ذقت موتَكَ
هل تخرج من هذه الصورة
يكفيك موتاً
إنها دقيقة فحسب ولن تبقى حياً بعدها
إنها لقطة واحدة
وستبقى وحدك على الشاشة
وحدك مع الزجاجة الفارغة
مع الروح التي فيها
لكن الماء ليس حيّاً بعد
اللقمة بعيدة عنك
إنها فقط خبر
إنها فقط رسالة
لقد عشت بالتأكيد
كان لك هذا الماضي
كانت لك هذه الجنينة التي عاشت بعدك
لقد ذقت موتَكَ
أرسلوه لك في طبق
أعطوكه مع كلمة
سقطت من ورقة مدعوكة
من منديل مطوي في الجيب
كلمة تغدو في حينٍ تراباً يكسو الوجه
أو ترقّ لتكسوه كذكرى
إنه يوم مطروح أرضاً
ولا يزال هنا إلى أن يأكله الوقت
إنه يوم ننصبه كمتراس
إذ الوقت معدود بالرصاص
ولا ينتظر حتى يقع الأسبوع
حتى يخرج من المدينة هذا الشهر المولي
ننتقل جنوباً، نموت شمالاً
هناك ممرّ آمن للجثث
الصمت لا يزال بارداً
لا يزال وحده يمتلئ سطوراً وتواريخ
إنّه فقط يعيد كتابة نفسه
ليس بأي حبر
ليس في أي نهار.
■■■
ليست حرباً
حدث
حدث بقوّة حتى أنّنا لم نعرف إذا كان سيتوقّف
الموتى لا يحتاجون إلى أسماء
يكفيهم رقم واحد
إنّه السقف الذي انطبق عليهم
السماء التي سقطت فوقهم
حدث بقوّة لكن خرس فوراً
كان دقيقة واحدة، صرخة فقط
لم تلبث طويلاً، لا بدّ أنّها وصلت محطَّمة
كانت مدينة تنفجر في الأعلى
عدماً هوى على وجهه
زقزق الأطفال من فوق
أحجار كثيرة، بألف وجه، استمرّت في لعبها
لقد تآخت في الحضيض
كان حبّ بقطع عديدة
كان نهار في الأسفل
أجسام بأيد زائدة،
بأصابع من عجين استمرّت تغنّي
أعمار بسرعة البرق، عيون من خارج الحياة
أيام تخرج من بعضها
الزمن يتساقط من أعلى
سقوفاً فوق سقوف
إنه يبصق أسنانه
إنها أشلاؤه التي تُعدّ بالأسابيع
وليست حرباً إلّا حين لا يبقى وقت في الأنفاق
ليست حرباً إلّا حين تنقل العراء إلى الضفّة الأُخرى
وإلّا حين لا يعود هناك صوت آخر للإعدام
ستكون هذه الوحشة شاملة ولا تُقاس بالأيام
ستكون هناك خطوط وقبّعات واقية وبقايا من كلّ صنف
لكن لا أحد سيكون حيّاً من وراء الصناديق
سيكون حقّاً جفّ الوقت وجفّ الدم
ولن يجدوا الرأس الذي أحدث هذه الفوضى
لن يكون هناك أشخاص كفاية في العلبة
ولا أسماء كفاية لنقل هذا الضجيج
سيكون هناك صراخ يتجوّل يتيماً
ويؤكّد أنّه هكذا منذ قرون
يؤكّد أنّه ليس هكذا وُلد وليس هكذا حمل اسمه
لقد نقلوه من حيث لا يذكر وهو من ذلك الحين
ابن كلّ مدينة فارقها وكلّ ميدان نقلوه إليه
سيكون طفلاً في كلّ يوم
وأباً لمن لا يعرفهم
سيكون دائماً تحت الأنقاض وسيستعير من كلام عدوّه
سيرة لنفسه ولقباً
سيبقى وراءه دون أن يتعلّم كيف يختفي.
■■■
عالَم بلا عينين
لي هذه الشاشة
بيننا خطوة واحدة
بوصة فقط لكنّ العالم يسقط هنا
لا يحتاج الأمر إلى أكثر من دقيقة
الانفجار يسبق، إنّه كتابة أُولى
سطور تهوي سقوفاً
سقوف تهوي سطوراً
نرسل وثائق إلى الخارج، ليس العدد مهمّاً
الألوف لا تكفي
ينتظرون على شاشات وجنب الهواتف أن نبعث أكثر
في الصباح نجدهم تركوا لنا ألفاً آخر
لن نحسب أنه خرج من أحلامنا
لم يكُن منامنا حافلاً بالجثث
الدويُّ الآن ساكت، إنّه يتحجّر على الشاشة
الليل يجمد أيضاً
لا نفهم كيف صار للمدينة هذا الوجه
لا نفهم لغة الأنقاض
ولا هذا الهدم الأخرس
هذه الحفرة صمّاء
وللطريق هذه الأسنان الجديدة
لا نعرف ماذا نسينا في الظلمة
لا بدّ أنّها سكاكين، لا بدّ أنّها أظافر
لم تقُل المباني شيئاً وهي تهوي
عائلات خرجت بصحبة حيطان
برفقة عيون انفجرت في السقوف
الأطفال على الأيدي كانوا وحدهم كلمات الصبيحة
ألقوهم كالتحيات على الجانبين
جمعوهم في أكياس قبل أن يهدوهم للشتاء
العالم تحت الشاشة
لقد سقط بفم هائل ورأس كبير
إنه بدون عينين
ولن ينتظر حتى يغدو بدون صوت
لكن الأغنية تستمر على جثث الأطفال
الأغنية ذاتها تسقط فوق الجميع
كلمة واحدة أحرقت مدينة
عاصفة لا نعرف متى بدأت تستمرّ في الدوران
لم يعرف الغريب أنّ تلك ساعته
إنّه سيعثر بجثّة
قد يكون مات قبل الآن
قد يكونون أهدوه إليه
الجريمة الصغرى لم تطل لكن الذبح استمرّ
لم يعرف الغريب ماذا يحدث في بيته
ذلك لم يكن أكثر من رسالة في التلفزيون
تساقطت الصور، تساقط الأشخاص
لا نتكلّم عن الدم، ثمة إعدام أبيض
ثمّة موتى بكلمة
الجريمة الأكبر في طائرة، في الصالون
الجريمة الأكبر تتنزّه على الشاطئ
اسم آخر هو الذي قتل
كنّا خارج القطار
العالم مر من هنا
بفمٍ هائل ورأس كبير
كانت هذه دعوة فقط للجلوس في الممرّ
دعوة لننسى حقائبنا وربّما أسماءنا في الرواق
كانت لنا فقط هذه النافذة
لنا فقط أن نسلّم مفاتيحنا للزوار
أن نحلم بيوم آخر من وراء الباب
أن نسأل إذا فكّرت بنا شمس الأصيل والكلب الصغير وفاتورة المقهى
إذا بقيت لنا ساعة في الزقاق.
* شاعر وروائي من لبنان