ترامب وابتزاز السعودية

02 أكتوبر 2018
ولي العهد السعودي في البيت الأبيض بمارس الماضي (Getty)
+ الخط -
ما يفشل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحصول عليه عبر الابتزاز والضغط، ينتزعه بالحروب الاقتصادية التي يشنها على الجميع وبلا استثناء، وما يفشل في الحصول عليه بالبلطجة السياسية، يحصل عليه بتسخير القانون لصالح خططه، مع استغلال الكونغرس والمؤسسات التشريعية في الولايات المتحدة.

ترامب يحاول "حلب" الجميع وابتزازهم لمصلحة الاقتصاد الأميركي، حلب دول الخليج النفطية، وفي المقدمة السعودية، أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وانتزاع أسعار نفط رخيصة منها، حلب "أوبك" نفسها وتحويلها من مؤسسة عالمية تنظم الإنتاج النفطي وتراقب الأسواق وتمنع المضاربات المضرة على الأسعار، إلى منظمة تعمل لمصلحة المستهلك الأميركي فقط، حتى ولو جاء ذلك على حساب آليات السوق الحرة وقوى العرض والطلب، وكذا حلب إيران وروسيا وتركيا والاتحاد الأوروبي وبقية شركاء أميركا التجاريين.

يوم السبت الماضي، وفي مشهد أقرب إلى الأفلام الكوميدية والبرامج الساخرة، خرج ترامب في تجمّع انتخابي بولاية فرجينيا قائلاً إن ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز يمتلك تريليونات الدولارات، وإنه من دون الولايات المتحدة وحده يعلم الله ما سيحدث للمملكة.
بل وتجاوز الرئيس الأميركي في كلامه كل المعايير الدبلوماسية المتعارف عليها، حينما قال متفاخراً إنه تحدث مطولاً مع الملك سلمان، وقال له: "ربما لن تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك، لأن السعودية ستتعرض للهجوم، لكن معنا أنتم في أمان تام، إلا أننا لا نحصل في المقابل على ما يجب أن نحصل عليه".

وأضاف ترامب قائلاً لجمهوره: "نحن ندعم جيوشهم، لذلك دعوني أسأل: لماذا ندعم جيوش هذه الدول الغنية؟ أمر مختلف أن نقدم الدعم لدول تعيش وضعاً صعباً وخطيراً مع فظائع قد تؤدي إلى مقتل الملايين، لكن عندما تكون لديك دول غنية، كالسعودية واليابان وكوريا، فلماذا إذاً ندعم جيوشها؟ لأنهم سيدفعون، المشكلة أن لا أحد طالب بذلك من قبل".

موقف ترامب مع السعودية لا يُعدّ الأول من نوعه، فقد طلب يوم 30 يونيو/حزيران الماضي من الملك زيادة إنتاج النفط حتى مليوني برميل بحجة أن الأسعار مرتفعة للغاية، ولتعويض النقص الذي سببه الاضطراب والخلل في إيران وفنزويلا، فوافق الملك على طلبه. 

ترامب لم يكفه نصف تريليون (500 مليار) دولار حصل عليها من السعودية خلال زيارته الرياض في مايو/أيار 2017، عبر عقد مئات الاتفاقيات والصفقات الضخمة، ولم تكفه صفقات الأسلحة والطائرات التي تبرمها السعودية مع الشركات الأميركية من حين لآخر بمليارات الدولارات، ولم يكفه توقيع الملك سلمان خلال الزيارة على صفقة دفاعية بقيمة 110 مليارات دولار.

ولم يكف ترامب كذلك توسّع الحكومة السعودية المستمر في استثمار مليارات الدولارات بأدوات الدين الأميركية، عبر شراء المزيد من الأذون وسندات الخزانة، حتى بلغت قيمة ما تسثمره المملكة 164.9 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران 2018، بارتفاع 2.8 مليار دولار مقارنة بمايو/أيار 2018، بل إن السعودية باتت تحتل المركز العاشر ضمن كبار حائزي السندات الأميركية، على رغم تخلص الكبار من هذه السندات وفي مقدّمتهم الصين وروسيا.

ولم يكف ترامب إعلان الحكومة السعودية ضخ استثمارات في الأسواق الأميركية بمئات مليارات الدولارت، على رغم المخاطر الشديدة التي يمكن أن تتعرض لها هذه الاستثمارات في حال تطبيق قانون "جاستا" المثير للجدل، والموجّه أساساً نحو أموال المملكة في أميركا، في محاولة لوضع اليد عليها لمصلحة ضحايا تفجيرات "11 سبتمبر".
ترامب متعطش لأموال السعودية وتريليونات، فصفقة كتلك التي أبرمتها شركة "جنرال إلكتريك" مع الرياض قبل شهور بقيمة 15 مليار دولار كانت مجرّد فاتح شهية للرئيس الأميركي، وإعلان شركة "أرامكو"، عملاق النفط السعودي، توقيع 16 اتفاقية مع 11 شركة أميركية باستثمارات ناهزت 50 مليار دولار، لا يُرضي طموح ترامب المالي، رغم أن الصفقة توفر فرص عمل لملايين الأميركيين.

ويتكرر الحال مع شركة "موتيفا إنتربرايزز" السعودية التي أعلنت توظيف استثمار ضخم في أميركا قيمته 12 مليار دولار، مع إمكان وصول الرقم إلى 18 مليار دولار بحلول 2030.

حتى اتفاق شركة "بلاكستون" الأميركية على استثمار السعودية 40 مليار دولار ترتفع قيمته بعد ذلك إلى 100 مليار في مشروعات البنية التحتية داخل أميركا، لا يُرضي طموح رجل العقارات والبزنس السابق ترامب.

كل هذه الأموال هي مجرّد "فكة" عند ترامب، الذي يريد السطو على النفط السعودي بالكامل، فهو يريد الحصول على كل هذه المليارات التي تتدفق على السعودية جراء بيع نحو 7 ملايين برميل يومياً، ويريد كل إيرادات المملكة من النفط والتي من المتوقع أن تتخطى 547 مليار ريال (ما يعادل 145.8 مليار دولار) عام 2018، بحسب تقديرات مؤسسة "الراجحي كابيتال"، مع عدم أخذ هذه التقديرات في الاعتبار القفزات المتواصلة في سعر النفط والتي دفعت بسعر البرميل إلى أكثر من 85 دولاراً.
ترامب يريد من السعودية أن تبيع النفط بسعر تكلفة الإنتاج، حتى تصل المشتقات البترولية من نفط وسولار وغاز إلى المستهلك الأميركي بسعر منخفض، وبالتالي يندفع المستهلك نحو إعادة انتخاب مرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس المقبلة.

ابتزازات ترامب لا تتوقف عند السعودية، بل امتدت إلى "أوبك" التي هددها أكثر من مرة بمقاضاتها بزعم الاحتكار، كما عادت وأكدت "رويترز" اليوم الثلاثاء، رغم أن المنظمة تسيطر فقط على 30% من الإنتاج العالمي، في حين تتوزع الـ70% المتبقية على دول أخرى وعلى رأسها أميركا البالغ إنتاجها نحو 12 مليون برميل يومياً، ثم روسيا والنرويج وغيرها.

ترامب يريد أن يربح كل شيء ولا يخسر سنتاً واحداً، فهو يضرب إيران اقتصادياً ومالياً، ويفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها، ويحظر على الدول شراء نفطها، ويمنع الشركات العالمية من الاستثمار فيها، وعندما ترتفع الأسعار بسبب زيادة المخاطر الجيوسياسية الناجمة عن فرض هذه العقوبات، يسارع الرئيس الأميركي إلى ابتزاز السعودية ومن خلفها "أوبك" التي تهيمن دول الخليج على عضويتها، مطالباً إياها بزيادة الإنتاج لتعويض نقص الصادرات النفطية الإيرانية.
ترامب يزعم أن "أوبك" تمارس الاحتكار، وهذا غير صحيح، وهو يخالف قواعد التجارة العالمية ويفرض الرسوم الجمركية، وعندما تتهمه الدول بمخالفة الأعراف والقوانين الدولية يرفع شعار أن قراراته هدفها حماية الأمن القومي الأميركي.

ترامب يقلب الحقائق الاقتصادية ويحسّن مؤشرات اقتصاده على حساب اقتصادات الدول الأخرى، همّه الأول والأخير هو الناخب الأميركي حتى لو أدّت سياسته إلى إدخال العالم في حال ركود اقتصادي طويل، بل وزجّ أميركا نفسها في أزمة مالية جديدة على غرار تلك التي حدثت عام 2008.
المساهمون