لم يستطع العام الفائت تحقيق أي تقدّم، أو تبدّل على الجبهة الثقافية السورية. بل إن العكس هو ما يجب أن يلفت المرءُ النظرَ إليه، فقد رحلت معظم دور النشر إلى الخارج، إلى لبنان أو إلى تركيا، أو أوروبا.
اختارت دور نشر أخرى أن تتوقّف عن العمل، أو تنشر بضعة كتب تضمن لها البقاء الاسمي في الساحة، وتحميها من الإجراءات الإدارية التي قد تهدّدها بالإلغاء من قبل الدوائر الرسمية المعنية بشؤون الطباعة والنشر، في ما لو عجزت، أو امتنعت عن نشر العدد المقرّر من العناوين في رخصة الإنشاء.
تكاد هجرة دور النشر تشبه هجرة السوريين، ورحيلهم في كل شيء، إذ لم تكن الصعوبات المالية، أو انحسار القراءة، أو العجز عن توزيع الكتاب المطبوع، بسبب الظرف الأمني والعسكري، الذي يسم البلاد، هي السبب وحسب، فقد دُمّرت معظم المطابع الكبرى التي كانت منتشرة في الريف الدمشقي.
كما تعرّضت صناعة الكتاب إلى القرصنة، حيث تسرق الكتب الرائجة، المترجمة وغير المترجمة، وتوزّع في الداخل بشكل شبه علني في المكتبات التي بدأ أصحابها أنفسهم يرتدون عصّابة القراصنة، أو يحملون سيوفهم.
وعلى كل حال، فإن الخروج لم يحسّن الحالة أبداً. فما تزال أرقام العناوين في حالة انحسار وجزر، وما تزال أرقام توزيع الكتب السورية في حدودها الدنيا، ولا تصلح الكتب التي تكسر القاعدة، أن تكون مثالاً لنقض التوصيف، من دون أن ننسى انهيار الليرة الذي يساهم في غلاء الكتب.
تبدو جهة رسمية مثل وزارة الثقافة التي حقّقت في سنوات العقد الأول من القرن الواحد والعشرين أرقاماً جديدة في عدد العناوين المنشورة لديها، منخرطة أيضاً في حالة السبات التي تخيّم على عالم النشر. ومن الصعب أن يجد القارئ عناوين بارزة في المجالات التي كانت تشتغل عليها، سواء في الفلسفة أو الرواية أو النقد أو التاريخ. ويحاول المسؤولون عن النشر فيها تعويض هذا الغياب بإعادة نشر الأعمال السابقة التي نشرت في الوزارة نفسها.
والطريف في الأمر أن الأخيرة كانت تعتمد، من قبل، مبدأ عدم إعادة نشر الكتب المطبوعة لديها، بعد انتهاء عقودها مع الكتّاب والمترجمين. وهو ما يعكس حالة العوز الفكري الذي يعاني منه عالم الكتب.
وتبدو الدوريات التي تنشرها الوزارة، أو تلك التي ينشرها "اتحاد الكتّاب"، شبيهة بمجلات الحائط، لاقتصار المشاركين فيها على بضعة أسماء، بعد أن هاجر العشرات من الكتّاب السوريين إلى الخارج.
وسينعكس هذا كله على حالة الثقافة عامة؛ إذ يغلب على الصفحات الثقافية الأحادية في طرح القضايا الأدبية والفنية، ويقتصر النقد على المراجعات الصحافية الخفيفة التي لا تهتم بالبحث عن المنجز الأدبي أو الفني.
والجديد في أمر الثقافة السورية هو أن تنشغل بعض الأقلام بصراع الهويات التي كانت غائبة عن سطح الثقافة في الماضي، من دون أن تنتج حتى الآن فكراً تنويرياً يرسي قيم التواصل والتسامح. فيما يبدو التقسيم الجغرافي المسلّح لمناطق النفوذ كارثة تهدّد الوجود السوري ذاته بالزوال.
اقرأ أيضاً: بيدر الحسابات الأخيرة