"عامان من التدهور في مصر"...عيّنة لحصيلة حكم السيسي

07 يونيو 2016
السيسي يعتزم العودة لعهد "الإعلام الموجه" (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -
بعدما تربّع الرئيس عبدالفتاح السيسي على سدّة الحكم، وعد المصريين بتغييرات، وأكد لهم أنهم سيتلمسونها بعد مرور سنتين على حكمه. خاطبهم: "سنتان، وهاتستغربوا حصل إيه في مصر". لكن الحصيلة لا تبدو مدهشة ولا مطمئنة. لأن المصريين يعانون من معدلات تضخم غير مسبوقة، ويرزحون تحت وطأة ارتفاع متصاعد في أسعار الخدمات والسلع الأساسية. ناهيك عن التضييق المفروض على الحريات، وتكريس نمط الحكم بقبضة من حديد، وهو ما يتجلى مع وضع عشرات الآلاف من الشباب في السجون.

وفي وقت تحتجز فيه الأجهزة الأمنية، رئيس أكبر هيئة رقابية (الجهاز المركزي للمحاسبات) المستشار هشام جنينة، الذي تم إرجاء محاكمته، من يوم أمس الثلاثاء إلى جلسة مقبلة في 21 يونيو/حزيران الحالي، يعتبر السيسي أن يد الأجهزة الرقابية غير مُكبّلة، وذلك بعدما عزل جنينة من منصبه، لمعاقبته على كشفه عمليات فساد تقدر بـ 600 مليار جنيه في أجهزة الدولة، وعيّن محلّه رئيس نيابة "أمن الدولة" هشام بدوي.

يريد السيسي، أن يدافع عن أدائه، وأجرى، لهذه الغاية، حديثاً إعلامياً مطولاً، مساء الجمعة الماضي، تحت عنوان "إنجازات أو عامين لحكمه". لكن المواقف التي طرحها تثير جدلاً واسعاً وانتقادات في أوساط مصرية متنوعة. فماذا يتضمن حديث رئيس النظام المصري، وكيف يرد عليه الناشطون السياسيون؟

لم يتردد السيسي عن توجيه انتقادات وتحذيرات للإعلام المصري. يقول إنه لا توجد دولة في العالم بدون قيادة للإعلام مثل مصر، وإنه لا بد من ضبط الأداء الإعلامي حتى يحقق دوره الأمثل. ويكشف من جهة أخرى، عن أن إنجاز "تفريعة" قناة السويس لم يكن بدوافع اقتصادية وإنما "لرفع الروح المعنوية للشعب". كذلك، يؤكد السيسي مباركته لاستيلاء القوات المسلحة على مساحة 2 كيلومتر من جانبي جميع الطرق المصرية، ويكشف عن تخطيطه المسبق لأحداث "30 يونيو" من العام 2013، والتي عزل على أثرها الرئيس، محمد مرسي، عندما كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك.

في المقابل، يرى البرلماني اليساري، عبدالحميد كمال، أن السيسي عمد إلى تجاهل التطرق لأزمة الغلاء الطاحنة للفقراء، وارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات، على الرغم من كونها القضية الأهم في الوقت الراهن، وكان ينتظر المصريون إجابات عنها، مشيراً إلى أن الكلام عن الإعلام المنضبط "ولى من العالم أجمع، فلم يعد هناك ما يسمى بالإعلام الموجه". ويضيف، في تصريح خاص، أن السيسي تجاهل، أيضاً، تفاقم أزمة البطالة في صفوف الخريجين الجامعيين، وعدم وجود فرص عمل في ظل إعلان الحكومة عن وقف التعيينات، الأمر الذي يتسبب بتفاقم الأوضاع نحو الأسوأ، ويدفع الشباب إلى الموت في قوارب الهجرة السرية. ويرى كمال أنه لا بد من وجود نظرة "رئاسية" إلى ملف الشباب المصري، لا سيما وأن الواقع لا يلبي حاجاتهم.


تشريعات لتقنين الفساد

وعلى مدى عامين في الحكم، تم إصدار نحو 300 تشريع في غياب أي دور فعلي للبرلمان. بل إن السيسي تمكن من تمريرها كلها أمام مجلس النواب، أثناء انعقاده في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وسط اعتراضات محدودة على بعض القوانين، وفي ظل رفض قانون الخدمة المدنية، الذي ينظم شؤون العاملين بجهاز الدولة الإداري، ويستثني جميع الأجهزة السيادية من الخضوع لنصوصه. وكان من أبرز تشريعات السيسي التي "بصم" عليها البرلمان: عزل رؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة، وتعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بقرار من رئيس الجمهورية، بدلاً من انتخابهم، وتحديد حالات فصل عضو هيئة التدريس، وحظر العمل الحزبي داخل الجامعة، ومعاقبة أساتذة "الأزهر" بالعزل، كعقاب لهم على اشتراكهم في مظاهرات.

بالإضافة إلى ذلك، هناك ثلاثة قوانين، أقدم السيسي على إصدارها، وتنص على زيادة المعاشات العسكرية، أولها بنسبة 10 في المائة، والثاني بتثبيت الزيادة السنوية بواقع 10 في المائة، والثالث بزيادة معاشات عام 2007 بنسبة 5 في المائة. ولم يتردد رئيس النظام المصري عن إنشاء صندوق تحت اسم "تحيا مصر"، تُدار من خلاله مليارات غير معلومة المصدر، تُجمع من رجال أعمال، ولا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات. فضلاً عن ذلك، هناك قانون مثير للجدل يتمثل باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية وجهازي الاستخبارات من مبدأ إلزام أجهزة الدولة بتفضيل المنتجات المصرية فى إبرام العقود الحكومية. يضاف إليه التعديل الذي يطاول قانون الأسلحة والذخيرة باشتراط ضرورة موافقة وزارة الدفاع، بدلاً من وزارة الداخلية، على استيراد الأسلحة من خارج البلاد، وقانون الشرطة باختصاص القضاء العسكري، دون غيره، بالفصل فى جميع الجرائم التي تقع من المجندين الملحقين بخدمة هيئة الشرطة.

ولا تقف قوانين السيسي عند هذا الحد. بل تصل إلى قانون يجيز تسليم المتهمين الأجانب إلى بلادهم في أي من مراحل التقاضي، وقانون يسند حماية المنشآت والمرافق العامة إلى القوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة، فضلاً عن تعديل قانون المرور ليسمح بتسيير المقطورات المخالفة. كذلك، بات القانون المصري ينص على إخضاع صافي الربح الذي يحققه المواطن المصري خارج بلاده للضريبة، كما بات ينص من جانب آخر على رفع الضريبة على المشروبات الروحية والتبغ والسجائر.

تمرير القوانين أو "الحل"

في هذا الصدد، يقول مصدر برلماني مطلع لـ"العربي الجديد"، إنه لا يمكن القول بوجود معارضة حقيقية تحت القبة النيابية، فجميع النواب كانوا على علم بقواعد اللعبة الانتخابية، التي أُديرت بواسطة أجهزة الأمن، وقبلوا بالمشاركة بها، مؤكداً أن "البرلمان لن يصطدم مع الرئيس، لضمان بقائه، واستمراره حتى نهاية دورته البرلمانية في 2021". ويوضح المصدر "الرئيس أصدر تعديلاً تشريعياً قبل انعقاد المجلس النيابي مباشرة، ألغى من خلاله قراراً سابقاً للرئيس المؤقت، عدلي منصور، بفصل المحكمة الدستورية في جميع الدعاوى والطعون المقدمة بشأن مجلس النواب قبل انعقاده، ما يظهر نيّة رأس النظام لتهديد المجلس دوماً بورقة (الحل)، خاصة في ظل وجود أكثر من مائة طعن بحق النواب في أدراج المحكمة". ويشير المصدر إلى أن الرسالة واضحة لنواب المجلس: إما تمرير الاتفاقات والقرارات الرئاسية، وقوانين الحكومة أو حل البرلمان، ما يدفع النواب إلى تمرير القوانين، حفاظاً على كراسيهم، التي وصلوا إليها بعد صرف الملايين من الجنيهات، ما بين الدعاية الانتخابية، وشراء أصوات الناخبين، ومنعاً لتكرار سيناريو حل المجلس السابق بعد خمسة أشهر من انعقاده في العام 2012.

لطالما خالف المجلس الحالي الأعراف والسوابق البرلمانية. فرئيسه علي عبدالعال، الذي اختارته الأجهزة الأمنية من خلال تحالف "دعم مصر"، لا يشعر بأي حرج بإظهار انحيازه لمواقف للحكومة، والدفاع عن وزرائها، أو حديثه المستمر عن "المؤامرات" التي تُحاك ضد السيسي، وضرورة وقوف البرلمان إلى جانبه، وهو أداء بعيد كل البعد عن مبدأ الفصل بين السلطات الذي ينص عليه الدستور المصري.

والحالات التي ينتهك فيها الدستور لا تحصى، خلال الأشهر الماضية: من إسقاط عضوية النائب والإعلامي، توفيق عكاشة، لانتقاده أداء السيسي عبر برنامجه السابق، إلى التهديد، الذي وجهه عبدالعال لأي نائب ينتقد السياسات النقدية للحكومة في وسائل الإعلام، بالإحالة للجنة القيم، إلى إعادة مناقشة قانون "الخدمة المدنية"، تمهيداً لإقراره، في حين تنص المادة (122) من الدستور على "عدم جواز تقديم الحكومة مشروع قانون أو اقتراح بقانون، رفضه المجلس في دورة الانعقاد نفسها".

ويتجه البرلمان حالياً إلى الموافقة على موازنة الدولة الجديدة، التي أقرها السيسي وحكومته بمخالفة دستورية صارخة، إذ تنص المادتان (18) و(19) على أن تلتزم الدولة ابتداءً من موازنة 2016-2017، برفع الإنفاق الحكومي على مجالات الصحة والتربية والتعليم العالي والبحث العلمي، بواقع 10 في المائة من الناتج القومي الإجمالي. ورفعت حكومة السيسي بند الأجور بواقع 10 مليارات جنيه (حوالى مليار دولار)، لكن جميع هذه المخصصات ذهبت إلى وزارات الدفاع، والداخلية، والعدل، وخفضت في المقابل النسبة الدستورية المقررة لقطاعي الصحة والتعليم بواقع مائة مليار جنيه، تحت ذريعة وجود عجز في الموازنة يبلغ 309 مليارات جنيه.