من أجل تجميل المشهد تم استدعاء حمدين صباحي لحلبة السباق الرئاسي حتى لا يصبح نجاح السيسي بالتزكية، وقد وصف حمدين بسبب ذلك الاستدعاء بأنه يقوم بدور "الكومبارس" لمسرحية الانتخابات الهزلية، وكان بديهياً أن يتحصل حمدين على هزيمة معنوية ساحقة كان يعلم بها الجميع قبل بدء الانتخابات.
انتخابات 2012 الحقيقية التي شارك فيها 13 مرشحاً رئاسياً؛ لم تُعرف نتائجها إلا في اللحظات الأخيرة في مرحلتيها، بينما كان مشهد انتخابات الرئاسة في 2014 مختلفاً تماماً، فلا يوجد سوى مرشح واحد يمتلك كافة أشكال النفوذ لحسم الأمر وهزيمة الخصم بل تحطيمه؛ فهو الحاكم بأمره في رقاب كل من يعارضه.
على الرغم من التمهيد التام لفوز السيسي بالانتخابات، جاءت نسبة المشاركة مخيبة لآمال أنصاره، فغابت طوابير الانتخابات التي شهدتها مصر بعد ثورة 25 يناير، ولم تفلح عمليات الإخراج التلفزيوني والمونتاج في تجميل المشهد القبيح جداً، وكان تفسير الأمر يتراوح بين عدم جدوى الذهاب لانتخابات محسومة سلفاً، والإحباط الذي يسيطر على القطاعات التي تؤمن بدور الانتخابات الحقيقية –وليست الصورية- في عملية فرز سياسي حقيقي يعود على البلاد بالنفع.
ورغم قدرة نظام 30 يونيو (حزيران) على التحكم في إصدار الأرقام التي يريدونها لنتائج العملية الانتخابية، فإن مشهد اللجان الخاوية كان مخجلاً، وأكبر من إمكانية احتوائه أو تبريره، وقد بدأ ذلك بالانتخابات التي عقدت في الخارج التي كانت أكثر انكشافاً ووضوحاً، لذا قررت لجنة انتخابات الرئاسة مدّ أيام تصويت المصريين بالخارج لمدة 24 ساعة؛ وكانت حجة لجنة الانتخابات الرئاسية في ذلك أن قرارها جاء بسبب الارتفاع الحاد في نسبة إقبال المصريين بالخارج على التصويت في مقرات الاقتراع، وهي حجة تدل على حالة الغياب التام عن واقع الأمر أو التضليل الفاجر الذي لا يعبأ بعقل الجماهير.
الأجواء المتحيزة التي سبقت الانتخابات في المحافظات المصرية دفعت بعض الهيئات الدولية إلى عدم الحضور لمراقبة الانتخابات مثل مؤسسة كارتر الحقوقية. وكان من أبرز تلك الانتقادات ما كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" بقولها: "خلال العقود الثلاثة الماضية، بنى مركز كارتر في أتلانتا لنفسه سمعة واحتراما كمركز يدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وأرسل المركز مراقبين لـ 97 انتخابا في 38 دولة، وعمل على إقناع الحكومات لاحترام الحرية وحقوق الإنسان، ودعم المواطنين الذين يدافعون عن هذه المبادئ، لكن المركز قرر الانسحاب من مصر".
ومع بدء توقيت الانتخابات في مرحلتها الأولى، بدا العزوف واضحاً لدرجة أفزعت رجال النظام، وقد أطلق النشطاء وسم (#محدش_راح) الذي تصدر المرتبة الأولى في تويتر. مقابل ذلك طافت مكبرات الصوت في الشوارع وفي القنوات الإعلامية الموالية للنظام العسكري لتحذر المواطنين من مغبة عدم الذهاب للاقتراع، وتخويفهم بغرامة تصل إلى 500 جنيه لكل من لا يذهب إلى لجنته الانتخابية. كان المطلوب أن تظهر الحشود أمام اللجان الانتخابية دفعاً للحرج الذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية والمحلية بسخرية كبيرة، بعد مقارنتها بانتخابات 2012 التي فاز فيها الرئيس المعزول محمد مرسي، والذي زعم نظام 30 يونيو/ حزيران أن خلعه من السلطة بعد عام واحد من الحكم وإلقاء القبض عليه جاء وفقاً لمتطلبات شعبية!
أنصار النظام من الإعلاميين لم يتركوا فرصة للأرقام، فقد استبقوا الأحداث، وأعلنوا إحباطهم من ضعف الإقبال. أحد القضاة المشرفين على اللجان أجاب في إحدى الفضائيات على سؤال عن مدى التجاوزات في لجنته بقوله: "مفيش ناخب جاء اللجنة أصلاً علشان يحصل تجاوزات".
وبدا التوتر واضحاً في صفوف الإعلاميين النظاميين، فمصطفى بكري يقول: "إحنا في حالة حرب، ونسبة المشاركة هي العنوان، وإلا البلد هتدخل في مشاكل كبيرة، ولو النسبة ما كانتش كبيرة هندخل في مشاكل من أعداء الخارج وخونة الداخل، وعلى الشعب أن يتحمل مسؤوليته... من لم ينزل الانتخابات يعطي قبلة الحياة للإرهابيين، وبتدي الأمريكان والغرب مبرر للتعليق على 30 يونيو (حزيران)... إطلع حتى لو هتقول مش عايز الاثنين المرشحين، بس اطلع، واللي ميطلعش خاين".
تخوين بكري للمواطنين العازفين لم يكن التطاول الوحيد على الشعب الذي عاقب النظام بهذا المشهد السلبي، فعمرو أديب قال نصاً للجماهير العازفة: "قعدتوا ٦٠ سنة قارفينا في عيشتنا وبتقولوا مش عارفين نعبر عن رأينا"، بينما قال توفيق عكاشة ساخراً ومحبطاً: "أن الشعب المصري سعيد أن الأقلام بتنزل على قفاه". وقد قال عمرو أديب "إن معنى ضعف الإقبال أن نُخرج محمد مرسي من السجن ونعيده للحكم، لأن الشعب لم يكن موافقا على خارطة الطريق".
في اللحظات الأخيرة لليوم الثاني تعلن اللجنة العليا للانتخابات مدّ يوم ثالث بحجة أن حرارة الجو منعت الناخبين من النزول! وتعلن الدولة عن عطلة رسمية في المصالح الحكومية، لكن يظل الوضع هادئاً جداً أمام اللجان، ولكن قبيل إغلاق اللجان بأقل من ساعتين يتفتق ذهن إدارة الأزمة عن فكرة حشد مجموعة من الأنصار المعروفين باسم (المواطنين الشرفاء) لصناعة زحام مفتعل أمام بعض اللجان القليلة التي تم توجيه كاميرات الفضائيات نحوها، ليتحول الخطاب الإعلامي في اللحظات الأخيرة لشكر الجماهير الغفيرة التي احتشدت في اللحظات الأخيرة والتصويت للمشير عبد الفتاح السيسي بنسبة تقترب من 97% من أصوات الناخبين بما يزيد عن 23.5 مليون ناخب، فيما يحصل منافسه الوحيد حمدين صباحي على 3% بأقل من 750 ألف صوت، علماً بأن الأصوات الباطلة قد تجاوزت المليون، وهو الذي حصل – سابقاً- بشرف كبير على المركز الثالث في انتخابات 2012 بعدد أصوات تجاوز 4 ملايين و800 صوت بنسبة (20.72%)!