عام من تطويق الحصار... قطر تعزّز الانفتاح على العالم وتنوع الاقتصاد

04 يونيو 2018
ميناء حمد ساعد قطر في تجاوز الحصار(معتصم الناصر/العربي الجديد)
+ الخط -

استيقظ الجميع في الخامس من يونيو/ حزيران 2017 على وقع صدمة دق 4 دول عربية طبول الحرب وإعلانها حصار قطر، وكان أول رد فعل من السكان هو الخوف على إمداداتهم الغذائية فسارعوا للحصول عليها من كل حدب وصوب، وعلى الجانب الآخر ارتبكت الأسواق التجارية، وتحول مؤشر البورصة للأحمر، وسيطر القلق على كل القطاعات الاقتصادية.

هذه الحالة التي خيمت على الشارع القطري في هذا اليوم الذي مر بطيئاً وثقيلاً على الجميع لم تدم طويلاً، حيث كان رد فعل الأجهزة الحكومية المختصة سريعاً، فبعثت رسائل طمأنة للسكان والأسواق والمستثمرين وتحركت في مختلف الاتجاهات من أجل امتصاص الصدمة، بل وتحويل المحنة إلى منحة.

وخلال فترة وجيزة استطاعت الدوحة أن تبطل سلاح الحصار التجاري الذي استخدمته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضدها، حيث أغلقوا الحدود البرية والبحرية والجوية مع قطر وأوقفوا مختلف التعاملات معها. ولم تكتف الدوحة بحل المشكلات التجارية والاقتصادية العاجلة التي ترتبت على الحصار وإنما وضعت سيناريوهات وخططاً طويلة المدى لحماية كافة القطاعات وتطويرها وتوسيعها رغم الصعوبات التي ولّدتها المتغيرات الجديدة.

الاكتفاء الذاتي

مع بدء الحصار تحركت الدوحة بشكل سريع من أجل توفير الاحتياجات الضرورية عبر إيجاد بدائل تجارية من أجل ضبط الأسواق، فقامت بتكثيف الاستيراد وتنويع مصادره، إذ اتجهت إلى سلطنة عمان وتركيا وإيران والهند وماليزيا ودول أخرى، ما أحدث استقراراً سريعاً في الأسواق وتوازناً في الأسعار. 
وخلال فترة قصيرة وقعت قطر عشرات الاتفاقات التجارية وفتحت خطوطاً ملاحية جديدة مع هذه الدول. وأعلنت 135 شركة عمانية عقب الحصار مباشرة، عن تحركها لتصدير منتجاتها إلى الدوحة، كما بدأت تركيا عقب الحصار في إرسال بواخر محمّلة بمختلف السلع، وفي أغسطس/ آب الماضي، وقعت كل من قطر وتركيا 15 اتفاقية تعاون في الأدوية والغذاء والإنشاءات.

ولم تكتف قطر، خلال عام من الحصار، بتغطية احتياجات أسواقها عبر الاستيراد، بل سعت نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي للعديد من السلع الضرورية، وضخت الحكومة والقطاع الخاص استثمارات كبيرة في المجال الزراعي، وتم إنشاء مشروعات ثروة حيوانية وألبان.

وحسب تقارير رسمية، اتجهت قطر إلى تفعيل عمل المزارع التي يبلغ عددها نحو 1400 مزرعة حالياً، كما تستهدف الحكومة الوصول بها إلى نحو 3 آلاف مزرعة خلال السنوات المقبلة، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من العديد من السلع الزراعية.

واستوردت قطر أبقاراً من أجل إقامة مزارع تحقق من خلالها الاكتفاء الذاتي من الألبان. واستقبل ميناء حمد الدولي، جنوب الدوحة، في شهر مارس/ آذار الماضي، الشحنة الثانية من أبقار "الهولشتاين"، والبالغ عددها 3200 بقرة، وكانت أول شحنة من الأبقار وتعدادها 4000 بقرة قد وصلت إلى الدوحة منتصف يوليو/ تموز 2017.

كما فتحت قطر ميناء حمد رسمياً في سبتمبر/ أيلول الماضي، وحسب تقارير رسمية، تصل الطاقة الاستيعابية الإجمالية للميناء إلى نحو 7.6 ملايين حاوية سنوياً. وأكد وزير المواصلات والاتصالات القطري جاسم بن سيف السليطي، في تصريحات سابقة، أن ميناء حمد يستحوذ حالياً على 27% من التجارة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
وقال نائب رئيس غرفة قطر السابق، عبد العزيز العمادي، لـ"العربي الجديد"، إن الدوحة حولت المحنة إلى منحة، حيث استطاعت تنويع مصادر الاستيراد، كما عزّزت من إنتاجها الوطني واقتربت من تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع.

وأضاف العمادي أن الدوحة قدمت العديد من التسهيلات للمستوردين من أجل سد احتياجات البلاد من السلع، كما قدمت حوافز لتشجيع الصناعات الغذائية، ما أدى إلى زيادة أعداد المصانع بصورة ملحوظة خلال عام الحصار.

سلاح الغاز

منذ اليوم الأول من الحصار بدأت قطر تتحسس مواطن قوتها من أجل تعزيز حصونها في مواجهة حرب اقتصادية قد تدوم طويلاً مع الدول الأربع، واتجهت نحو تطوير قطاع الغاز، المصدر الرئيسي للإيرادات، إذ لم تكتف بالحفاظ على أسواقها التصديرية بل أعلنت عن خطة توسع في الإنتاج والتصدير.

وأعلنت قطر عقب الحصار مباشرة، عن خطط لزيادة إنتاج الغاز من 77 مليون طن سنوياً إلى نحو 100 مليون طن، وعزّزت البلاد أسواقها التصديرية إلى مختلف دول العالم، ووقعت اتفاقية في نهاية شهر إبريل/ نيسان الماضي لتزويد فيتنام بما يصل إلى مليوني طن سنوياً من الغاز البترولي السائل والنافثا لمدة 15 عاما.

كما بدأت الدوحة بتصدير أول شحنة إلى بنغلاديش في الشهر قبل الماضي، وسلمت أيضاً أولى شحنات الغاز الطبيعي المسال لشركة "بافيليون غاز"، المملوكة بالكامل لشركة "بافيليون إنيرجي" في سنغافورة، يوم 8 إبريل/ نيسان الماضي.

وفي إطار خططها التوسعية في استثمارات الغاز، أعلنت شركة "قطر للبترول" الحكومية يوم 19 مارس/ آذار الماضي، التعاقد مع شركة "شيودا كوربورايشن" اليابانية لتنفيذ التصاميم الهندسية الأساسية للمنشآت البرية لمشروع توسعة وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال من حقل الشمال.

تماسك البورصة

دائما ما تكون أسواق المال هي الأسرع تأثراً بأي اضطرابات سياسية، ولذا اكتسى مؤشر بورصة قطر باللون الأحمر منذ اليوم الأول للحصار، وأغلق المؤشر يوم 5 يونيو/ حزيران 2017 على تراجع حاد بلغ 7.27% بواقع 720 نقطة، ليهبط إلى مستوى 9202 نقطة، بتداولات بلغت نحو 793 مليون ريال، ومع هذا الهبوط الكبير المؤثر بجلسة واحدة، انزعج المستثمرون الأجانب وبدأوا بالتخلص من الأوراق المالية التي بحوزتهم.

لكن سرعان ما قاومت بورصة الدوحة وتحركت في اتجاه عكسي للأزمة الخليجية واستطاعت أن تحافظ على استقرار الأداء وتحول المؤشر خلال أيام إلى اللون الأخضر مجدّداً، وبالأسهم ذاتها بدأت رحلة تعويض خسائرها. وساعدت على ذلك قوة الاقتصاد القطري وتوزيعات الأرباح الجيدة لأسهم الشركات والقوانين المحفّزة للاستثمار الأجنبي.
وفي هذا السياق، أكد المحلل المالي أحمد عقل، لـ"العربي الجديد"، أن ما حدث في بداية الحصار كان رد فعل طبيعياً من المستثمرين، ولا سيما مع تخارج العديد من المستثمرين الخليجيين والأجانب وموجة البيع الكبيرة التي أدت إلى نزول المؤشر إلى نحو 7700 نقطة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلا أن المؤشر عاد تدريجياً ليصل مع بداية العام الجاري إلى نحو 9000 نقطة.

وأشار عقل إلى أن الشركات حققت أرباحاً بزيادة نحو 1% في عام 2017 مقارنة بالعام السابق عليه، كما حققت الشركات أرباحاً بنسبة 3% خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وقال المحلل المالي إن أسباب استقرار البورصة القطرية تتمثل في الثقة المتزايدة بأداء الاقتصاد القطري ومعدلات النمو التي حققها رغم الحصار وتحسن التصنيف الائتماني وقوة الاحتياطي النقدي والنتائج الجدية للشركات المدرجة في البورصة وتوزيعات أرباحها، مشيراً إلى أن الشركات القيادية في السوق امتصت الضغوط التي ولّدها الحصار وساهمت في استقرار المؤشرات.

وتوقع وزير التخطيط التنموي والإحصاء القطري، صالح بن محمد النابت، في تصريحات سابقة، أن يحقق اقتصاد دولة قطر نموا عام 2018 بين 2 و3% رغم الحصار.

نمو المصارف

نجحت المصارف القطرية في تنفيذ خطط استراتيجية للتغلب على تداعيات الحصار، تركز في حماية القطاع من أي مخاطر وتوفير النقد الأجنبي وافتتاح فروع خارجية جديدة مع الاهتمام بالدول التي سيتم الدخول في تحالف اقتصادي معها، وأبرزها الكويت وسلطنة عُمان وتركيا.

وأكدت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" للأبحاث الاقتصادية، في تقرير صدر في شهر مارس/ آذار الماضي، أن القطاع المصرفي القطري تجاوز الآثار السلبية للحصار المفروض من بعض الدول العربية.

وأظهرت بيانات رسمية أن أصول البنوك التجارية القطرية قفزت على أساس سنوي بنسبة 9.1% في يناير/ كانون الثاني 2018، مقارنة بالشهر المماثل من العام الماضي.

وبحسب البيانات الصادرة عن مصرف قطر المركزي، ارتفعت الأصول المصرفية إلى 1.366 تريليون ريال (375.2 مليار دولار) في يناير الماضي، مقابل 1.252 تريليون ريال (344 مليار دولار) في الفترة نفسها من العام الماضي.

ووفق البيانات، قفزت ودائع القطاع الحكومي بنسبة 80.4% إلى 305.4 مليارات ريال (84 مليار دولار)، في يناير الماضي، مقابل 169.24 مليار ريال (46.5 مليار دولار) في الفترة نفسها من العام الماضي.

كما نجحت قطر في جذب بنوك أجنبية كبرى، ومنها بنكا إتش إس بي سي وجيه بي مورغان، حيث نقلت أعمالها من دول الحصار إلى الدوحة، حسب تقرير لمؤسسة وول ستريت الاقتصادية ومقرها نيويورك.
دلالات
المساهمون