عام على حصار قطر... الدوحة تنجح ولو بأكلاف مرتفعة

الدوحة
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.
05 يونيو 2018
ECE12BA4-B153-4AB5-9DB9-6694D93A231B
+ الخط -
تنوّعت جبهات الحرب السياسية والاقتصادية والإعلامية التي نشطت فيها كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في استهداف دولة قطر، بعد قرارات "5 يونيو" التي يكتمل اليوم عامٌ على إصدارها، عندما دشّنت هذه الدول حصاراً ومقاطعة برية وبحرية وجوية غير مسبوقة على الدوحة، إلى جانب مقاطعتها دبلوماسياً. واتضح من تصريح أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في البيت الأبيض في سبتمبر/ أيلول 2017، حول نجاح إبعاد هذه الدول عن استخدام الخيار العسكري ضد قطر، أن جهوداً ضاغطة، أميركية وكويتية، كانت وراء ثنيها عن ذلك، ما جعلها تتجه بضغوطها نحو تحقيق عزل قطر سياسياً عن العالم، لا سيما أنّ الاتهام الذي صوبته على الدوحة هو دعمها للإرهاب وتمويله. غير أنها أضافت في هذا المسعى إخفاقاً مضافاً مع الإخفاقين في الحربين الإعلامية والاقتصادية، إذ إنّ قطر استخدمت آلتها الإعلامية الثقيلة، أي قناة "الجزيرة"، التي أتاحت شاشتها للمعارضات السعودية والبحرينية والإماراتية، واستفاضت في إذاعة الأخبار والتقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في دول الحصار. أمّا اقتصادياً، فمع الأكلاف العالية التي تحملتها الدوحة جراء استيرادها مزيداً من المنتجات الغذائية ومن الحاجيات من إيران وتركيا ودول أخرى لتعويض قطع بضائع دول الحصار الأربع، ومع الإرهاق الذي أصاب النظام المالي للدولة، إلا أنّها استطاعت التعافي من التأثيرات الاقتصادية الحادة للحصار. وعن هذا الموضوع، ذكر صندوق النقد الدولي، في تقرير له صدر في شهر مارس/ آذار الماضي، أنّ التأثير المالي والاقتصادي الذي تعرّضت له قطر جراء الأزمة تلاشى، وأن الاقتصاد القطري تمكّن من تجاوز أي مخاطر.

على صعيد الحرب السياسية، فإن إعلام دول الحصار، لا سيما الإماراتي، وكذلك مسؤولين إماراتيين، وخصوصاً وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، ما زال يتحدّث عن "عزلة" سياسية تعاني منها دولة قطر، فيما واقع الحال أن موريتانيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لبّت طلب الرياض وأبوظبي قطع العلاقات مع الدوحة، إذا ما استثنينا الجمهورية اليمنية التي يقيم رئيسها، عبد ربه منصور هادي، في الرياض، في وضع أشبه بالاحتجاز، وكذلك حكومة شرق ليبيا، كما أعلن وزير خارجيتها، محمد الدايري، بعد ساعات من إعلان دول الحصار قرارات "5 يونيو" 2017.

وكانت تشاد قد أعادت العلاقات الدبلوماسية مع قطر في فبراير/ شباط الماضي، بعدما كانت قد قطعتها في أغسطس/ آب، وأغلقت السفارة القطرية في العاصمة نجامينا. كذلك، أعادت السنغال سفيرها إلى الدوحة في أغسطس الماضي، بعدما كانت قد استدعته للتشاور في بداية نشوب الأزمة. ومع استمرار خفضها للتمثيل الدبلوماسي مع قطر، فإن عريضة وقّع عليها ستون نائباً، أخيراً، طالبت الحكومة الأردنية بأن تعيد السفير الأردني إلى الدوحة، وتتيح عودة السفير القطري إلى عمان، بعدما كانت عمّان قد اتخذت يوم 5 يونيو/ حزيران 2017 قرار "تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر"، وهو القرار الذي أعلنته جيبوتي أيضاً.


بذلك، يتضح مدى الفشل الذي ضُربت به جهود الرياض وأبوظبي في دفع دول العالم إلى تبنّي الاتهام بدعم دولة قطر للإرهاب وتمويله. فشل يتأكّد في امتناع أي من دول الاتحاد الأوروبي أو الأميركيتين أو الدول الكبرى الوازنة في أفريقيا وفي آسيا عن إدانة الدوحة، بشراء الرواية السعودية والإماراتية والمصرية بشأن الاتهام الثقيل بالإرهاب. والمعلوم أن الإرهاب قضية لا يتسامح المجتمع الدولي بشأنها.
وعلى الرغم مما تبدّى من أن البيت الأبيض يميل إلى مزاعم الرياض وأبوظبي، كما ظهر في تغريدات وتصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الأسابيع الأولى للأزمة، إلا أنّ الموقف الذي صارت تعبّر عنه الرئاسة الأميركية بات أكثر اعتدالاً وتوازناً، وأقرب إلى ما جهرت به وزارتا الخارجية والدفاع من ثناء واسع على "جهود الدوحة" في محاربة الإرهاب ومحاصرة تمويله، وهو ما أعلنه البيت الأبيض بعد اتصال هاتفي أجراه ترامب مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في يناير/ كانون الثاني الماضي. وفي جديد التصريحات الأميركية في هذا الخصوص، اعتبار وزير الخارجية، مايك بومبيو، أنّ للدوحة دورها المهم في الحرب على الإرهاب ومحاصرة تمويله، وذلك خلال اتصال هاتفي مع نظيره القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مايو/ أيار الماضي.

ووجدت الدبلوماسية القطرية نفسها مطالبةً بالقيام بنشاط مضاعف لتطويق السعي السعودي خصوصاً، للتأثير على مواقف الدول العربية والأوروبية. غير أنّ أغلب المواقف المعلنة ظلّت تؤكد على الحوار سبيلاً لحل الإشكال الخليجي المزمن. وبدا أن الرياض فوجئت بموقف الرباط التي بادرت إلى القيام بوساطة موازية للجهد الكويتي، وذلك بعد بيان أصدرته وزارة الشؤون الخارجية المغربية، جاء فيه أن الرباط "معنية" بالأزمة، غير أنها تتبنّى "موقفاً محايداً بناءً". وقام وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بزيارة الرياض لأجل هذا الهدف، غير أن المسؤولين السعوديين صدوا هذا الجهد، ولمّحت الصحافة السعودية إلى الاستهجان من هذا التحرّك، ولا سيما أنّ ما كانت تنتظره السعودية من المغرب كان الوقوف معها، إلا أنّ ملك المغرب، محمد السادس، شمل الدوحة في جولة خليجية له في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وأقام أياماً فيها في زيارة خاصة، وهي زيارة نالت بدورها استهجاناً واسع النطاق من إعلام محسوب على دول الحصار.

وبدت جولات وزيري الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والسعودي عادل الجبير، في العواصم الأوروبية، تعبيراً عن حرب سياسية حادة بين الدوحة والرياض، بالنظر إلى جهد الأخيرة في دفع فرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا وإيطاليا وغيرها من الدول، إلى اتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد الدوحة. غير أنّ مواقف هذه الدول حافظت على حيادها، وأطلقت تصريحات تلحّ على الحوار بين أطراف الأزمة، كما شدد على ذلك أكثر من مرة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهو الذي زار الرياض في سبتمبر/ أيلول الماضي، في محاولة منه للتأثير على الموقف السعودي المتصلّب تجاه الدوحة. وتبدّى الإخفاق المريع لجهود السعودية في تحشيد موقف أوروبي معها، في رفض برلين الضمني، والصريح إلى حدّ ما، للادعاءات السعودية ضد دولة قطر، في الوقت الذي تعدّ فيه الرياض أهم شريك تجاري لألمانيا في المنطقة. ففي المؤتمر الصحافي المشترك بينه وبين الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في يوليو/ تموز الماضي في برلين، أبدى وزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار غابرييل، تفّهمه لموقف دولة قطر التي وصفها بأنها شريك استراتيجي لبلاده في مواجهة الإرهاب. واستهجن في تصريحات تالية، محاولات عزل الدوحة. وقد أغضبت أقوال متتابعة للوزير الألماني الرياض، وعبّر عن ذلك صراحة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير.

إلى ذلك، لم تفلح دول الحصار في التأثير على موقف فرنسا التي زار رئيسها إيمانويل ماكرون قطر في ديسمبر الماضي، وأجرى محادثات مع أميرها، الشيخ تميم بن حمد، وشهد توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي وتكنولوجي وتجاري مهمة. وشدّدت باريس في مناسبات عدة على وجوب اللجوء إلى الحوار في حلّ الأزمة الخليجية، في وقت كانت فرنسا من أبرز الدول التي "تنافست" على كسبها كل من الدوحة وعواصم الحصار. فقد زارها ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، في يونيو/ حزيران من العام الماضي، كما كانت من أولى الدول التي زارها أمير قطر في أول جولة خارجية له بعد نشوب الأزمة، والتي قام بها في سبتمبر الماضي، وشملت تركيا وألمانيا أيضاً، ثمّ الولايات المتحدة للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما قام الأمير لاحقاً بجولة في آسيا شملت ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا، وبجولة في غرب أفريقيا في ديسمبر الماضي، شملت السنغال ومالي وبوركينا فاسو وغينيا.

وشهد عام الحصار انتعاشاً للدبلوماسية القطرية تجاه مختلف مناطق العالم، وفي ملفات وقضايا وأزمات كثيرة، بعدما كانت الدوحة قد خففت من أدوار ومهمات كانت في مقدمة اللاعبين فيها، وذلك مع تولي الشيخ تميم بن حمد الحكم في عام 2013، والذي استهل عهده بسياسة خارجية منفتحة على دعم دور سعودي وازن في ملفات المنطقة. غير أنّ "نوعاً من الغدر" حصل تجاه بلاده، بمفاجأة الحصار الذي تم فرضه عليها، بحسب تعبيره في خطابه أمام مجلس الشورى القطري في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو الخطاب الذي هنّأ فيه "الإخوة الفلسطينيين" على الوحدة التي كانت قد تحقّقت في التفاهمات التي كان قد أُعلن التوصّل إليها بين حركتي "فتح" و"حماس" في القاهرة، ما بدا رداً على أقاويل شاعت عن استياء قطري من تلك الاتفاقيات. وبدا من خلال ذلك أنّ الدوحة تلعب دور الداعم لأي توجه تختاره حركة "حماس"، من دون تدخّل في شؤونها.

ذات صلة

الصورة
سيبستيان كو رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى ودعم معتز برشم (Getty)

رياضة

تحدث رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، البريطاني سيباستيان كو (68 سنة)، في حوار خاص مع "العربي الجديد"، خلال حضوره المجلس الآسيوي لألعاب القوى في الدوحة.

الصورة
مواطنون قطريون يصوتون على التعديلات الدستورية (العربي الجديد)

سياسة

أعلنت اللجنة العامة للاستفتاء على مشروع التعديلات الدستورية في قطر إغلاق صناديق الاقتراع بجميع اللجان عند الساعة السابعة من مساء الثلاثاء بتوقيت الدوحة
الصورة
قناة السويس من جهة الإسماعيلية، 10 يناير 2024 (سيد حسن/Getty)

سياسة

دعت جهات مصرية إلى منع مرور السفن الحربية الإسرائيلية في قناة السويس بعد توثيق مشاهد عبور سفينة حربية إسرائيلية فيها أخيراً، وسط غضب شعبي مصري.
الصورة
مرفأ الإسكندرية، 31 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

قدمت السلطات المصرية روايات متضاربة حول السفينة كاثرين التي تحمل متفجرات لإسرائيل. فبعد نفي لمصدر مصري استقبال السفينة صدر بيان لوزارة النقل يثبت وجود السفينة.