عندما تفتح البنوك المصرية أبوابها صباح الغد الاثنين بعد إجازة 3 أيام قد تكون على موعد مع خفض جديد في قيمة العملة المحلية، خفض بدأ الأسبوع الماضي مع التعويم الثالث للعملة في فترة تقل عن 10 أشهر وقفز على إثره سعر الدولار من 24.7 جنيهاً إلى أكثر من 27.14 جنيهاً وفق الأرقام المعلنة على صفحة البنك المركزي المصري.
هناك توقعات أن يلامس الدولار حاجز الـ27.5 جنيهاً هذا الأسبوع، وقد يلامس أكبر من هذا الرقم وفق تلك التوقعات، وفي كلّ الأحوال لا نعرف السعر الذي سيتوقف عنده الدولار عن الصعود التاريخي، لأن الجهة الوحيدة التي تعرف القيمة العادلة للسعر هي البنك المركزي والذي ينسق غالباً مع صندوق النقد الدولي في هذا الأمر بهدف تحقيق هدف مرونة سعر الصرف، وهو أحد شروط القرض الأخير.
المشهد داخل سوق الصرف المصري والقطع المالي والمصرفي وقطاع الأعمال يطرح عدة أسئلة لا تجد معظمها إجابة حاسمة رغم اهميتها القصوى.
أول الأسئلة:
هل صعود الدولار الأخير والتعويم الثالث للجنيه في أقل من عام سيقضي على السوق السوداء للعملة ويوحد سوق الصرف كما يطالب صندوق النقد والمستثمرون الأجانب والمصريون على حد سواء؟
الإجابة هنا تتوقف على حجم السيولة الدولارية التي يضخها البنك المركزي في الأسواق والتي تساعد البنوك في تلبية احتياجات عملائها من النقد الأجنبي، وتساعد في طي ملف البضائع المكدسة في الموانئ والبالغ قيمتها أكثر من 9 مليارات دولار بعد الإفراج عن سلع بقيمة 6 مليارات دولار منذ أيام.
ثاني الأسئلة:
ما هي القيمة العادلة لسعر الدولار مقابل الجنيه والتي إن تجاوزها يكون السوق قد انتقل من مرحلة التسعير العادل للعملة إلى مرحلة المضاربة من قبل تجار عملة وذهب بهدف تحقيق أرباح رأسمالية سريعة على حساب المواطن والأسعار والاقتصاد؟
الإجابة هنا لدى البنك المركزي وحده، فهو المسؤول عن إدارة السياسة النقدية والذي لا يجب الكشف عن هذا السعر العادل حتى لا يستغله المضاربون ويزايدوا عليه، وهنا ندخل في دائرة هبوط جديدة ومضاربات لا نهاية لها.
ثالث الأسئلة:
هل باتت لدى البنك المركزي المصري القدرة على مواجهة المضاربات المحمومة على العملة المحلية والتي كانت أحد أبرز الأسباب وراء الاضطرابات الأخيرة في سوق الصرف، أم أن هدف سداد أعباء الدين الخارجي وتمويل واردات الدولة من السلع التموينية والبترولية أهم من هدف دعم العملة المحلية واستقرار سوق الصرف؟
رابع الأسئلة:
هل الشهادة التي طرحها أكبر بنكين في السوق، وهما الأهلي المصري ومصر، بسعر فائدة تاريخي يبلغ 25% قادرة على امتصاص السيولة المتوافرة لدى المدخرين والتي تبحث عن فرص استثمار آمنة ومجزية، وبالتالي تجفيف مصادر المضاربة على الدولار وشراء السلع، وهنا يتم محاربة الدولرة والتضخم في آن واحد؟
أم أن البنكين يستهدفان فقط عدم خروج السيولة القائمة من القطاع المصرفي، فأموال الشهادة القديمة والبالغ قيمتها 760 مليار جنيه وتم طرحها في مارس/آذار الماضي من قبل البنكين من المرتقب أن يحل موعد سدادها خلال أسابيع، وبالتالي تخشى البنوك خروج هذه السيولة الضخمة خارجها، ويوجه أصحابها جزء منها للمضاربة على شراء الدولار أو الذهب، وهذا خطر على الاقتصاد والقطاع المصرفي.
خامس الأسئلة:
ما هو المعدل الحقيقي للتضخم في مصر في ظل قفزات يومية للأسعار وتهاوي سريع للعملة المحلية، لأنّ الإجابة عن السؤال تحدد للمدخر والمستثمر قراره الاستثماري والمالي المستقبلي، وما إذا كان سيكتتب في شهادة الـ25% دون التعرض لخسائر في حال زيادة التضخم عن الرقم المعلن، أم أنّ الاستثمار في الذهب والدولار هو الخيار الأفضل على الأقل في الوقت القصير؟
أسئلة كثيرة مطروحة على الساحة الاقتصادية المصرية والسيناريوهات مفتوحة، ولا أحد يستطيع طرح إجابات دقيقة أو حتى مجرد إعطاء مؤشرات للسوق تساعد في اتخاذ القرار.
مؤشرات تساعد المدخرين وأصحاب الأموال على إعادة التمسك بعملتهم المحلية والابتعاد عن المضاربات وتقليص ظاهرة الدولرة بشرط التأكد أولاً من توقف تآكل الجنيه وتراجع التضخم.
ومؤشرات تعطي طمأنينة للمستوردين، وبالتالي الأسواق، بأنّ البنوك جاهزة لتمويل التجارة الخارجية، ومؤشرات ثالثة تحدد كيفية تغطية العجز في صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك والبالغة قيمته 19.7 مليار دولار بنهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، ولا نعرف الرقم الذي وصل إليه العجز حتى نهاية عام 2022.
في كلّ الأحوال فإنّ جميع مكونات المجتمع في حاجة إلى إعمال صانع القرار مبدأ الشفافية والإفصاح وتقديم معلومات رسمية دقيقة حول وضع مصر المالي وعمق الأزمة الاقتصادية، لأنّ المصارحة بداية أيّ حلّ للأزمات المعقدة الحالية، وترك السوق للتخمين والشائعات والاحتكارات خطر على الجميع.