استمع إلى الملخص
- تتنوع الصور بين لقطات أرشيفية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتعرض حالات عنف عاطفي من زمن يهوذا الإسخريوطي حتى اليوم، مع الحفاظ على سرية هوية الأبطال حتى النهاية.
- يعرض الكتاب قصصًا مؤلمة مثل قبلة كريس بينوا لزوجته قبل قتلها، مسلطًا الضوء على تعقيدات الحب والأقنعة التي يضعها العشاق لإخفاء الجانب المخيف منه.
ثمّة حُبٌّ قاتل. حُبُّ يخفي شيئاً أكثر من العواطف والمشاعر. هكذا، على مرّ التاريخ، كان هناك الكثير من قبلات الحُبّ التي أدّت إلى الموت وإلى نهايات مأساوية. وربّما كانت قبلة يهوذا أكثرها شهرة. فوراء تلك الإيماءة المرتبطة بالحُبّ والمودة؛ والتي من المفترض أنّها قديمة قدَم الإنسانية نفسها، اختفت أعظم انحرافات التاريخ وتحوّلاته.
هذا ما نلاحظه عند قراءة "قبلات" للفنّانة والمصوّرة الفوتوغرافية الإسبانية مارينا بوبو (مدريد، 1996)، وهو كتاب مصوّر صدر حديثاً عن دار "دابلين"؛ حيث تخبرنا فيه، بإيجاز، أنّ القبلات ليست إلّا متاهات معقّدة تضيع فيها الأهواء والمشاعر والأجساد والأحلام، وربّما الحياة أيضاً.
كلُّ شيء في الكتاب يُوحي بالحُبّ وعوالمه، بدءاً من العنوان، ومروراً بغلاف الكتاب الأحمر. ثمّ بعد ذلك سيرى القارئ نفسه مباشرةً أمام سلسلة من سبع وسبعين قبلةً، عُرضت جميعها على صفحة مزدوجة. اللون الأحمر الذي يرافق الصور سيزداد كثافةً وعمقاً؛ الأمر الذي يؤثّر على البصر والبصيرة أيضاً. ربما كان هذا الأمر متعمّداً من قبل الفنّانة، في إشارة إلى مدى تأثير الحُبّ على حياة العشّاق أو من يعتقدون أنهم يحبّون بعضهم بعضاً.
تكشف العناوين المصاحبة للصور عن قضايا اجتماعية وثقافية مثيرة للجدل
الصور ذات طبيعة متنوّعة وتشير إلى عنف عاطفي يمتدّ من زمن يهوذا الإسخريوطي إلى اليوم. بعضها يأتي من الأرشيف وأُعيد نشره بواسطة وسائل إعلام مختلفة، وبعضها الآخر مأخوذ من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بأبطال تلك القبلات. كذلك جرى تضمين لقطات فيديو ولقطات من أفلام مثل "العرّاب".
يحافظ الكتاب على سرّية هوية أبطال الصور حتى نهاية السلسلة، ومن ثمّ لن يكون من السهل على القارئ التخمين أنّ الضحية تظهر دائماً على اليسار والقاتل على اليمين. سيتعيّن علينا انتظار سلسلة جديدة من الصفحات؛ حيث جرى بالفعل تكثيف لون الخلفية الحمراء ثمّ الكشف عن الجرائم المرتبطة بكلّ صورة من خلال عناوين رئيسية لأنواع مختلفة من المنشورات. لذلك، بمجرّد الكشف عن الخيط المشترك لسلسلة الصور، لن يكون بمقدور القارئ إلّا إعادة النظر فيها من زاوية جديدة.
تبدأ صور الكتاب مع قبلة بطل المصارعة كريس بينوا لزوجته نانسي سوليفان، التي سيشنقها قبل أن يشنق نفسه، وينتهي بصورة مليئة برعب نظرة صادمة لرجل عجوز هو إيفان القاتل، الذي قبّل رأس ابنه، بعد أن وجّه له ضربة قاتلة. بين الصورتين، تظهر العديد من القبل القاتلة، مثل قبلة مستخدم يوتيوب روسي بثّ على الهواء مباشرة موت صديقته وتعرّضها لدرجات حرارة منخفضة لساعات طويلة، وقبلة المختلّ عقلياً بينيت، في باريس، الذي قتل أخته لأنّه أراد إيذاء والدته، وأيضاً قبلة طبيبة في إيطاليا كانت تكافح ضدّ فيروس كورونا، وقتلها صديقها الممرّض. "لقد أصابتني بالعدوى"، يزعم الخانق. كذلك القبلة التي أعطاها مصارع الثيران كارلوس نافارو للثور، قبل وقت قصير من طعنه والحصول على أذنه مكافأةً.
تحاول الفنّانة، من خلال عرض الصور، الإشارة إلى التحوّل الحاصل في المشاعر وصولاً إلى العناصر التي تفسدها. هكذا تكشف العناوين الرئيسية المصاحبة للصور عن قضايا اجتماعية وثقافية مثيرة للجدل، سواء تاريخياً أو حتى في يومنا هذا: العنف القائم على النوع الاجتماعي، والأمومة، والدين، والمال، وقدرة وسائل الإعلام على التأثير في الرأي العام، ناهيك عن دور شبكات التواصل الاجتماعي في ذلك.
لا يمكن لمن يقرأ الكتاب إلّا أن يُفكّر في تعقيدات الحُبّ، وفي الأقنعة التي يضعها العشّاق والمحبّون على وجه الحُبّ كي يخفوا الجانب المخيف منه. فالكتاب يدعونا إلى التفكير في العواقب المؤلمة للعواطف وثنائياتها المتناقضة، والإجابة عن سؤال: كيف يمكن أن يتحوّل الحبّ إلى نوع من القتل؟