تحويلات المغتربين ملاذ محدودي الدخل في 4 دول عربية

03 سبتمبر 2021
70% من السوريين يعيشون على تحويلات المغتربين (فرانس برس)
+ الخط -

باتت تحويلات المغتربين ملاذا لمحدودي الدخل والفقراء الذين تزايدت نسبتهم بشكل كبير في عدد من الدول العربية، ورغم حاجة المواطنين الشديدة لهذه الأموال، إلا أن العديد من العقبات والتحديات تواجه عملية التحويلات وقد تؤثر على هذا المورد مستقبلاً. وفي هذا التقرير نرصد مسار تحويلات العاملين في الخارج بأربع دول عربية وهي سورية ومصر والسودان والأردن.

سورية

بلغت نسبة السوريين الذين يعيشون على الحوالات الخارجية 70%، حسب دراسات حديثة. ورغم ذلك تواجه تحويلات المغتربين العديد من العقبات أبرزها ما وصفه الباحث الاقتصادي، باسل علي، بـ"قيود فرضتها الحكومة السورية" سواء عبر إغلاق 12 شركة صرافة، كانت تساهم بضخ الدولارات إلى السوق ويعمل معظمها اليوم بشكل غير شرعي، بالإضافة إلى استمرار فرض سعر دولار التحويل أقل من سعر السوق.

ويبلغ سعر الحوالات الرسمي 2500 ليرة للدولار، في حين أن سعر العملة الأميركية بالسوق تعدى 3500 ليرة. ويعتبر الباحث الاقتصادي خلال اتصال من دمشق مع "العربي الجديد" أن التضييق الرسمي لا يخدم "اقتصاد البلد ولا حتى دعم سعر الصرف".

وقال إن "الازدحام على الشركات المرخصة شديد وينتظر المحوّل لهم ساعات طويلة ليحصلوا على المبلغ ولكن بالليرة السورية وبالسعر الرسمي.

وكان الاقتصادي السوري، عمار يوسف، قد أكد خلال تصريحات أخيراً، أن نسبة السوريين الذين يعيشون على الحوالات الخارجية، في ظل صعوبة العيش وتردي الأوضاع الاقتصادية في سورية، وصلت إلى 70% مبيناً أن الحوالات "ليست بمبالغ ضخمة" مقدراً متوسط قيمة الحوالة الواحدة بمئتي يورو بالحد الأقصى ومجموع الحوالات الخارجية التي تدخل سورية يومياً بنحو 5 ملايين دولار.

وحسب مصادر سورية متقاطعة، تشكل التحويلات الخارجية، إضافة للأوراق الرسمية التي تصدرها سفارات نظام الأسد بالخارج، المورد الدولاري الأهم للحكومة السورية.

السودان

ترى الحكومة السودانية في تحويلات المغتربين حلا لبعض المشكلات باعتبار أن عجز النقد الأجنبي المطلوب لاستيراد الحاجيات الضرورية يقدر بـ10 مليارات دولار سنويا.

وظلت الحكومة سنويا تصدر قائمة من التشجيعات لتجذب بها التحويلات إلى الطريق الصحيح عبر منافذ البنوك لتدخل إلى المنظومة المصرفية الرسمية، إلا أن كل المغريات التي تقدمها الحكومة كانت تجد ما يفسدها في ظل العديد من العقبات التي تواجه عمليات التحويل.

يقول الاقتصادي السوداني، محمد الناير، لـ"العربي الجديد" إن غالب تحويلات المغتربين سوف تعود إلى مراحلها الطبيعية بعد انتهاء جائحة كورونا رغم أن تحويلات مغتربي السودان لم ترق لمستوى جديد بعد الإصلاحات الحكومية الأخيرة فيما يتعلق بسعر الصرف.

وأضاف أن أغلب التحويلات تصرف في الأكل والشراب والسكن والعلاج والمصروفات العادية دون ادخار رغم ان تحويلات العاملين بالخارج تقدر بما بين 5 و8 مليارات دولار سنويا، مشيراً إلى أن معظم التحويلات تستخدم كمدخرات بالخارج من شراء عقارات وشقق سكنية.

ويرى الناير أن تحويلات السودانيين بالخارج إذا دخلت الى البلاد عبر الطرق الرسمية ربما تعالج العجز في ميزان التجاري الذي يقدر بحوالي 5 مليارات دولار وطبيعي أن ينسحب ذلك على علاج ميزان المدفوعات.

ويوضح أن التحويلات تواجه العديد من العقبات أبرزها فروق سعر الصرف بين السوقين الرسمي والموازي والتعقيدات بالنظام المصرفي، فالمغترب يفقد الثقة بهذا القطاع ما يدفعه للجوء إلى السوق الموازية.

ويشير الناير إلى الأثر الذى تركته جائحة كورونا على التحويلات ولكنه يقول إنها سوف تعود الى وضعها الطبيعي بعد زوال الأزمة الصحية.

أما الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان، فيقول لـ"العربي الجديد" إن تحويلات السودانيين العاملين في الخارج والمهاجرين تمثل حوالي 60% تقريبا من جملة مصادر النقد الأجنبي خلال الأربعة أعوام السابقة، في ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة بحكم أن الأموال كانت تحول عبر السوق الموازي بسبب العقوبات الأميركية المصرفية على النظام المصرفي السوداني.

وأضاف: حتى بعد رفع العقوبات لا يزال النظام المصرفي السوداني غير قادر علي التعامل مع النظام المصرفي الدولي بعد التغييب طويل الأمد، وهو ما جعله غير مواكب للتغييرات الكبيرة التي حدثت في نظام المقاصة الدولية من تقنيات ومن اشتراطات لأوضاع البنك المالية.

ووفقا لإحصائية جهاز شؤون العاملين بالخارج فإن عدد السودانيين المسجلين رسميا في الخارج يقدر بحوالي 5 ملايين مواطن، إلا أن إحصاء غير رسمي يرى أن أعدادهم تفوق 10 ملايين شخص.

الأردن

لا تزال المخاوف تساور الحكومة الأردنية من احتمال مواصلة الحوالات المالية لمواطنيها العاملين في الخارج الانخفاض خلال السنوات المقبلة، سيما مع الارتدادات السلبية لجائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط حيث يعمل غالبية المغتربين الأردنيين في دول الخليج العربي.

وحسب بيانات البنك المركزي الأردني فقد انخفضت قيمة تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج العام الماضي، بنسبة بلغت 9.1% وبلغت حوالي 3.24 مليارات دولار.

وخلال النصف الأول من العام الحالي ووفقا للبيانات، فإن هذه التحويلات بلغت حوالي 1.65 مليار دولار بارتفاع لا يذكر بلغ 0.2% مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.

وقال رئيس جمعية الصرافين، عبد السلام السعودي، لـ"العربي الجديد" إن تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج تشكل أحد الروافد الأساسية في الاقتصاد الأردني من حيث تعزيز احتياطي النقد الأجنبي وتنشيط القطاع المالي، لا سيما أن غالبية التحويلات تتم من خلال شركات الصرافة إضافة إلى تحريك مختلف القطاعات الاقتصادية كالتجارة والعقارات والسياحة وغيرها.

وأضاف أن معظم التحويلات تأتي من العاملين في دول الخليج العربي وقد تأثرت خلال السنوات الماضية لعدة أسباب أهمها انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا وتداعياتها مأ أثر مباشرة على الوضع الاقتصادي ونشاط شركات الصرافة. وبحسب تقديرات حكومية تبلغ مساهمة التحويلات المالية للمغتربين الأردنيين ما نسبته 10% من الناتج المحلي الاجمالي للأردن.

وقال رئيس المرصد العمالي، أحمد عوض، لـ"العربي الجديد": لقد رصدنا خلال العامين الماضيين عودة أعداد كبيرة من الأردنيين العاملين في الخارج وبالذات من دول الخليج العربي ويتوقع عودة المزيد خلال الفترة المقبلة ما سيؤثر سلبا على التحويلات المالية المتأتية منهم وانعكاسها على مختلف القطاعات.

ويقدر عدد الأردنيين العاملين في الخارج بما بين 600 و700 ألف مواطن غالبيتهم في دول الخليج العربي.

مصر

أكد مراقبون أنه ‏بدون تحويلات العاملين بالخارج، قد لا تتمكن مصر من الوفاء ‏باحتياجاتها كاملة من النقد الأجنبي، خاصة وأنه يتوقع مع نهاية ‏العام المالي الجاري 2021/ 2022 أن ترتفع تلك التحويلات إلى ‏‏30 مليار دولار.

‏وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشؤون ‏الاقتصادية، عبد النبي عبد المطلب، إن تحويلات المصريين في الخارج ترتفع وقت ‏الأزمات فعقب ثورة يناير 2011، وصلت إلى نحو ‏‏18 مليار دولار مع نهاية يونيو/حزيران 2011، مقابل نحو ‏‏10 مليارات دولار خلال نفس الفترة من عام 2010. ‏

وأضاف عبد المطلب لـ"العربي الجديد" أنه مع ‏تداعيات أزمة كورونا‎ ‎تراجعت دخول غالبية الأسر المصرية، ‏وهذا دفع بأبنائهم في الخارج إلى زيادة تحويلاتهم إلى مصر لتلبية ‏الاحتياجات الضرورية، والتي قد تمثل بعض هذه التحويلات جزءا ‏من مدخرات العمالة المصرية في الخارج، لافتًا إلى أن مستقبل ‏هذه التحويلات مرهون بحركة النشاط الاقتصادي العالمي، ‏وتوقيت انتهاء كورونا.

‏وتابع أن هذه التحويلات تمثل تقريبًا ‏حوالي 14 في المائة من الناتج القومي، والتي بدونها قد لا تتمكن ‏مصر من توفير كامل احتياجاتها من النقد الأجنبي، وهي المصدر الأول للدخل في البلاد حالياً، ثم تأتي ‏الصادرات المصرية، بحوالي 24 مليار دولار، والسياحة ‏‏10 مليارات دولار، ثم قناة السويس بحوالي 5.5 مليارات دولار.

ويرجع الدكتور أحمد ذكر الله، الخبير الاقتصادي، نمو هذه ‏التحولات بشكل غير مسبوق إلى عدة أسباب منها، ارتفاع ‏تكاليف المعيشة في الداخل المصري، وهو ما دفع العاملين ‏بالخارج لتحويل كميات أكبر من الأموال لتغطية ارتفاع هذه ‏النفقات، وكذلك إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في الخارج وزيادة ‏الرسوم على الإقامات والخدمات، ما دفع العديد من المصريين إلى ‏إعادة أسرهم لمصر تقليلًا للنفقات المعيشية، ومعه زادت ‏الأموال المحولة من الخارج لتغطية تكاليف معيشة هذه الأسر. ‏

وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري ارتفاع تحويلات ‏المصريين العاملين بالخارج خلال آخر 11 شهرًا من السنة ‏المالية 2020 /2021 بنسبة 13 في المائة، إذ سجلت 28.5 ‏مليار دولار، مقابل 25.2 مليار دولار عن نفس الفترة من العام ‏المالي السابق 2019/ 2020.

المساهمون