أحاطت الإخفاقات بالمشروعات والخطط الاقتصادية الرئيسية، التي أدرجها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضمن رؤية 2030 التي طرحها قبل نحو عامين وروج لها على أنها مستقبل السعودية، ما دعا مؤسسات مالية وبحثية عالمية إلى تبني مواقف أكثر تشاؤمية لمستقبل المملكة في ظل الفشل المتوالي على الصعيد الاقتصادي واستنزاف موارد الدولة.
وأظهرت العديد من التقارير الدولية، فشل 5 مشروعات وخطط ضخمة على رأسها إلغاء طرح حصة من شركة أرامكو عملاق النفط السعودي في أسواق المال العالمية، ما أدى إلى توجيه ضربة قاسية لرؤية بن سلمان، ما دعا وكالة بلومبيرغ الأميركية إلى نشر تقرير قبل نحو شهرين تطالبه فيه بأن "يفكر على قدر حجمه".
كما يحيط الغموض بمشروع ضخم للطاقة الشمسية بنحو 200 مليار دولار رغم التصريحات السعودية باستمراره، فيما تؤكد بيانات رسمية استدانة صندوقها السيادي المليارات من الأسواق الدولية.
وتسببت خطة عشوائية لسعودة الوظائف بشكل موسع في أضرار للقطاع الخاص وانحسار الاستثمارات المحلية والأجنبية، فيما أدى التراجع عن خصخصة الكثير من المشروعات إلى تعزيز شكوك المستثمرين في قدرة بن سلمان على الوفاء بوعوده لتنويع الاقتصاد.
وبينما رفعت رؤية 2030 شعار تنويع موارد الدولة وجذب المزيد من رؤوس الأموال وإنعاش الاقتصاد، كشفت الأرقام الرسمية وصول الدين العام للمملكة إلى مستويات تاريخية، بعد أن قفزت بنحو 1200% في غضون أربع سنوات، كما تحولت المملكة الغنية بالنفط من الفائض المالي إلى العجز رغم الاقتراض غير المسبوق.
مساء الأحد الماضي، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، على موقعها الإلكتروني، أن السعودية علقت خطة بقيمة 200 مليار دولار مع مجموعة "سوفت بنك" اليابانية، لبناء أكبر مشروع لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في العالم.
لكن خالد الفالح وزير الطاقة السعودي، قال في تصريحات، أمس الأربعاء، إن المملكة لم تجمد مشروع الطاقة الشمسية مع "سوفت بنك"، وهو ما أشارت إليه المجموعة اليابانية، لكن مصادر وول ستريت أكدت أن "الجميع يتمنى أن تموت هذه الفكرة من أصلها"، باعتبار أن بناء مرفق ضخم بهذه التكلفة الهائلة يعني أن السعودية تخصّص مبالغ باهظة جداً للطاقة الشمسية، فيما يشهد العالم تطوراً مستقبلياً لتقنيات أخرى.
وقبل أشهر عدة توالت تأكيدات المسؤولين السعوديين بمن فيهم ولي العهد، حول استمرار خطة طرح حصة من شركة أرامكو في أسواق المال العالمية، لكن وكالة رويترز خرجت منتصف أغسطس/آب الماضي لتنقل عن مصادر عدة إلغاء الطرح وهو ما نفاه مسؤولون سعوديون منهم وزير الطاقة الفالح، قبل أن يعلن الملك سلمان بن عبد العزيز نهاية نفس الشهر إيقاف الطرح ويطوي فصلا طويلا من رؤية ولي العهد.
ونشرت وكالة بلومبيرغ الأميركية مقالا في الثامن والعشرين من أغسطس/آب، بقلم بوبي جوش تحت عنوان "فكّر على قدر حجمك"، أشار فيه إلى أن ولي العهد انطلق في الاتجاه الخاطئ، عندما قرّر الإعداد لبيع أسهم شركة النفط العملاقة.
ولفتت إلى أن هذه الخطة كانت طموحة للغاية، إذ بلغت قيمة الشركة نحو تريليوني دولار، وكان مقرراً أن يتم الاكتتاب الضخم في نحو 5% من الأسهم خلال هذا العام، في إطار خطة يعتبرها ولي العهد إصلاحا لاقتصاد بلاده، بينما بدا بن سلمان نفسه مشتتاً بمسائل بعيدة كل البُعد عن الإصلاح.
وبالإضافة إلى غموض مشروع الطاقة الشمسية وفشل طرح أرامكو، جاء الإخفاق في مشروعات الخصخصة ليزيد من الضربات لرؤية بن سلمان. وأوردت وكالة بلومبيرغ، في تقرير لها في العشرين من سبتمبر/أيلول، أن خطة الخصخصة بأسرها أصبحت في دائرة التباطؤ، وأن تعثّر رؤية ولي العهد محمد بن سلمان ليس محصوراً فقط بتعليق الطرح الأولي لشركة أرامكو في الأسواق العالمية، فيما تُنذر برامج الخصخصة بتداعيات سياسية لمخالفتها العقد الاجتماعي القائم أصلاً على التوظيف في القطاع العام.
وأشارت بلومبيرغ إلى أن برنامج الخصخصة هو جزء من رؤية ولي العهد محمد بن سلمان (2030) للتحوّل الاقتصادي، بما تتضمّنه من تصوّر لبيع حصص في الموانئ والسكك الحديدية والمرافق والمطارات، لافتة إلى أن تأخير الخصخصة يثير تساؤلات حول مدى جدية الحكومة بالإصلاح، وما إذا كانت الأهداف التي رسمتها واقعية أصلاً.
واقترب الإخفاق أيضا من خطة بن سلمان إلى نشر السعودة (توطين الوظائف)، والتي تضمنت زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22% إلى 30%، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6% إلى 7%.
لكن وفقاً لتقرير أصدرته الهيئة العامة للإحصاء، فإن معدل البطالة بين السعوديين بلغ 12.9% في الربع الأول من 2018، فيما ذكر عضو مجلس الشورى فهد بن جمعة، في تصريحات صحافية مؤخرا، أن نسبة البطالة الحقيقية تصل إلى 34%.
وفي مقابل التوظيف الشكلي، تسبب توسع المملكة في تسريح العمالة الوافدة في أضرار كبيرة لقطاعات التجزئة والشركات الكبرى العاملة في هذا المجال، إذ سرحت المملكة أكثر من 1.1 مليون عامل في الفترة من مطلع 2017 حتى منتصف العام الجاري وفق البيانات الرسمية.
وجاء تزايد الديون إلى مستويات غير مسبوقة ليزيد من الشكوك حول رؤية بن سلمان، حيث كشفت بيانات صادرة عن وزارة المالية السبت الماضي، أن الدين العام للمملكة، قفز بنحو 1200%، في غضون أربع سنوات، ليصل وفق تقديرات الوزارة بنهاية 2018، إلى 576 مليار ريال (153.6 مليار دولار)، مقابل 11.8 مليار دولار نهاية 2014.