02 نوفمبر 2024
تونس... زلات البكوش
تابعت دروس وزير الخارجية التونسي الحالي، الطيب البكوش، في الجامعة، وكان ضليعاً في علم اللسانيات، متمكناً من لغة الضاد، خبيراً بشؤون الترجمة من الفرنسية إلى العربية، وكان فرنكفوني الثقافة، يساري الهوى، ولم يكن عليماً بالعلاقات الدولية، ولا بمتعلقات بؤر النزاع في البلاد العربية وخارجها. وكان ينأى بنفسه عن الخوض في الواقع السياسي المأزوم الذي عاشته تونس قبل الثورة. وحتى في أثناء توليه رئاسة المعهد العربي لحقوق الإنسان في تونس، لم يبادر بإصدار بيان واحد في إدانة الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان، في حقبة الدولة القامعة على عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، بل كان يحاذي الجدران القائمة، وينخرط ضمن جمع النخبة المثقفة المستقيلة التي ترتضي الانكفاء على نفسها، وتسكن برجها العاجي لتراقب المشهد عن بعد، ولتصم آذانها عن آهات المعذبين والمشردين، وتغض النظر عن معاناة مساجين الرأي وضحايا الاستبداد، في تلك الفترة العصيبة من تاريخ تونس.
وبعد الثورة، بدل أن يُسأل البكوش، وهو الذي يزعم أنه نقابي وحقوقي مكين، عن صمته على جرائم "بن علي"، وجدناه يتصدر المشهد الإعلامي والسياسي، ويفتي للناس في كل شاردة وواردة، ويغتنم عصر الثورة ليتقلد منصب الوزير أكثر من مرة، والحال أنه قد بلغ من العمر عتياً، فقد تولى إدارة شؤون وزارة التربية ضمن الحكومة الانتقالية التي ترأسها الباجي قايد السبسي.
ويقول ملاحظون، إن الرجل لبس في تلك الوزارة جبّة التكنوقراطي، ولم يكلف نفسه فتح ملفات الفساد فيها، ولم ينصف المفروزين أمنيّاً في مناظرات وزارة التربية على عهد بن علي، ولم يتخذ خطوات جريئة، نظريّاً أو عمليّاً في مجال الإصلاح التربوي، بل اكتفى بترك الوضع على ما هو عليه. وخلال فترة حكم الترويكا، بقيادة حركة النهضة، جدّ الطيب البكوش في تعداد زلاتها، وكان من أعلام التيار اليساري في حركة نداء تونس، ومن دعاة إقصاء الإسلاميين من الحكم، ومن روافض إشراكهم في إدارة شؤون الدولة، حتى أنه رفض مبدأ التحالف مع حركة النهضة، لكنه قبل تولي مقاليد وزارة الخارجية ضمن الحكومة الائتلافية، بقيادة الحبيب الصيد. وليته ما فعل، فقد تتالت زلاته في إدارة الشأن الدبلوماسي التونسي، وبدل تمتين علاقات تونس بالدول الشقيقة والصديقة، وتوسيع شبكة تواصلها بالقوى العربية والدولية الفاعلة، وترويج نموذجها الديمقراطي السلمي، وجدنا الرجل يدلي بتصريحات خطيرة، من حين إلى آخر، تؤدي إلى تأزيم العلاقة بين تونس ومحيطها الخارجي، وتفضي إلى إحراج الدبلوماسية التونسية. ويكفي أن نشير، في هذا الإطار، إلى خروج البكوش عن الإجماع العربي والدولي في مقاطعة نظام بشار الأسد، ودعوته السفير السوري إلى العودة إلى تونس، وحديثه عن إحداث قنصلية تونسية في دمشق، وهو ما نفاه الرئيس، الباجي قائد السبسي، لاحقاً في حديث مع قناة فرانس 24 قائلاً: إن تونس لا تشذ عن الموقف العربي والدولي العام، وإن الشأن الخارجي يرجع بالنظر إلى رئاسة الجمهورية.
وعمد البكوش، في مقام آخر، إلى اتهام تركيا بتسهيل عمليات تمرير الجهاديين التونسيين إلى سورية، وهو زعم لا يملك الرجل عليه دليلاً. ونتج عن ذلك استدعاء سفير تونس في أنقرة للاستفسار والاحتجاج. ولم يقف وزير الخارجية التونسي عند هذا الحد، بل ذهب في لقاء تلفزي معه إلى تقديم أخبار وأحكام لا أساس لها من الصحة، مدعياً "أن تركيا حذفت خانة الجهاد من التأشيرة الممنوحة للتونسيين الراغبين في السفر إليها"، والحال أن تركيا من البلدان المتقدمة القليلة التي منحت، منذ عقود، التونسيين حق زيارتها من دون تأشيرة، ولم ينقض حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا هذا الامتياز منذ توليه زمام السلطة في أنقرة سنة 2002. وكانت تركيا سباقة، بعد الثورة، في مد الأمن التونسي بأجهزة رقابية وعتاد عسكري لمكافحة الإرهاب.
وقد أثارت تصريحات البكوش سخط معظم التونسيين الذين يقصدون إسطنبول يومياً للسياحة أو التجارة أو الزيارة، ولديهم انطباع طيب عن عراقة ذلك البلد وأصالة أهله. وعلى صعيد آخر، لم تكن الخارجية التونسية جادة في تقريب المواقف بين الأطراف المتنازعة في ليبيا على الرغم من أهمية هذا البلد اقتصاديّاً وأمنيّاً بالنسبة إلى تونس، باعتباره يستقطب عدداً كبيراً من اليد العاملة التونسية، وتصله بتونس حدود تمتد مئات الأميال. والظاهر أن توجس وزير الخارجية من الإسلاميين الحاكمين في طرابلس جعله لا يبذل جهداً في تفعيل دور تونس، لدعم جهود المصالحة بين أطراف الصراع في ليبيا. وبدا موقف وزير الخارجية باهتاً من الحملات المتتالية التي تشنها بعض الأطراف، لتأزيم العلاقة بين تونس وقطر، والحال أن الدوحة في صدارة الدول التي عبّرت عن دعمها الثورة التونسية، وعن مساندتها الانتقال الديمقراطي في البلاد.
يمكن تفسير الأداء المرتجل للبكوش بعدة معطيات، لعل أهمها قلة خبرته في الحكم، وعدم درايته بفنون العلاقات الدولية، وبعد هذا المجال عن اختصاصه، فهو ضليع في النحو والصرف والترجمة، وبعيد عن إدارة العلاقات الخارجية. وهو ما يخبر بأنه تولى المنصب على سبيل الاسترضاء والعمل بالمحاصصة الحزبية في تشكيل الائتلاف الحاكم، لا على سبيل الكفاءة وتنصيب الرجل المناسب في المكان المناسب. يضاف إلى ذلك أن الرجل لم يخلع بعد جبة الانتماء الأيديولوجي، ليلبس لبوس رجل الدولة، فتراه ما زال محكوماً بميوله اليسارية، متحاملاً على كل دولة يحكمها إسلاميون، أو هي تنفتح على إسلاميين. وهذا النهج في تلبيس الشخصي بالسياسي والأيديولوجي بالمهني، والذاتي بالوزاري، لا يخدم الصالح العام، ولا يفيد الدبلوماسية التونسية في شيء، ويتعارض مع ما يسميه قادة "نداء تونس" وأنصاره بـ "هيبة الدولة".
وبعد الثورة، بدل أن يُسأل البكوش، وهو الذي يزعم أنه نقابي وحقوقي مكين، عن صمته على جرائم "بن علي"، وجدناه يتصدر المشهد الإعلامي والسياسي، ويفتي للناس في كل شاردة وواردة، ويغتنم عصر الثورة ليتقلد منصب الوزير أكثر من مرة، والحال أنه قد بلغ من العمر عتياً، فقد تولى إدارة شؤون وزارة التربية ضمن الحكومة الانتقالية التي ترأسها الباجي قايد السبسي.
ويقول ملاحظون، إن الرجل لبس في تلك الوزارة جبّة التكنوقراطي، ولم يكلف نفسه فتح ملفات الفساد فيها، ولم ينصف المفروزين أمنيّاً في مناظرات وزارة التربية على عهد بن علي، ولم يتخذ خطوات جريئة، نظريّاً أو عمليّاً في مجال الإصلاح التربوي، بل اكتفى بترك الوضع على ما هو عليه. وخلال فترة حكم الترويكا، بقيادة حركة النهضة، جدّ الطيب البكوش في تعداد زلاتها، وكان من أعلام التيار اليساري في حركة نداء تونس، ومن دعاة إقصاء الإسلاميين من الحكم، ومن روافض إشراكهم في إدارة شؤون الدولة، حتى أنه رفض مبدأ التحالف مع حركة النهضة، لكنه قبل تولي مقاليد وزارة الخارجية ضمن الحكومة الائتلافية، بقيادة الحبيب الصيد. وليته ما فعل، فقد تتالت زلاته في إدارة الشأن الدبلوماسي التونسي، وبدل تمتين علاقات تونس بالدول الشقيقة والصديقة، وتوسيع شبكة تواصلها بالقوى العربية والدولية الفاعلة، وترويج نموذجها الديمقراطي السلمي، وجدنا الرجل يدلي بتصريحات خطيرة، من حين إلى آخر، تؤدي إلى تأزيم العلاقة بين تونس ومحيطها الخارجي، وتفضي إلى إحراج الدبلوماسية التونسية. ويكفي أن نشير، في هذا الإطار، إلى خروج البكوش عن الإجماع العربي والدولي في مقاطعة نظام بشار الأسد، ودعوته السفير السوري إلى العودة إلى تونس، وحديثه عن إحداث قنصلية تونسية في دمشق، وهو ما نفاه الرئيس، الباجي قائد السبسي، لاحقاً في حديث مع قناة فرانس 24 قائلاً: إن تونس لا تشذ عن الموقف العربي والدولي العام، وإن الشأن الخارجي يرجع بالنظر إلى رئاسة الجمهورية.
وعمد البكوش، في مقام آخر، إلى اتهام تركيا بتسهيل عمليات تمرير الجهاديين التونسيين إلى سورية، وهو زعم لا يملك الرجل عليه دليلاً. ونتج عن ذلك استدعاء سفير تونس في أنقرة للاستفسار والاحتجاج. ولم يقف وزير الخارجية التونسي عند هذا الحد، بل ذهب في لقاء تلفزي معه إلى تقديم أخبار وأحكام لا أساس لها من الصحة، مدعياً "أن تركيا حذفت خانة الجهاد من التأشيرة الممنوحة للتونسيين الراغبين في السفر إليها"، والحال أن تركيا من البلدان المتقدمة القليلة التي منحت، منذ عقود، التونسيين حق زيارتها من دون تأشيرة، ولم ينقض حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا هذا الامتياز منذ توليه زمام السلطة في أنقرة سنة 2002. وكانت تركيا سباقة، بعد الثورة، في مد الأمن التونسي بأجهزة رقابية وعتاد عسكري لمكافحة الإرهاب.
وقد أثارت تصريحات البكوش سخط معظم التونسيين الذين يقصدون إسطنبول يومياً للسياحة أو التجارة أو الزيارة، ولديهم انطباع طيب عن عراقة ذلك البلد وأصالة أهله. وعلى صعيد آخر، لم تكن الخارجية التونسية جادة في تقريب المواقف بين الأطراف المتنازعة في ليبيا على الرغم من أهمية هذا البلد اقتصاديّاً وأمنيّاً بالنسبة إلى تونس، باعتباره يستقطب عدداً كبيراً من اليد العاملة التونسية، وتصله بتونس حدود تمتد مئات الأميال. والظاهر أن توجس وزير الخارجية من الإسلاميين الحاكمين في طرابلس جعله لا يبذل جهداً في تفعيل دور تونس، لدعم جهود المصالحة بين أطراف الصراع في ليبيا. وبدا موقف وزير الخارجية باهتاً من الحملات المتتالية التي تشنها بعض الأطراف، لتأزيم العلاقة بين تونس وقطر، والحال أن الدوحة في صدارة الدول التي عبّرت عن دعمها الثورة التونسية، وعن مساندتها الانتقال الديمقراطي في البلاد.
يمكن تفسير الأداء المرتجل للبكوش بعدة معطيات، لعل أهمها قلة خبرته في الحكم، وعدم درايته بفنون العلاقات الدولية، وبعد هذا المجال عن اختصاصه، فهو ضليع في النحو والصرف والترجمة، وبعيد عن إدارة العلاقات الخارجية. وهو ما يخبر بأنه تولى المنصب على سبيل الاسترضاء والعمل بالمحاصصة الحزبية في تشكيل الائتلاف الحاكم، لا على سبيل الكفاءة وتنصيب الرجل المناسب في المكان المناسب. يضاف إلى ذلك أن الرجل لم يخلع بعد جبة الانتماء الأيديولوجي، ليلبس لبوس رجل الدولة، فتراه ما زال محكوماً بميوله اليسارية، متحاملاً على كل دولة يحكمها إسلاميون، أو هي تنفتح على إسلاميين. وهذا النهج في تلبيس الشخصي بالسياسي والأيديولوجي بالمهني، والذاتي بالوزاري، لا يخدم الصالح العام، ولا يفيد الدبلوماسية التونسية في شيء، ويتعارض مع ما يسميه قادة "نداء تونس" وأنصاره بـ "هيبة الدولة".