تسبب فيروس كورونا في حرمان الجزائر من تحويلات هامة بالعملة الصعبة من أموال المغتربين الذين كانوا يتدفقون على البلاد لقضاء العطلة الصيفية، الأمر الذي شكل ضربة موجعة للاقتصاد ولاحتياطي العملة الصعبة. ولا يزال الجزائريون المغتربون يفضّلون تحويل معظم أموالهم عبر طرق غير رسمية إلى بلادهم، تفاديا لتعقيدات النظام المصرفي الجزائري، وهو ما يترجمه ضعف التحويلات السنوية المسجلة.
ولم تسلم تحويلات "جزائريي المهجر" من الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا التي أصابت الاقتصاد الجزائري بالشلل النصفي، وأجبرت الدولة النفطية على الانطواء على ذاتها وإغلاق حدودها وفرض العزلة على شعبها. هكذا أصبح مصير الجزائريين المقيمين خارج بلدهم بمثابة "كبش فداء" بمجرَّد تفشِّي ذلك الفيروس، وتراجعت تحويلاتهم المالية التي تعتبر الشريان الأساسي للحياة الاقتصادية للعديد من الأسر في الجزائر.
وحسب معلومات حصل عليها "العربي الجديد" من بنك الجزائر المركزي فإن تحويلات المغتربين الجزائريين هوت إلى 1.5 مليار دولار سنة 2020، مقابل 2.1 مليار دولار في 2019.
ويؤكد نفس المصدر أن وتيرة تدفق التحويلات لسنة 2021، تُنبئ بتحسن طفيف قد لا يتعدى 10 أو 20 بالمائة من إجمالي تحويلات الجزائريين المقيمين في الخارج في السنة الماضية.
وحسب تقديرات غير رسمية، يعيش نحو 7 ملايين مغترب جزائري حول العالم، بينهم أكثر من 5 ملايين في فرنسا وحدها، ونحو 150 ألفا في إسبانيا، و60 ألفا في بريطانيا.
ويرد عضو الاتحاد العام للجزائيين في المهجر (جمعية غير حكومية تنشط في جنوب أوروبا)، بشير فطومي هذا التراجع إلى "مخلفات الجائحة على المغتربين، الذين قلصت مداخيلهم، ومنهم حتى من فقد عمله، وبالتالي من البديهي أن يفضل المغترب الاحتفاظ بأمواله لمواجهة الظروف الطارئة على إرسالها إلى بلده".
وأضاف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "غلق الجزائر لأجوائها الجوية والبحرية زاد من تقلص التحويلات المباشرة أو غير المباشرة، عبر الوسطاء، ففي العادة يقضي 70 بالمائة من مغتربي الجزائر عطلهم الصيفية في البلاد، وهو ما لم يحدث السنة الماضية وحتى السنة الحالية بسبب تعليق الرحلات بين الجزائر والدول، وحصرها بعددٍ ضئيل من الرحلات الجوية والبحرية".
فيما يربط خبراء اقتصاد والمتتبعون لشأن الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج ضعف التدفق المالي للمهاجرين الجزائريين نحو بلادهم بعدة عوامل، منها الاقتصادية بالدرجة الأولى، ومنها السياسية المتعلقة بنظرة الحكومة لهذه الفئة وما تحمله لها من مشاريع لاستقطاب أموالها.
وفي السياق، يرى الخبير المصرفي نبيل جمعة أن "بدائية النظام المصرفي هي سبب عزوف الجزائريين عن تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية، وهو ما جعل البلاد تخسر مليارات الدولارات سنوياً، رغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها".
ويعلل جمعة إحجام المغتربين قائلا لـ"العربي الجديد": "لكي يرسل أي جزائري مهاجر أموالا لعائلته أو لأي شخص في الجزائر عليه أن يرسل له أولا دليلاً يثبت مصدر تلك الأموال لكي يقدمها المرسَل له للمصرف الذي يحوز فيه حسابا، ثم بعد ذلك يقوم المصرف بتحويل المبلغ إلى الدينار، أي أنه يمنع أن يسحب المبلغ المُرسل بالعملة الصعبة، حسب قانون النقد الجزائري، وهذا في الحقيقة تعد على الحريات".
وأضاف الخبير الجزائري أن "سنوات السبعينيات من القرن الماضي كان الجزائريون المقيمون في فرنسا يرسلون وحدهم ما قيمته مليار دولار (من الفرنك الفرنسي القديم) لأن النظام المصرفي كان أكثر مرونة من اليوم".
وبالرغم من الشكاوى المتعددة التي رفعها المهاجرون الجزائريون، خاصة المقيمين في أوروبا، إلا أن أصواتهم لم تجد أي استجابة من الحكومة، وهو ما يترجم حسب الخبراء غياب إرادة سياسية فعلية للتكفل بالجالية التي تعادل 12% من عدد سكان الجزائر، حيث بقيت وعود الحكومة بفتح فروع لبنوك الجزائر مجرد حبر على ورق.
وأمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في شهر سبتمبر/أيلول 2020، بفتح بنوك جزائرية في الخارج، سواء كانت مصارف جزائرية أو ذات رأسمال مشترك، بهدف تمكين المهاجرين من إيداع أو تحويل أموالهم، وتشجيع المبادلات التجارية، داعياً إلى العمل على الاستفادة من المؤسسات المالية الدولية على قدر مساهمة الجزائر فيها، وقال: "كما يفعل غيرنا، ويكون ذلك بالحصول على حصتنا من المناصب في أجهزتها، والاستفادة من إمكاناتها في مجال التمويل لصالح الجزائر".
وإلى ذلك، اعتبر الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "القرار يعد خطوة إيجابية أتت استجابة لمطالب الجاليات بالخارج، خصوصاً في فرنسا، إذ يوجد عدد كبير من المغتربين، إلا ان القرار وبعد أشهر لا يزال نظريا، فيما يوجد مشكل يعترض استقطاب أموال الجالية بالخارج هو وجود السوق غير الرسمية للعملة الصعبة، حيث يوجد فارق كبير بين الصرف الموازي والرسمي".
ورأى نور الدين في حديث مع "العربي الجديد" أن "القرار من شأنه تحقيق أهدافه في استقطاب الأموال، وتمكين الراغبين في التحويل عبر القنوات الرسمية، سيجري تقليص فارق الصرف تدريجياً عبر إصلاحات مالية وبنكية، وتحسين الوضع الاقتصادي على المدى المتوسط من سنتين إلى خمس سنوات".