مقتل خاشقجي يدخل الاقتصاد السعودي في النفق المظلم

25 أكتوبر 2018
بن سلمان يضع السعودية في مأزق (Getty)
+ الخط -

يواجه الاقتصاد السعودي أزمة حقيقية بعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول بداية الشهر الجاري، وما تلاه من إنكار النظام السعودي لارتكاب الجريمة البشعة ثم تقديمه روايات متناقضة لم يصدقها رجال المال والأعمال أو قادة العالم.

وتنتظر العديد من الدول بما فيها أميركا، التحقيقات الجنائية الجارية لمعرفة الجناة الحقيقيين المتورطين في هذه الجريمة، لتحديد العقوبات المتوقعة على الرياض. وحتى الآن تطالب لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي باتخاذ إجراءات صارمة في إطار "قانون ماغنيتسكي"، كما أثار أعضاء مجلس الشيوخ مسألة فرض حظر على بيع الأسلحة الأميركية للسعوديين.

وربما تعطي المقاطعة الواسعة من قبل الدول الكبرى والمصارف العالمية والشركات ذات الوزن الثقيل لمنتدى الاستثمار السعودي الذي اختتم أعماله أمس الخميس مؤشراً، للكيفية التي سيتعامل بها المجتمع الدولي مع السعودية، خاصة إذا تمت إدانة محمد بن سلمان بالتورط في جريمة الاغتيال. 


وحتى الآن من غير المعروف كيف ستتفاعل قضية اغتيال خاشقجي أو إلى أين ستصل العقوبات الدولية المتوقعة على السعودية، لكن الزميلة بمعهد "أميركان انتربرايز انستيتيوت" وخبيرة الشؤون العربية، كارين يونغ، ترى أن مقتل خاشقجي ستكون له تداعيات على الاقتصاد السعودي والعديد من اقتصاديات المنطقة لسنوات عديدة.

وربما تكون تقصد بذلك حلفاء السعودية من دول الحصار على قطر التي اصطفت لجانبها في هذه الجريمة البشعة. ومن المتوقع وفقاً لتحليلها أن يكون الاقتصاد السعودي أول ضحايا هذه الجريمة البشعة.

في هذا الصدد، تقول يونغ، في مقال بصحيفة "واشنطن بوست"، إن مقتل خاشقجي ستكون له تداعيات خطيرة على رؤية ولي العهد السعودي بن سلمان، التي أطلق عليها "رؤية التحول الاقتصادي 2030". وتعتمد الخطة على التحول الاقتصادي من الاعتماد على إيرادات النفط في الإنفاق والتي تشكل حالياً حوالى 85% من الميزانية السعودية.

وتعتمد هذه الخطة على مجموعة من الأهداف، أهمها تنمية وتحديث القطاع الخاص حتى يصبح من مكونات مصادر الدخل الأساسية في المملكة. وتنبع أهمية القطاع الخاص بالنسبة للاقتصاد السعودي من نقطتين، الأولى تحويل أعباء التوظيف من مؤسسات الدولة إلى الشركات والأعمال التجارية الخاصة، والثانية توفير إيرادات للدولة عبر الضرائب.

بالنسبة للتوظيف، ترتفع نسبة البطالة في السعودية التي يقدر عدد سكانها بحوالى 32.6 مليون نسمة، ويبلغ عدد المواطنين تحت سن 35 حوالى 10 ملايين نسمة، وهم الشباب، كما تقدر نسبة البطالة بحوالى 12.9%. وذلك وفقاً للاحصائيات السعودية الرسمية.

ويرى محمد بن سلمان، في خطابه مساء الأربعاء بمنتدى الاستثمار، أنه ينوي خفض هذه البطالة إلى 7.0% بحلول العام 2030، أي موعد تحقيق الرؤية التي لم يتبق لها سوى 12 عاماً. ولكن  من أين ستأتي الوظائف الجديدة؟

فالقطاع الخاص السعودي يعاني من انكماش مستمر ويعتمد على الانفاق الحكومي والمستثمرون يفتقرون للضمانات القانونية وأمان أموالهم وسط الضربات الموجعة التي وجهها ولي العهد لهم خلال العامين الماضي والجاري.

ويقول تقرير لرويترز في بداية الشهر الجاري، إن القطاع الخاص، الذي تعول عليه السعودية لتوفير الوظائف وخفض معدلات البطالة بين المواطنين، لا يزال بطيئاً تحت ضغط خطوات التقشف ومساعي توظيف المزيد من السعوديين. وأضافت أن القطاع الخاص لم ينمُ سوى بـ 1.8% في الربع الثاني من العام الحالي، في وقت بلغت البطالة بصفوف السعوديين مستوى قياسياً عند 12.9%.

ولاحظت تقارير غربية، من بينها صحيفة " فاينانشيال تايمز"، أن الشركات الخاصة السعودية تضررت بشدة من زيادات ضريبية وخطوات أخرى لتقليص عجز الموازنة الحكومية، ومن حصص ورسوم تعيين العمال الأجانب.

على صعيد البطالة، أوضح عبدالحميد العمري، عضو جمعية الاقتصاد السعودية، أن نسبة البطالة ارتفعت خلال الفترة الماضية بين الشباب والجامعيين. أشار العمري، خلال لقائه ببرنامج "يا هلا" السعودي أمس الخميس، أن هناك مليون وافد خرجوا من المملكة العام الماضي، ورغم ذلك لم يدخل سوق العمل سوى 72 ألف سعودي فقط.

وأكد العمري أن الوظائف التي خرج منها الوافدون لا يمكن للسعودي أن يتوظف فيها؛ لأن أغلب الوظائف التي تركت هي لمن شهاداتهم متوسطة فما دون؛ بينما الباحثون عن فرص عمل من السعوديين حاصلون على شهادات جامعية.

ولاحظت تقارير غربية، أن الأموال تهرب من السعودية وتبحث عن منافذ خارج السعودية في عواصم غربية مثل لندن وزيورخ وأميركا. وفي أعقاب سجن ومصادرة وتجميد أموال كبار الأثرياء والأمراء في السعودية فيما عرف "اعتقالات الريتز"، تخوف العديد من الأثرياء وهرعوا لإخفاء ثرواتهم وعدم الدخول في استثمارات جديدة خوفاً من أن يطاولهم سيف المصادرة أو حتى المراقبة.

وحسب تقرير لمصرف "جي بي مورغان" الأميركي، فإن حوالى 80 مليار دولار هربت من السعودية في العام الماضي. ومن المقدر أن تتضاعف هذه الكمية في أعقاب مقتل خاشقجي ومقاطعة رجال المال والشركات العالمية لممنتدى الاستثمار في السعودية.

كما تعتمد تنمية القطاع الخاص على تدفق الاستثمارات الأجنبية والشراكات التجارية، خاصة شركات التقنية الأميركية والعالمية التي قاطع معظمها مؤتمر الاستثمار الحالي. ولكن يلاحظ أن الشركات حالياً تقاطع السعودية ولا ترغب في المخاطرة باستثمارات جديدة، وحتى الصناديق التي كانت مستثمرة في البورصة السعودية، بدأت تهرب وسحبت حتى الأسبوع الماضي حوالى مليار دولار من السوق وفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ.

وحسب رويترز، قال نديم الناصر، الرئيس التنفيذي لمشروع نيوم السعودي أمس الخميس، إن المشروع ما زال ماضياً مع الشركاء المحتملين برغم تداعيات مقتل خاشقجي، إلا أن هذه التصريحات لا يأخذها مجتمع المال والتقنية العالمي مأخذ الجد بعد انسحاب صندوق "سوفت بانك" من المؤتمر، وهو أحد أهم أركان هذا المشروع.

إلى جانب عزوف المستثمرين ومقاطعتهم للاستثمار في السعودية، من المتوقع أن تواجه السعودية مشاكل جديدة على صعيد زيادة نفقات خدمة الديون السيادية التي أصدرتها في شكل سندات أو زيادة في معدلات فائدة الإقراض بالنسبة للديون الجديدة.

ومن المتوقع أن يصل الدين العام المستحق على السعودية بحلول نهاية العام الجاري 2018، إلى 576 مليار ريال (153.6 مليار دولار)، وأن يرتفع إلى 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار) في نهاية 2019، بزيادة تبلغ نسبتها 17.7% عن العام الجاري، وذلك وفقاً للأرقام الرسمية السعودية.
في هذا الصدد، أظهرت بيانات "آي.اتش.إس ماركت" في الأسبوع الماضي، أن عقود مبادلة مخاطر الائتمان السعودية، التي يشتريها المستثمرون للتحوط في مواجهة مخاطر التعثر في السداد، ارتفعت إلى مئة نقطة أساس للمرة الأولى منذ يونيو/ حزيران. وهذا مؤشر خطر سيجعل المستثمرين يترددون مستقبلاً في شراء السندات السعودية.

والسعودية دولة غنية نفطياً، تصدر حوالى 7 ملايين برميل يومياً، ومن المقدر أن يبلغ دخلها من النفط خلال العام الجاري حوالى 224 مليار دولار، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. كما أن لدى السعودية استثمارات تقدر بحوالى 557 مليار دولار في السوق الأميركي، مستثمر حوالى 60% منها في سوق الأسهم، ولديها استثمارات في سندات الخزانة الأميركية تقدر بحوالى 169.5 مليار دولار، إلا أن معدل إنفاقها المرتفع على الحرب في اليمن وكلف الأمن ترهق الاقتصاد السعودي وتجعله في حال عجز دائم.

وتقدر كلف الحرب باليمن وحدها بمبالغ تراوح بين 6 و8 مليارات دولار حسب تقديرات صحيفة فاينانشيال تايمز، لكن مجلة الإيكونومست البريطانية تضع تقديراً أعلى من ذلك، وبالتالي فإن اغتيال خاشقجي بهذه الوحشية والتداعيات المتوقعة من العقوبات ربما تضع الاقتصاد السعودي في أزمة حقيقية.
المساهمون