمر بها القضاء قد تشير إلى عدم القدرة أو الرغبة في تبني موقف قوي يتصدى لمحاولات السيطرة على مبنى نادي مجلس الدولة". لكنه أضاف أنه "إذا كانت هناك رغبة في مواجهة هذه المحاولات، فيجب تجييش الجمعية العمومية لمجلس الدولة، والتنسيق مع الجهات القضائية الأخرى، وعلى رأسها مجلس القضاء الأعلى، لمواجهة هذه المساعي". وشدّد دربالة كذلك على "ضرورة تحويل القضية إلى قضية رأي عام، انطلاقاً من عدم وجود مبرر قوي أو صالح عام يبرر السيطرة على مبنى مجلس الدولة"، مشيراً إلى أن "تحقيق مكاسب مالية للسلطة ليس مبرراً قوياً لهذا الإجراء". وأضاف أنه "يجب إقامة دعاوى قضائية ضد هذا القرار الإداري"، معتبراً "إذا اقتصر الأمر على صدور بيانات رفض فقط، فإن القضية ستنتهي حتماً بسيطرة الحكومة على مبنى نادي مجلس الدولة".
السيطرة على منشآت مدنية
يذكر أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية قد سيطر في السابق على عدد من المنشآت المدنية في مصر منها "حديقة أنطونيادس" و"الحديقة الدولية" بالإسكندرية. كما حصل على أراضي طرح النهر بالقاهرة الكبرى بدءاً من حلوان حتى شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، التي تشمل مقار المسرح العائم ونادي أعضاء هيئة تدريس جامعة القاهرة وكلية السياحة والفنادق ونوادي قضاة مصر وغيرها من النقابات المهنية. وكان جهاز مشروعات الخدمة الوطنية قد بدأ عام 2020 بإدارة أراضي طرح النهر بالقاهرة الكبرى بعد توليه مهمة القيام بأعمال الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، بناءً على قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2637 لسنة 2020. وبعد صدور هذا القرار، تم توقيع بروتوكول بين الجهاز ووزارة الموارد المائية والري للانتفاع بالمسطحات المائية شرق وغرب النيل، وطرح عدد من تلك الأراضي في مزادات للاستثمارات السياحية والتجارية.
وأرسل جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة في مصر خطابات لسبع جهات على نيل جزيرة منيل الروضة تطالبهم بإخلاء مقارهم فوراً بناءً على تعليمات رئاسية. وتشمل قرارات الإخلاء الأخيرة منطقة أراضي طرح النهر الممتدة من كوبري الجامعة إلى فندق غراند نايل تاور، وهي تغطي مساحة تقدر بـ70 ألف متر مربع. وأسفر اجتماع عُقد الشهر الماضي بين وزير الري هاني سويلم ومدير جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة عن الاتفاق على استمرار إصدار التراخيص اللازمة لهذه الأراضي. ووردت خطابات الإخلاء للجهات في الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وطالبت القوات المسلحة بإخلاء الأراضي قبل 14 أكتوبر الحالي، إلا أن بعض الجهات طالبت بتمديد المهلة لعدم القدرة على الإخلاء الفوري.