البنوك المصرية تقود معركة ساخنة مع السوق السوداء للسيطرة على أسعار الدولار

12 يناير 2023
توقعات باستمرار تهاوي الجنيه المصري (Getty)
+ الخط -

واصل الجنيه المصري رحلة الهبوط، يوم الخميس، مع تداولات نهاية الأسبوع مقابل الدولار، ليبدأ معانقة سعره في السوق الموازية. ويتوقع خبراء أن يلتقي سعر الدولار في البنوك الرسمية، في نقطة تمركزه بالسوق السوداء، في "المنطقة الدافئة" عند 32 جنيهاً خلال أيام. 

تدافعت البنوك على شراء الدولار مع اللحظات الأولى لتعاملات أمس، ما أدى إلى تصاعد تدريجي لسعر شراء الدولار من 29.74 جنيهاً، وفقا للسعر المعلن من البنك المركزي، إلى 30.60 جنيهاً، ثم عودته للهبوط عند مستوى 30 جنيهاً في نهاية الأسبوع. 

تحركت البنوك العامة والخاصة في اتجاهات عديدة وسريعة للحصول على الدولار من الأسواق، عبر فروعها وشركات الصرافة، مستهدفة توفيره والضغط على السوق الموازية التي تلقت ضربات موجعة من تنافس البنوك الرسمية، برفعها سعر الشراء للدولار إلى 32.2 مساء الأربعاء والسماح بالمضاربة، على البيع، مما أربك الحسابات الضعيفة للسوق الموازية.

سيتي بنك غروب" الأميركي: توقف البنك المركزي عن توفير الدولار مباشرة من احتياطات واردات الجهات الحكومية، وراء ارتفاع طلب البنوك على العملات الأجنبية

وأظهر تقرير فني لـ "سيتي بنك غروب" الأميركي، حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، أن توقف البنك المركزي عن توفير العملة الأجنبية مباشرة من احتياطات واردات الجهات الحكومية، التزاما بتعليمات صندوق النقد الدولي، وراء ارتفاع طلب البنوك على سوق العملات الأجنبية. 

وأرجع التقرير تهافت البنوك على الدولار، إلى طلبها من العملاء لتغطية قيمة الواردات، المحتجزة لحسابهم في الجمارك، بنسبة 100% على مدفوعات الاستيراد. يأتي ذلك على الرغم من التزام الحكومة بإزالة القيود على الاستيراد، التي قررها البنك المركزي، في مارس/آذار 2022، والتي استهدفت دفع الموردين لتدبير 120% من قيمة الواردات نقدا ومن موارد خاصة بأعمالهم، قبل استيرادها. 

توقعات "سيتي غروب"

توقع" سيتي بنك غروب" عدم تحول سعر الصرف إلى نظام عائم حر، مكتفيا بمزيد من المرونة في سعر العملات، تتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولي.

بين التقرير أن صندوق النقد الدولي سيراقب عن كثب تطورات العملة الأجنبية، مع الحكومة، ويضع أهدافا محددة تخضع للمراجعة كل 6 أشهر لــ "تلتزم السلطات بسعر صرف مرن".

أوضح التقرير أن حجم التداول للدولار بلغ الأربعاء 1.5 مليار دولار، لمواجهة "الطلب المكبوت"، بزيادة كبيرة عن التداول بين البنوك الذي يبلغ 831 مليون دولار. 

فسر وائل النحاس خبير التمويل والاستثمار زيادة الطلب على الدولار، لليوم الثاني على التوالي مع ارتفاع السعر في البنوك، بأن البنوك تسعى إلى تغطية المراكز المكشوفة، وطلبات الموردين، للوصول إلى سعر السوق الموازية الذي يقدر بنحو 32 جنيهاً للدولار. 

توقع النحاس عدم ارتفاع الدولار عن 34 جنيهاً، خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن السوق لن تتحمل تلك التكلفة في سعر الدولار، خاصة مع ضعف إمكانات السوق الموازية، وبدء البنوك التحرك في تدبير العملة للعملاء.

لفت النحاس إلى أن الحكومة تحركت متأخرة لتضييق الفجوة بين سعر الدولار في البنوك والسوق السوداء، بعد أن أدركت أن الوقت قد أزف، وحانت فترة "موت الدولار" في وقت أصبحت الأسواق مهيأة للتعامل على سعر مرتفع يصل إلى 32 جنيهاً للدولار، مع السماح للبنوك بتدبير مواردها من السوق والعملاء.

توقع وائل النحاس عدم ارتفاع الدولار عن 34 جنيهاً، خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن السوق لن تتحمل تلك التكلفة في سعر الدولار

دعا  النحاس  إلى ضرورة تداول الذهب في البورصة السلعية ورقابة سوق الذهب، بتنفيذ الدمغة بالليزر، على المشغولات الذهبية، مؤكدا أن الفترة المقبلة ستشهد اتجاها مرتفعا عالميا في سعر الذهب، بما يغري الأسواق على التوجه إليه كبديل للقيمة، ويضغط من جديد على طلب الدولار، الذي سيوجه لشراء المزيد من الذهب.

شهد سوق الذهب ارتفاعا في سعر الذهب بعد تراجع طفيف مساء الأربعاء، حيث استقر سعر الذهب عيار 21 الأكثر تداولا، عند 1880 جنيها للغرام وعيار 24 عند 2148.5،  وعيار 18 عند 1611 وعيار 14 عند  1253 جنيها، بينما ارتفع سعر الأونصة إلى 1886.08 دولارا في السوق الدولية. 

التدفقات الدولارية

استعانت البنوك بشركات الصرافة في تدبير "تدفقات دولارية جيدة للبنوك" وفقا لتصريحات لمصدر مسؤول لوكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية. أكد المسؤول تلقي البنك تدفقات قوية بالعملة الأجنبية مساء الأربعاء تجاوزت 250 مليون دولار، من مؤسسات دولية كبرى، عاودت الاستثمار في السوق المصرية، بعد غيابها لفترة طويلة.

أشار المصدر إلى أن "تنازل جانب من عملاء البنوك المحلية عن الدولار لشراء شهادات الادخار بعائد سنوي 25% و22.5% للشهري، ساهم في زيادة المعروض من الدولار.

وتوقع المصدر مزيدا من تدفقات الاستثمار الأجنبي غير المباشر في الأوراق المالية، مع العودة بعد شهور إلى تسعير أسهم الشركات المصرية في البورصات الدولية GDR، بالأسعار الرسمية للدولار في البنوك.

وذكر المصدر أن حجم التعاملات بين البنوك "الانتربنك" تراوحت بين 650 مليون دولار و750 مليونا، للمرة الأولى، بالمقارنة مع 150 مليون دولار كمتوسط يومي في الفترة الماضية، وهو رقم منخفض إلى نصف ما ذكره تقرير "سيتي بنك غروب" عن نتائج معاملات البنوك بنهاية الأربعاء. 

أكد رجال أعمال أبلغتهم البنوك التي يتعاملون معها، بسرعة التوجه إلى الموانئ ومصلحة الجمارك بالمنافذ لإنهاء دخول وارداتهم المعطل الإفراج عنها، بعد تدبيرهم العملة لصالحهم. أكد موردون أن قيمة الدولار بلغت 32 جنيهاً، في المعاملات البنكية. وتوفر البنوك لحاملي بطاقات الائتمان في الخارج، عند سعر 33 جنيها للدولار، شاملا السعر الرسمي وخدمات التحويل وتدبير العملة.

مقايضة مع الصندوق

تبين التعاملات أن تشدد السياسات النقدية المتفق عليه بين البنك المركزي ووزارة المالية وصندوق النقد، ذات اتجاه واحد لدعم تخفيض قيمة الجنيه، إلى سعر السوق الموازية، مقابل أن يضمن الصندوق التزام الجهات الدولية والداعمة بسرعة تدبير احتياطي نقدي من العملات الصعبة لمصر، ومنح الحكومة فرصة التدخل في سعر الجنيه، في حالة تعرضه لانهيار مفاجئ، ليس له علاقة بالسياسات النقدية المتشددة.

ألقى خبراء بمسؤولية التراجع الكبير في سعر الجنيه على سياسات الحكومة التي تركت الأسواق في حالة من الهلع

ألقى خبراء بمسؤولية التراجع الكبير في سعر الجنيه على سياسات الحكومة التي تركت الأسواق في حالة من الهلع، عبر عنها الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، مع الارتفاع الكبير، في أسعار السلع الأساسية والأدوية ومستلزمات السيارات والشركات، بمجرد الهبوط الرسمي لسعر الجنيه، بنحو 16%، خلال يومي الأربعاء والخميس.

وأشار اقتصاديون إلى أن أدوات السياسات النقدية أصبحت عاجزة لأنه تركت عناصر أخرى حاكمة للسوق، وخاصة حركة الناس في الأسواق، واتجهت إلى خفض الجنيه عن عمد، وزيادة الفائدة، بما يدفع التضخم والأسعار إلى معدلات كبيرة، لا تتحملها الجهات الإنتاجية ولا دخول المواطنين، بما سيحدث ركودا حادا في الأسواق يدفع إلى خفض الاستهلاك الفردي والعام، ويرفع معدلات البطالة، ويزيد الأزمة الاقتصادية سوءا.

تراجع الجنيه نحو 50% منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحوالي 90% منذ تطبيق السياسات النقدية المتشددة في مارس/ آذار 2022.  تعرض الجنيه لأكبر خسارة يومية له الأربعاء، ويتوقع أن يكون التراجع طفيفا في الأيام المقبلة، بعد أن اقترب من السوق الموازية.

تشير توقعات العقود الآجلة للجنيه، التي تتنبأ بقيمة العملة على مدى 3-12 شهرا المقبلة، إلى تداول الجنيه عند مستوى 32.64 إلى 35.4 مقابل الدولار، وفقا لتقرير وكالة "رويترز".

أشار الخبراء إلى اقتراب الجنيه من المستويات الجاذبة للاستثمارات الساخنة، التي خرجت منذ فبراير/ شباط الماضي بقيمة 22 مليار دولار، خلال 4 أسابيع.

توقعت "فايننشال تايمز" ألا تعود التدفقات الكبيرة للدولار إلى السوق المحلية، قبل رفع أسعار الفائدة"

وتوقعت "فايننشال تايمز" ألا تعود التدفقات الكبيرة للدولار إلى السوق المحلية، قبل رفع أسعار الفائدة". قال كيفن دالي مدير الاستثمار بمؤسسة أبردين المالية لـ"فايننشال تايمز" إن عوائد السندات الحكومية قصيرة الأجل ستدفع مصر على الأرجح إلى زيادة بنحو 1000 نقطة أساس مرة أخر لتصل إلى 30%، قبل أن تبدأ مصر في تحقيق تدفقات كبيرة إلى سوق الدين المحلي. 

وشهدت البورصة تقلبات يوم الخميس أدت إلى تراجع صعود مؤشر EGX30 القياسي، من 6.43% مع بداية التداول إلى 0.04%، مع قرب انتهاء الفترة المسائية. انتهي المؤشر عند 15.534.53 نقطة، متجاوزا إغلاقا سابقا بلغ 15.528.10 نقطة، وتأثر أداء البورصة باستقرار تقييم سعر الأسهم للشركات المتعاملة على الدولار، بعد التراجع الشديد في قيمة الجنيه الأربعاء. 

المساهمون