آلاف من التونسيات عبرن البحر المتوسط مستغلات توتر الأجواء الأمنية وانشغال الحكومات بمحاولة استيعاب ما جرى من تطورات سياسية.
فاطمة (35 سنة) من مدينة نابل، كانت من بين الفارين بطريقة غير شرعية سنة 2011، تحدثت لـ"العربي الجديد" عن تجربتها كمهاجرة غير شرعية وعن تواصل معاناتها رغم ما بذلته من جهود، أملا في تغيير أوضاعها.
تقول بكثير من الحسرة: "أنا من عائلة فقيرة جدا، والدي مصاب بمرض مزمن ووالدتي تعاني من مرض عصبي، غادر أخوتي الذكور المنزل للبحث عن عمل في العاصمة ولم يعودوا منذ سنوات، حين علمت أن أبواب الهجرة مفتوحة إبان الثورة أسرعت في الذهاب بعد أن تسلمت من صديق بعض الأموال التي منحتها لصاحب القارب.
تضيف: "وصلت إلى إيطاليا وقضيت بها بضعة أشهر قبل أن أنتقل للعيش بباريس، بأحد المنازل المهجورة برفقة أصدقاء وصديقات تعرفت عليهم بنفس المركب الذي هاجرنا على متنه، أحاول أن أبحث عن قوت يومي سواء بالعمل كمعينة منزلية وقتية أو بإحدى حظائر البناء، أحيانا أجمع مبلغا ماليا محترما أقوم بإرساله لعائلتي وأحيانا أخرى اضطر إلى تسول ما يسد رمقي".
حول سؤال "العربي الجديد" لها عن معنى الاحتفال باليوم العالمي للمرأة وما تنتظره من الدولتين التونسية والفرنسية، لم تترك صديقتها، وتدعى ريم، الفرصة لها لتجيب، حيث انتفضت قائلة: "لا ننتظر شيئا ولم يعد لنا أمل في أي دول أو حكومات، صحيح أننا إناث لكننا هنا نعتمد على أنفسنا في كسب رزقنا، يكفينا أن نجد مكانا نستريح فيه وعملا وقتيا يمكننا من خلاله إرسال بعض الأموال لعائلاتنا".
وتتابع: "حين كنا في تونس لم نكن نملك ما يسد رمقنا، أوراق اللجوء السياسي التي منحتها لنا إيطاليا انتهت صلاحيتها نظرا لعدم متابعتنا لها، وأظن أن الحكومة التونسية هي آخر ما يمكننا الحديث عنه فيما يخص تحسين وضعنا".
وترى ريم أن من بين الحلول المطروحة للعيش بكرامة في باريس، "الحصول على وثائق تمكنهم من العودة إلى أرض الوطن، أو إنجاب طفل، نظرا لما تمنحه الدولة الفرنسية من امتيازات للأم والطفل"، لكن الزواج أيضا أصبح مطلبا صعبا حتى إن عشرات التونسيات قمن بإنجاب أطفال غير شرعيين لإنقاذ أنفسهن من الظروف الصعبة التي يعشنها.
ناقمة على الوضع
نسيمة فتاة في الخامسة والأربعين من العمر لم تستطع أن تمنع دموعها وهي تسرد قصتها لـ"العربي الجديدّ". تقول: "عن أي دولة تونسية يتحدثون؟ نحن لم نهرب طلبا للحرية والديمقراطية، لقد هربنا طلبا لقوت عائلاتنا، توفي والدي ولم أتمكن من حضور جنازته وتوديعه لأنني لو سافرت لن أتمكن من العودة إلى باريس ومتابعة طلب الحصول على الإقامة".
نسيمة تعترف أن لا أحد يقدم لهن يد المساعدة، "السفارة التونسية تتجاهلنا والجمعيات الحقوقية تتاجر بقضايانا لتجمع الأموال على حسابنا والسلطات الفرنسية تخنقنا بإجراءات قانونية طويلة ومعقدة".
تضيف: "أعمل منظفة بمطعم لمدة 12 ساعة باليوم، بأجر لن يعوضني أبدا ما عانيته من ألم وشعور بالغربة والعجز". وتدعو الدولة التونسية إلى مقاطعة الاحتفال بعيد المرأة قبل أن تجد حلا لنسائها وفتياتها اللواتي يقاسين الإهمال والعنصرية والتحرش والجوع في أوروبا، وتقول: "حين توفر ما يضمن كرامتنا وكرامة عائلاتنا سنعود لنرد لها الجميل، وفي انتظار ذلك سيظل ما نمر به وصمة عار على جبين سياسيي تونس وحقوقييها".
مهاجرات يركبن المخاطر
آلاف المهاجرين غير الشرعيين غادروا تونس منذ ثورة 2011 ومازالوا إلى يومنا هذا يركبون الخطر من أجل مغادرة بلاد أصيب اقتصادها بالانهيار وحكامها بالحيرة في مواجهة ظروف اجتماعية وأمنية صعبة. وتحولت سواحل مدن جرجيس وقرقنة والشابة التونسية إلى مرافئ للمهاجرين غير الشرعيين من البلدان الأفريقية ومن مصر وليبيا والجزائر والمغرب.
وسبق للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن أصدر بالتعاون مع الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان بيانا أكد فيه ارتفاع ضحايا الهجرة غير الشرعية في البحر الأبيض المتوسط ليصل العدد إلى 1600 مفقود في الثلث الأول من سنة 2015، وقد بلغ عدد المفقودين 3500 مهاجر سنة 2014. أما عدد المهاجرين الذين بلغوا سواحل البلدان الأوروبية انطلاقا من تونس سنة 2015 فقد تجاوز 2800 مهاجر، حسب نفس التقرير.
اقرأ أيضاً: مهاجرات يخفن إغماض أعينهن