أزمة أسمدة تهدّد موسم الزراعات الصيفية في مصر

24 يوليو 2024
مزارعون يحصدون البطاطس في المنوفية، مايو 2024 (أحمد حسب الله/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **ارتفاع أسعار الأسمدة وأزمة السوق السوداء:** شهدت مصر ارتفاعاً كبيراً في أسعار الأسمدة بسبب نقص المعروض ورفض شركات الإنتاج توريد الكميات المتفق عليها، مما أدى إلى سيطرة السوق السوداء وارتفاع الأسعار بين 24 و26 ألف جنيه للطن.

- **تأثير الأزمة على الحكومة والمزارعين:** تسببت الأزمة في توتر بين الحكومة والمزارعين، حيث تسعى الحكومة لبيع شركات الأسمدة وزيادة أسعار الغاز، بينما يعاني المزارعون من ارتفاع تكاليف الإنتاج وانهيار منظومة التوزيع.

- **تراجع الدعم الحكومي وتأثيره على الإنتاج الزراعي:** تراجع الدعم الحكومي للأسمدة من 63.8% إلى 50.1% بين 2011-2022، مما أثر سلباً على قدرة المزارعين على الإنتاج وزاد من أعباء التكاليف والديون.

اشتعلت أسعار الأسمدة في ذروة موسم الزراعات الصيفية في مصر، مدفوعة بشح المعروض في الأسواق، ورفض شركات الإنتاج الالتزام بتوريد نحو 4 ملايين طن للجمعيات الزراعية والبنك الزراعي.

وقد سيطرت السوق السوداء على تجارة الأسمدة، حيث تراوح سعر طن الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية ما بين 24 ألفاً إلى 26 ألف جنيه، مع ندرة في العرض، وتهافت الفلاحين على الطلب لوقف تدهور الإنتاج في مزارع المحاصيل النقدية والخضروات والفاكهة.

وتدفع أزمة الأسمدة إلى توتر الأجواء بين حكومة تستهدف بيع شركات الأسمدة العامة، وزيادة أسعار الغاز والمحروقات والكهرباء، لسداد جزء من ديونها المتراكمة للجهات الدائنة، وشراء كميات إضافية من الغاز لوقف الضغوط الشعبية المتصاعدة ضدها جراء انقطاع التيار الكهربائي، وبين المواطنين الطامحين في وقف موجات الغلاء المتصاعدة للغذاء والسلع الأساسية.
 

نقص وغلاء أسمدة مصر

سبّب نقص جميع أنواع الأسمدة تضاعف أسعارها خلال الأسابيع الماضية من مستوى 12 ألف جنيه للطن إلى 24 ألف جنيه. وارتفع سعر جوال (شوال) الأسمدة الصيفية، من 260 جنيهاً إلى 1200 جنيه، لدى الموزعين في القرى (الدولار = نحو 48.5 جنيهاً). ويتهم المزارعون الحكومة بعدم قدرتها على مواجهة "مافيا" السوق السوداء، مع فشلهم في الحصول على كميات الأسمدة المدفوعة قيمتها والمقررة لأصحاب المزارع، وانهيار منظومة التوزيع الإلكترونية، باستخدام "بطاقة الفلاح".

وفي السياق، طالب نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، الحكومة بسرعة حل أزمة الأسمدة، معبراً لـ"العربي الجديد" عن خشيته من أن تؤدي إلى نقص كبير في المنتجات الزراعية والحقلية، وارتفاع في أسعار السلع وتراجع حصيلة الصادرات للمنتجات الزراعية. كما أن شركات الأسمدة وجهت طلباً إلى الحكومة الأسبوع الماضي، بمضاعفة سعر أسمدة اليوريا التي تصرفها مدعمة للمزارعين عبر الجمعيات الزراعية والبنك الزراعي، من 4500 جنيه المقررة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى 8800 جنيه، مؤكدين أن قيمة التوريد الحالية تمثل 48% من قيمة التكلفة الحقيقية للإنتاج.
تلزم الحكومة المصانع بتوريد 55% من إنتاجها للمزارعين مقابل تسلّمهم الغاز بسعر مدعوم، يبلغ نحو 4.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، بينما يبلغ متوسط سعر الوحدة العالمي حالياً نحو 6.5 دولارات، ومع التراجع الحاد لإنتاج الغاز في الآبار المصرية، اضطرت الحكومة إلى شراء 21 شحنة غاز من السوق الفورية، بسعر 13 دولاراً للمليون وحدة حرارية.

ويشير تقرير صادر عن مجلس الشيوخ – الغرفة الثانية من البرلمان- إلى توريد المصانع الخاصة نحو 2.2 مليون طن من الأسمدة إلى السوق المحلي، من إجمالي حصة طلبتها الحكومة من تلك المصانع، تقدر بـ 4 ملايين طن.

وفي تصريح صحافي أكد وزير البترول، كريم بدوي، تراجع إنتاج النفط والغاز بنسبة 25% خلال السنوات الثلاث الماضية، ليقترب من أدنى مستوى له في 6 سنوات.

تهاوي الجنيه

تعزو مصانع الأسمدة زيادة أسعار منتجاتها إلى تراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، بما سبّب رفعاً متكرراً لتكاليف الإنتاج، منذ مارس/آذار 2022 بالتوازي مع رفع الحكومة أسعار توريد الغاز للمصانع، وقطع وزارة البترول إمدادهم بكميات الغاز اللازمة للتشغيل، بما يحول دون قدرتهم على الوفاء بطرح الكميات المطلوبة إلى الأسواق المحلية مع تراجع شحن التصدير المتفق عليها مع العملاء الأجانب.

وتترقب المصانع زيادة الحكومة أسعار المواد البترولية، بما يشمل الغاز والبنزين والسولار، خلال الأيام المقبلة، ضمن خطة أعلنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الأسبوع الماضي، تستهدف على حد تعبيره إعادة التوازن بين التكلفة والسعر النهائي لأسعار المنتجات البترولية، بحلول عام 2025. وتشمل الخطة زيادة أسعار الكهرباء، بنسب متصاعدة، ومستمرة لمدة 4 سنوات قادمة.

وكانت الحكومة رفعت أسعار البنزين ما بين 8% و10% والسولار والغاز بنحو 21.2% في مارس 2024.
على صعيد متصل، أدى هبوط سعر طن الأسمدة المخصصة للتصدير من مستوى 1000 دولار عام 2022، إلى 350 دولاراً، إلى تراجع أرباح شركات الأسمدة، بما جعلها تسعى إلى تعويض العجز بالأرباح عبر رفع أسعار البيع للسوق المحلية.

هذا وتقدم عدد من نواب البرلمان بطلبات إحاطة للحكومة الجديدة لدعوتها إلى وضع جدول زمني لإنهاء أزمة الأسمدة ومشكلات المزارعين بما يضمن حماية الأمن الغذائي للدولة. وشكلت الأسمدة نحو 32% من إجمالي تكاليف الإنتاج النباتي للعام المالي 2021-2022، حيث تعتمد الزراعة في مصر منذ 6 عقود على الأسمدة الكيميائية، بنسبة 97%، مع توقف وصول الطمي، مع مياه نهر النيل، بعد اكتمال بناء السد العالي 1969.



بيع حصص الدولة في الشركات

وطالب خبراء بوقف بيع حصص الدولة في شركات الأسمدة، بعد أن سبّب الاعتماد المتزايد على القطاع الخاص تدهور الإنتاج الزراعي، وتهديد قدرة الدولة على توفير الغذاء لمواطنيها بأسعار مناسبة، وشح الأسمدة المدعمة، في ظل عدم التزام المصانع بتوفير الحصص المطلوبة للمزارعين. واعتادت الحكومة توفير الدعم للمزارعين التي تشمل القروض العينية والأسمدة والتقاوي (البذور) من خلال الجمعيات الزراعية التعاونية في القرى والبنك الزراعي القائمين على توزيع مدخلات الإنتاج المدعمة، لحماية أصحاب الحيازات الصغيرة، وضمان تهدئة أسعار السلع الغذائية، وتوفيرها للحكومة بأسعار رخيصة عند الطلب. أما أسعار الأسمدة الكيميائية فقد شهدت موجة ارتفاعات هائلة خلال الفترة من 2015-2021، بلغت 546% مدفوعة بزيادة تكاليف الإنتاج وأسعار الطاقة والغاز، وفقاً لدراسة بحثية أجراها مركز حلول للسياسات البديلة في الجامعة الأميركية. ورصد خبراء المركز التأثير السلبي لزيادة أسعار الأسمدة على تكاليف مدخلات الإنتاج، وأسعار المحاصيل. ولاحظوا أن قدرة المواطن في الحصول على الغذاء مرتبطة بارتفاع معدلات تضخم بلغت نسبتها 73.6%، في سبتمبر/ أيلول 2023، بالمقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.

وقد أدت الزيادة الهائلة بمعدلات التضخم إلى زيادة قيمة القروض الموجهة إلى شراء مستلزمات الإنتاج النباتي من 22.5 مليار جنيه عام 2011-2012 لتصل إلى 117.5 مليار جنيه، بينما ارتفعت القروض العينية من 68 مليون جنيه إلى ملياري جنيه، خلال الفترة نفسها، وفقاً لنشرة الدخل الزراعي في جهاز الإحصاء الحكومي، بما يكشف عن تزايد أعباء التكاليف والديون على المزارعين، من دون زيادة حجم الأراضي الزراعية.


تراجع الدعم

تراجعت نسبة الدعم الحكومي للأسمدة من مستلزمات الزراعة، من 63.8% عام 2011-2012 إلى 50.1% عام 2021-2022. وبينما وجهت الحكومة جزءاً من الدعم إلى المبيدات منذ عام 2022، خصمت قيمة الدعم المخصص لشراء المبيدات من شركات تابعة للجيش، من حساب الدعم الموجه إلى شراء حصة دعم التقاوي والأسمدة من الخارج والقطاع الخاص.
ويرى مراقبون أن الحكومة أهملت دور منظومة التعاونيات الزراعية في تأمين المحاصيل الغذائية للسوق المحلي، بالتوازي مع تراجع الدعم الموجه إلى المزارعين الذي يصل إليهم عن طريق التعاونيات الزراعية والبنك الزراعي من 0.53% من إجمالي الموازنة العامة 2007-2008 إلى 0.10% عام 2023-2024.

وتظهر بيانات وزارة المالية تراجعاً في الدعم الحكومي للمزارعين خلال السنوات العشر الماضية، من مليار و272 مليون جنيه 2014-2015 إلى 455.5 مليون جنيه عام 2023-2024.
في غضون ذلك، يؤكد مراقبون أنه رغم أهمية الأسمدة، لكن حصتها من قيمة القروض العينية المقدمة إلى المزارعين قد تراجعت خلال السنوات العشر الماضية، حيث تظهر بيانات البنك المركزي أن حجم القروض المقدمة إلى القطاع الزراعي من إجمالي الائتمان المصرفي خلال العام المالي المنتهي يونيو/حزيران الماضي 2023-2024، بلغت 2% فقط.

ويوضح خبراء أن تراجع الدعم الحكومي لمدخلات الإنتاج الزراعي والتي تشمل زراعة القمح والذرة والأرز والمحاصيل النقدية الاستراتيجية، يهدد قدرة الفلاحين على الإنتاج ويدفع الأسعار إلى الارتفاع والتقلب وفقاً لآليات السوق الحر.

المساهمون