كتب 2015: شيء من السياسة والتاريخ

01 يناير 2016
ماجد زليلة/ تونس
+ الخط -

شهد عام 2015 الكثير من الإصدارات التي تفاوتت على عدة مقاييس، من احتفاء المثقفين إلى مؤشرات السوق. لعل مما لفت الانتباه هذا العام، عدد من مشاريع السلاسل مثل سلسلة "أدب الرحلات" التي تتعاون في إصدارها "المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر"، مع "دار السويدي" ومشروع "ارتياد الآفاق" الذي يعنى بأدب الرحلة الكلاسيكية والمعاصرة، أو سلسلة "ترجمان" التي تصدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات".

إضافة إلى استمرار نشر الكتب المترجمة عربياً، والتي بدا لنا أن ما هيمن عليها هذا العام هو كتب التنمية البشريّة وتعلّم الكتابة، كما هو الحال بالنسبة لكتاب "تطوير الذات" الذي كان الأكثر طلباً في "دار الساقي"، كما تقول لـ "العربي الجديد" مسؤولة العلاقات العامة والتسويق في الدار منال شمعون.

بعيداً عن الأكثر مبيعاً، حصلت رواية، "ستيمر بويبت" لليمني أحمد زين، على اهتمام الكاتب الأردني إلياس فركوح، ضمن ما قرأه في 2015، إذ تتناول الرواية فترة تاريخية محددة في اليمن.

يقول فركوح لـ "العربي الجديد": "أكثر ما لفت نظري فيها، جدة الموضوع وجرأة النظرة، أو الرؤية للتاريخ ثم المستوى الكتابي الرفيع". في حين كان كتاب "التعالي النصي في الرواية المغربية" للناقد المغربي نور الدين الفيلالي هو ما لفت انتباه الباحث والناقد العراقيّ عمّار إبراهيم الياسريّ.

من جهته، يرى القاص الأردني هشام البستاني في استخدامات التاريخ والتراث في السرد، "ثقافة رد-فعلية" تستجيب للوضع القائم والدعاية الرائجة برد الفعل" كما يقول لـ "العربي الجديد". أما عمّا لفته في إصدارات 2015 في حقل القصة القصيرة، فقد أشار إلى مجموعة "كفنٌ للموت" للجزائري عبد الرزاق بوكبة و"مصحة الدمى" للمغربي أنيس الرافعي.

الإصدارات الأولى لكتّاب شباب، استحوذت هي الأخرى على اهتمام الكثير من الكتّاب. من تونس، أشاد الشاعر والمترجم محمد علي اليوسفي، عبر صفحته في فيسبوك، برواية الشاب ذي الـ 23 عاماً محمد الحباشة المعنونة بـ "خلدون ميشال".

الحباشة له رأيه هو الآخر في إصدارات الجيل الجديد من الروائيين التونسيين هذا العام، فكانت التفضيلات لـ "زهرة عبّاد الشمس" لـ نبيل قديش، و"انتصاب أسود" لـ أيمن الدبّوسي، أما عن السبب.

يقول الحباشة لـ "العربي الجديد: "ألرّوايتان تقطعان مع الرّأي السّائد بأنّ الرّواية الأولى لا بدّ أن تكون رواية سيرة ذاتيّة" حيث لا يرى "علاقة لحياة المؤلّفين بأحداث روايتيهما". في حين أشادت أحلام بشارات، برواية الفتيان "نزل الذرة الصفراء، لأنس أبو رحمة، وكتاب "حكايتي مع الكلمات" لمنير فاشة، الموجَّه للناشئة.

بعيداً عن ملامسة التاريخ في الروايات، وضمن الكتابة التاريخية، لفت الصحافي والكاتب محمد أبو عرب كتاب "توازن النقائض" لمؤلفه سليمان بشير، والذي يدور حول تاريخ الحضارة العربية في الجاهلية والإسلام و"يتوقف عند بعض القضايا الغائبة عن الطرح" بحسب أبو عرب، حيث وجد "خلاصات مكثفة حول جذور المنطقة العربية وتاريخها" كما في رواية محمد المنسي قنديل "كتيبة سوداء"، ومثله كتاب "شخصيات حية من الأغاني" بسبب "قدرته على إعادة إنتاج حكايات العديد من الشخصيات الفارقة في التراث العربي والإسلامي".

"أشكال المثقف، وإشكالية الثقافة" لـ فيصل درّاج، كان له نصيب من حصّة الأكثر طلباً في "دار أزمنة"، وفقاً لمدير الدار إلياس فركوح.

هكذا لامس الفكر، هذا العام، قائمة الأكثر مبيعاً في بعض دور النشر العربيّة. وترجع المترجمة والباحثة في الفلسفة أماني أبو رحمة ذلك إلى "خلخلة المفاهيم ومساءلة السرديات الكبرى في هذه المنطقة، وعلى رأسها الدين والتاريخ".

وبسبب ذلك كلّه "عاد المفكرون والمتخصّصون والباحثون وربما القرّاء إلى الفلسفة" وهذا ما يؤكده لنا مدير المبيعات في "دار التنوير"، وائل عبيد، حيث وجدت كتب الفلسفة مكانةً مع الرواية في قوائم الأكثر مبيعاً عام 2015.

لكن عبيد يحصر الأكثر مبيعاً من هذه الإصدارات بالـ "الكتب التي تستهدف شريحة واسعة من القرّاء المهتمين بتكوين معرفة فلسفية ممن يصعب عليهم قراءة هيغل أو كانط مثلاً"، لذلك "نحن نختار لهم كتباً تقدّم معرفة عامّة ومكتوبة بطريقة سلسة، مثل: "عزاءات الفلسفة" أو "أجمل قصة في تاريخ الفلسفة" أو كتاب "تاريخ الفلسفة الحديثة".

ومن خلال رصدها، تؤكد أبو رحمة على تزايد كتب الفلسفة والنقد مقارنة بالأعوام السابقة، خصوصاً تلك التي تركز على الراهن من قضايا الأصولية المتطرفة ونقد الخطاب الديني المعاصر، في "محاولة لمواجهة الانهيارات وإزاحة الركام عن النقي والجيد وطرح الأسئلة التي تزاحمت في عقل القارئ المثقف الذي يشهد اختلال كل ما تربى عليه بوصفه مقدساً غير قابلٍ للمساءلة".

في هذا السياق، تُظهر أرقام "دار الساقي" أن كتاب عبد الباري عطوان "الدولة الإسلاميّة: الجذور، التوحش، المستقبل" كان من الكتب الأكثر مبيعاً. هنا يرى البستاني أن "الفترة الحالية هي فترة "داعش"، لذا فالسوق يطلب استجابة سريعة لهذه الظاهرة ليبيع، والسلطة تطلب استجابة سريعة لتؤمّن خطاباً مضادّاً".

في مقابل ذلك تصدّرت "موسوعة السياسة" التي أتت في تسعة مجلدات، وفقاً لمدير عام المؤسسة ماهر الكيالي، قائمة الأكثر مبيعاً لـ "المؤسسة العربية للدراسات والنشر".

الشاعر والمترجم السوري جولان حاجي، فضّل من إصدارات 2015 ديوان شعر "كان نائماً حين قامت الثورة" للمصري عماد أبو صالح، الذي يرى أنه "ترك ما يسمى الأضواء لمحبيها، واكتفى بضوئه الخاص". وضمن ما تسنّى لحاجي قراءته من الأعمال الشعرية الصادرة هذه السنة، أشاد بكل من كتب صلاح فائق وأحمد الملا وريبر يوسف.

وللترجمات نصيب من الأكثر مبيعاً هذا العام؛ حيث تصدّر قائمة الأكثر مبيعاً في "دار أزمنة" كتاب "لو كان آدم سعيداً" لإميل سيوران، بترجمة محمد علي اليوسفي، و "سفينة الموتى" لـ ب. ترفن ترجمة إقبال القزويني، أما "دار التنوير" فكان كتاب "عزاءات الفلسفة" لـ ألان بوتونمن الأكثر مبيعاً لديها هذا العام من بين الكتب المترجمة.

وهنا تؤكد لنا أماني أبو رحمة أن "سوق الكتب المترجمة هو الرائج، فقد كفر القارئ منذ فترة بالغث العربي الذي يحمل عناوين عريضة لأسماء شهيرة ولا مضمون يتميز بالجدة والأصالة، لذلك فإن على الكتّاب مواجهة حقيقة وجود قارئ شغوف يتطلع لمعرفة مغايرة إذا ما أرادوا لكتبهم أن تُقرأ ولأفكارهم أن تنتشر وتؤثر"، بينما يرى الياسريّ أن "الإقبال على حقل النقد، ضعيف بسبب "أن هناك هوة كبيرة بين الذات الشعبية والنص النخبوي".



اقرأ أيضاً: كريستيان دولاكومبان: الفلسفة مُعتقلة في أوشفيتس

المساهمون